حوار مضروب

يقول توماس باين "محاولة التحاور مع شخص تخلى عن أي منطق أشبه بإعطاء الدواء لجثة".
حين تدخل في حوار عقيم يقودك إلى جدال لا فائدة منه فنصيحتي لك أن تصمت وتنسحب، ليس لأنك جبان بل لأني " أبصم بالعشرة "، أننا ما زلنا بحاجة إلى تعلم مهارات وآداب وأساليب الحوار الراقي، والإيمان بأن اختلاف الآراء ووجهات النظر أمر طبيعي بين البشر، ومع الأسف كثير من المتحاورين يشعرون أنهم في حلبة ملاكمة إما أن يوجهوا الضربة القاضية إلى خصومهم أو سيعدون أنفسهم مهزومين. التفكير بهذه العقلية أصبح سائدا خصوصا أن هناك من يقوم بتغذية هذا الاعتقاد من خلال ترسيخ النوايا السيئة والتشكيك والتخوين وشحن الطرفين ولوي عنق الحقيقة لتخدم مفاهيم يسعى أحد الطرفين لإثباتها. السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة: هل نحن بحاجة إلى منهج دراسي في مدارسنا تتعلم من خلاله الأجيال القادمة أساليب الحوار الراقي والفرق بين الحوار والجدال؟ ومتى يجب على العقلاء أن يستمروا أو يتوقفوا عن الحوار؟ وكيف يتم التحكم في الانفعال والغضب والاستفزاز والتعصب أثناء الحوار؟
توقفك عن الاستمرار في الحوار وانسحابك منه يدفع الطرف الآخر والمؤيدون له إلى الظن بأنك فعلت ذلك جبنا وخوفا واستسلاما أمام براهين ومعتقدات وأفكار لا تملك القدرة على تفنيدها، بينما الحقيقة أنك أدركت في لحظة ما أن الحوار أصبح لا فائدة منه لأنه أشبه بإعطائك الدواء لجثة هامدة مثلما قال السيد توماس.
كثير من العقلاء يفضلون الصمت والانسحاب من الحوار بدل "حرق الأعصاب"، وأنا حقا لا ألومهم لأن الأمر يحتاج إلى نفس طويل لا يملكه الجميع، لذلك حين تخوض حوارا في المستقبل فاعلم أن خصمك قد يلجأ إلى أساليب استفزازية تشتت تركيزك ليشغلك بأمور دفاعية، الأمر الذي يبعثر أفكارك ويخرجك عن طورك ويدفعك إلى القيام بتصرفات غير عقلانية، وإن لم يكن الطرف الآخر يؤمن بالحوار الراقي واختلاف وجهات النظر وتقبل الأفكار واحترامها ولا يفرض عليك أن تكون موافقا لآرائه، فكن على حذر منه لأنه حين يشعر بالهزيمة سيلجأ إلى حيل خبيثة مثل التخوين والتكفير والتشكيك في مصداقيتك، والانتماء لتيار معين، والمضحك المبكي أنك حين تحاور كل تيار فسيتهمك أنك موال للتيار الآخر حتى تصاب بعقدة من الحوار كله فتتخذ وضعية الصامت ولسان حالك يقول "يا الله السلامة".
مع الأسف القانون السائد حاليا في الحوار، إن لم تكن معي فأنت ضدي. "ابتلشنا والله"!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي