FINANCIAL TIMES

فرض ضريبة الثروة الصافية قضية «رئاسيات» أمريكا

فرض ضريبة الثروة الصافية قضية «رئاسيات» أمريكا

فرض ضريبة الثروة الصافية قضية «رئاسيات» أمريكا

أستريد ليندجرين، التي اشتهرت بكتابة قصص الأطفال الكلاسيكية، لم تكن معروفة بأنها ناشطة قوية ضد معدلات الضرائب المفرطة.
في عام 1976، نشرت المؤلفة السويدية قصة مقنعة بشكل مكشوف حول بومبريبوسا، كاتبة أطفال في أرض مونيسمانيا الوهمية.
كانت بومبريبوسا محبوبة من قبل الأطفال في جميع أنحاء العالم – وهذا من سوء حظها - لأنها تركتها أكثر فقرا، مما لو أنها لم تبع أي كتب على الإطلاق.
نظام الضرائب في مونيسمانيا والسويد، كان مصمما بحيث إنها اضطرت لدفع مزيد من الضرائب - 102 في المائة، كما ادعت ليندجرين - أكثر مما كسبت.
لم تكن هذه الكاتبة هي الفنانة الوحيدة المشهورة التي تعاديها السلطات الضريبية في السويد.
ذهب إنجمار برجمان، المخرج السينمائي السويدي، إلى منفى اختياري بعد اعتقاله بسبب مخالفات ضريبية مزعومة.
ما قد يكون أكثر أهمية بالنسبة للاقتصاد هو أن كثيرا من أنجح رواد الأعمال في السويد، مثل إنجفار كامبراد، مؤسس شركة بيع الأثاث بالتجزئة إيكيا Ikea، وعائلة راوزنج، التي اكتسبت ثروتها من عبوات تترا باك Tetra Pak للأغذية، قد أعادوا هم وغيرهم هيكلة أعمالهم، ونقلوا حياتهم إلى الخارج لتجنب أكثر السمات المفرطة والمجحفة للضرائب السويدية.
بالنسبة إلى ليندجرين، كانت هذه ضرائب دخل هامشية مرتفعة. بالنسبة إلى أصحاب المشاريع، كانت ضريبة الثروة أحد أكثر الأشياء أهمية.
لمدة قرن، تفرض السويد ضريبة سنوية على صافي أصول دافعي الضرائب، مع معدل هامشي أعلى بلغ ذروته في 1984 بنسبة 4 في المائة.
السويد لم تكن وحدها في ذلك. حتى وقت متأخر هو عام 1990، كانت هناك عشرة بلدان أوروبية لا تزال تطبق ضريبة ثروة صافية.
في العقود التي تلت ذلك، خفضت السويد معدلات الضرائب، وفي النهاية، في عام 2007، وألغت ضريبة الثروة بالكامل.
كما اختفت الضريبة أيضا في أماكن أخرى، وكان آخرها في فرنسا، حيث كان التخلص من ضريبة الثروة المليئة بالثغرات، أحد أول أعمال إيمانويل ماكرون كرئيس في عام 2017، ما دفع "أصحاب السترات الصفراء" إلى اتهامه بأنه "رئيس الأثرياء".
واليوم تظل معمولا بها في أربعة بلدان فقط: النرويج وإسبانيا وسويسرا وبلجيكا، التي أدخلت نسخة محدودة على حيازات الأوراق المالية هذا العام.
عبر المحيط الأطلسي، باتت قضية الضرائب المفروضة على الثروة فجأة، هي الموضة السائدة. إليزابيث وارن، عضوة مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية ماساتشوستس، لديها أكثر برامج السياسة تطورا لأي مرشح ديمقراطي للانتخابات الرئاسية لعام 2020.
أبرز مقترحها الذي يلفت الأنظار بقوة هو فرض ضريبة سنوية بنسبة 2 في المائة على الثروة الصافية، لمن يمتلكون أكثر من 50 مليون دولار، وضريبة سنوية إضافية بنسبة 1 في المائة على الثروات التي تتجاوز مليار دولار.
ربما لن يتم تطبيق هذه الضريبة على الإطلاق. تقول بلانش لارك كريسترسون، مديرة الثروات في "دويتشه بنك"، إنه حتى لو فازت وارن بالمركز الأول في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية، ثم فازت على دونالد ترمب، فإن ضريبة الثروة ستجابه بمقاومة هائلة إن لم تكن لا متناهية.
وتذكر أنه "من الصعب دائما تمرير ضريبة جديدة". وهناك خلاف حول ما إذا كان حتى من الممكن دستوريا أن يتم فرضها من قبل الحكومة الفيدرالية. ومع ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة بوليتيكو/ مورنينج Politico/Morning Consult في شباط (فبراير) الماضي، أن اقتراح وارين بشأن ضريبة الثروة مقبول للغاية لدى الجمهور: أيده 61 في المائة من الناخبين الأمريكيين المسجلين - بما في ذلك 50 في المائة من الجمهوريين – في حين عارضه 20 في المائة فقط.
في أوروبا أيضا، لم تكن هذه الحركة بعيدة عن ضرائب الثروة.
تخلصت إسبانيا من الضريبة، لكنها قررت إعادة إدخالها بعد الأزمة المالية، أولا بشكل مؤقت، ثم بشكل دائم.
تمثل ضريبة بلجيكا الجديدة على المقتنيات المالية التي تزيد على نصف مليون يورو، استجابة للمعاملة الضريبية المواتية للغاية للمنفيين ضريبيا، مثل الحالة المشهورة للممثل الفرنسي جيرار ديبارديو، الذي انتقل إلى هناك في عام 2012، وعبئا ضريبيا ثقيلا على دخل العمل العادي.
هل يمكن لأغنى الأغنياء اليوم إنهاء حالة العداء مع الضريبة المفروضة على الثروة؟ في سويسرا - غير المعروفة بكونها مكانا يتجنبه أغنى الأغنياء – هناك ضريبة على الثروة الصافية.
هذا على الأقل، هو ما ورد في رسالة هاينز تينلر، المدير المالي لكانتون زوغ السويسري. إنها ضريبة "مناسبة تماما"، "نظام جيد"، كما يقول.
كما لو كان ذلك للتأكيد على هذه النقطة، فإن مكتب حكومة المقاطعة الذي كان يشغله، كان يستخدم من قبل الراحل مارك ريتش، تاجر السلع الهارب من العدالة الأمريكية، الذي جعل من زوغ موطنه.
هناك اختلافات. ضريبة الثروة في سويسرا أقل بكثير من تلك التي اقترحتها وارن، وتراوح في هذه الكانتونات بين نحو 0.3 في المائة و1 في المائة من إجمالي صافي الثروة لدافعي الضرائب.
لا تفرض ضريبة على المقيمين الأجانب الذين لا يمارسون أي نشاط اقتصادي في البلاد، إلا على جزء من ثروتهم المتعلقة بنفقات معيشتهم في سويسرا.
من ناحية أخرى، تستفيد ضرائب الثروة السويسرية من مستويات منخفضة للغاية من صافي الأصول - الأرقام الستة المنخفضة في معظم الكانتونات، التي هي أدنى بكثير من أدنى عتبة لوارين البالغة 50 مليون دولار. في إسبانيا والنرويج أيضا، يبدأ تطبيق ضريبة الثروة الصافية من حيازات الأصول المعتدلة.
بعبارة أخرى، يجب أن يكون المرء ثريا للغاية فعلا حتى يشعر بالتهديد من وارن.
ووفقا لجابرييل زوكمان وإيمانويل سايز، وهما أستاذا علم الاقتصاد اللذان قدما النصح والمشورة إلى وارن بشأن هذه السياسة، فإن أغنى 75 ألف أسرة فقط تتجاوز الحد الأدنى (أقل من 0.1 في المائة)، وستدفع 900 أسرة فقط الضريبة الإضافية على أصحاب المليارات.
بالنسبة إلى هذه العائلات، علينا أن نعترف بأن المعدل الضريبي حاد للغاية: 2-3 في المائة في السنة يمكن أن يكون أكثر من العائد الحقيقي على كثير من الأصول، ما يعني أن الثروة يمكن أن تتقلص بمرور الوقت حتى لو لم يستخرج المالك أي دخل منها.
على سبيل المثال، سيتم تخفيض الأصل الذي يحتفظ للتو بقيمته المعدلة حسب التضخم "عائد حقيقي هو الصفر" بمقدار النصف بعد 34 عاما إذا تم فرض ضريبة بنسبة 2 في المائة كل عام.
ومع ذلك، لا يختلف كل هذا عن الضرائب المفروضة على المواريث أو العقارات، التي تأخذ في كثير من البلدان حصة كبيرة نسبيا من الثروة عندما يموت المالك.
ربما يكون من الأسهل تحمل الانخفاض البطيء في الثروات الكبيرة بمرور الوقت - وهي نسخة مما أطلق عليه الاقتصادي الكبير لورد جون مينارد كينز: "القتل الرحيم للمتربح"، ولكن من خلال فرض ضريبة الثروة بدلا من خفض أسعار الفائدة.
إذا لم يكن الأمر كذلك، فمن المحتمل أن يستخدم دافعو الضرائب أساليب مماثلة لتقليل ضرائب الثروة، كما يفعلون حاليًا لتقليل ضرائب المواريث أو الضرائب على التركات.
تقول كريسترسون من "دويتشه بنك": "أعتقد أن الناس سينظرون إلى الهياكل التي لها قيود حقيقية من شأنها أن توجد تخفيضات في التقييم، بحيث يجري تقييم شيء ما يستحق 100 سنت، بما قيمته 60 سنتا". السبب في ذلك أنه يمكن القول إن الأصول المغلفة، ضمن ترتيبات الملكية التي تقيد من الناحية القانونية حرية المالك في التصرف في الثروة، ستجلب سعر سوق أقل من تلقاء نفسها.
على سبيل المثال، ستتطلب الشراكات ذات المسؤولية المحدودة لعائلة ما، قادرة على الاحتفاظ بالأوراق المالية القابلة للتسويق بشكل مشترك، مقابل أي تصرف وجود اتفاق بين الشركاء.
كريسترسون تحذر من أن تخفيض الضرائب بهذه الطريقة "يسهل قوله أكثر من فعله" لأنه "كثيرا ما تعترض عليه" قبل السلطات الضريبية".
ضرائب الثروة الحالية لها أيضا كثير من الثغرات والإعفاءات التي يمكن للأغنياء من أصحاب الأصول الاستفادة منها.
النرويج وإسبانيا، على سبيل المثال، تعفي أو تخفض قيمة المساكن الأولية.
تعتقد كريسترسون أن ما لا يرجح أن يفعله الأثرياء الأمريكيون، هو الانتقال من الولايات المتحدة لتجنب ضريبة الثروة إذا تم فرضها.
السبب في ذلك أن الولايات المتحدة، بشكل فريد، تعتبر جميع حاملي جوازات السفر والبطاقة الخضراء مطالبين بدفع الضريبة الأمريكية، كما أن خطة وارن تفرض ضريبة ضخمة لمرة واحدة بنسبة 40 في المائة، على ثروة أي أو كل شخص يريد التخلي عن الجنسية لأسباب ضريبية.
إلى جانب ذلك، كما يوضح مثال زوغ، لا تزال بعض الأماكن التي تفرض فيها ضريبة الثروة تجتذب الأثرياء.
عدم القدرة على العيش في الولايات المتحدة قد يكون تضحية كبيرة للغاية بالنسبة إلى كثيرين.
ومع ذلك، لا ينتمي جميع الأثرياء إلى فئة "المتربحين" الذين تحدث عنهم كينز.
بجانب الأغنياء العاطلين اقتصاديا، هناك أغنياء ترتبط ثرواتهم بالنشاط الاقتصادي.
بحكم التعريف، يتم تقييم ضريبة الثروة على قيمة الأصل، فقد تتجاوز أي دخل يولده الأصل.
أقوى حجة ضد ضرائب الثروة في البلدان التي فرضتها، هي أن أصحاب الشركات عليهم فطم شركاتهم من الاستثمار، أو تصفية أجزاء منها، لدفع الضريبة.
في النرويج، هذه هي الحجة الرئيسة لإلغائها. غالبا ما يتم تخفيض ضريبة الثروة على الشركات الناشئة في سويسرا، إلى أن يتم بيعها أو تعويمها في أسواق الأسهم؛ وهناك قواعد مماثلة للأراضي الزراعية.
في المقابل، تنظر وارن إلى حل جديد لهذه المشكلة. يقترح مستشاروها أنه بالنسبة إلى الموجودات التي يصعب تسييلها، مثل الشركات غير المدرجة في البورصة، أن يدفع الممولون ضريبة ثروة عينية – ما يعني التخلي عن حصة 2 في المائة من الشركة كل عام - بدلا من النقد.
هناك سابقة طريفة للضرائب العينية الحديثة: تم بناء متحف بيكاسو في باريس بحصيلة تبرع بها ورثة الفنان للحكومة، لتسوية فاتورة ضريبة ميراثهم.
قد يكون هذا بمنزلة عزاء بارد لأصحاب المشاريع: في حين أنه قد يجنبهم أخذ أموال من الشركة، إلا أن من شأنه أن يقلل من حصتهم في الشركة بمرور الوقت على أي حال.
يبدو أن الحفاظ على السيطرة الكاملة للأسرة على شركاتها، كان الدافع الأعمق للهجرة الضريبية من قبل رواد الأعمال مثل كامبراد وراوزنج.
هناك سمة واحدة لضرائب الثروة يمكن أن تكون أقوى ميزة لصاحب المشاريع الناجح. إذا تحولت السياسة كما يبدو الآن لمصلحة فرض ضرائب أعلى على رأس المال، فإن بديل الضريبة على صافي الثروة ليس عدم تغيير أي شيء، بل وضع معدلات أعلى على الضرائب الرأسمالية التقليدية.
مقارنة بالضرائب على الأرباح وتوزيعات الأرباح والمكاسب الرأسمالية، فإن ضريبة الثروة تفضل الذين يستخدمون أصولهم على نحو أكثر إنتاجية.
السبب في ذلك أنها تكون ضريبة على الشريحة نفسها من الثروة، بصرف النظر عن العوائد التي تنتجها الأصول.
مالكو الأصول ذات العوائد العالية – التي تشتمل على أصحاب المشاريع الناجحين بالتعريف – تبقي حصة من الدخل المتولد من ثروتهم تزيد على حصة مالكي الأصول ذات العوائد المتدنية.
فاتح جوفينين، أستاذ الاقتصاد في جامعة منيسوتا، يصف هذا بأنه مفعول "إما أن تستخدمه أو تخسره"، وهو يجادل بأن الضريبة على صافي الثروة تعمل من الناحية العملية، على إعادة التوزيع من الذين يستثمرون رأسمالهم بصورة سيئة، إلى الذين يعثرون على استخدامات ذات عوائد عالية لرأسمالهم.
هذا يفترض فيه أنه سيكافئ أصحاب المشاريع الموهوبين، ويعزز نمو الإنتاجية في الاقتصاد ككل، وهو مزيج يمكن أن يبدأ بالضبط بالظهور كأنه جذاب سياسيا.
على فرض الضرائب على صافي الثروة، ربما تكون أفضل أيامه في المرحلة المقبلة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES