FINANCIAL TIMES

محاولات يائسة لخنق الثورة الرقمية في إفريقيا

محاولات يائسة لخنق الثورة الرقمية في إفريقيا

منذ بداية هذا العام حجبت ست حكومات إفريقية على الأقل الإنترنت، وغالبا ما يتم ذلك بمشاركة مزودي الخدمات الغربيين.
بحلول نهاية تلك العمليات كان أكثر من 100 شخص قد فقدوا أرواحهم وتعرض كثيرون للاعتداء. في غمضة عين تقلصت حركة احتجاج معارضة استخدمت قبل أسابيع فقط وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم الإطاحة بعمر البشير، الذي استمر في الحكم 30 عاما، وتحولت إلى الاجتماعات السرية التي تعود إلى عصر ما قبل الإنترنت.
هذا مثال واضح بشكل خاص على قدرة التكنولوجيا الجديدة على التغيير التدريجي، والعكس. لكن في جميع أنحاء إفريقيا أصبحت الطبيعة ذات الحدين للتكنولوجيا الرقمية ظاهرة بشكل متزايد. لننظر إلى الناشطين الاجتماعيين في الكونغو الديمقراطية الذين ينشطون على شبكة الإنترنت لمحاولة إبقاء حكومتهم الملتوية على الطريق المستقيم، لكنهم يجدون أنفسهم غارقين في الظلام الرقمي عندما تكون نتائج التصويت قيد "الطبخ".
في ظاهر الأمر، يبدو حجب الإنترنت في إفريقيا أمرا أقل إثارة للاهتمام ولفت الأنظار من الحجب في أوروبا، أو الصين، أو أمريكا الشمالية، حيث يعد استخدام تكنولوجيا الإنترنت أكثر انتشارا. فلا يزال انتشار الإنترنت في إفريقيا - رغم ارتفاعه بسرعة أكبر من أي مكان آخر - لا يتجاوز 37 في المائة، مقابل 61 في المائة في بقية العالم.
مع ذلك وبطريقة ما، يعتمد الأفارقة على تكنولوجيات الإنترنت والهاتف الذكي أكثر من الناس في أماكن أخرى. انتقلت نيجيريا من 100 ألف هاتف ثابت في أوائل العقد الأول من القرن الحالي إلى 170 مليون مشترك في الهاتف المحمول اليوم. في بلد فيه طرق محفوفة بالمخاطر، لا يعد الإنترنت طريقا بديلا بقدر ما هو الطريق الوحيد.
يستخدم مئات الملايين من الأفارقة الخدمات الخليوية لتحويل الأموال إلى أسرهم أو لدفع ثمن السلع والخدمات. في حال غياب نظام مصرفي عالمي، إذا تعطلت شبكة الهاتف المحمول، فقد يكون التأثير مدمرا.
بالمثل، في البلدان التي تتمتع بوسائل إعلام مطبوعة خاضعة لرقابة شديدة، يصبح الإنترنت المصدر الوحيد للمعلومات الموثوقة - وبالطبع الشائعات والتضليل. في لعبة القط والفأر، سعت سلطات تنزانيا إلى فرض ضرائب على المدونين لإيقافهم من خلال رسوم باهظة. وفرضت أوغندا ضريبة يومية على استخدام المنصات، مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"واتساب"، للحد مما تعده الحكومة "ثرثرة فارغة".
الأمر الأكثر أهمية حتى من هشاشة البنية التحتية المادية هو الضعف المؤسسي والتنظيمي. بدأ المستهلكون في الاقتصادات المتقدمة يستوعبون الآن فقط المخاطر التي تشكلها التكنولوجيا على خصوصيتهم وحريتهم. في إفريقيا لا تزال الشركات في مرحلة ما تسميه الكاتبة الكينية، نانجالا نيابولا "عملية اكتساح جماعي للبيانات" يتم فيها التهام معلومات عن فئة مستهلكين متوسعة.
حتى الحكومات ربما تكون مكشوفة لعملية الاكتساح هذه. في عام 2017 لاحظ الفنيون العاملون في المقر الرئيس للاتحاد الإفريقي في أديس أبابا أن ذروة استخدام البيانات في المبنى تحدث في كل ليلة بين منتصف الليل والساعة الثانية صباحا. ذكر تقرير نشرته صحيفة "لوموند"، ونفته بكين بشدة، أن البيانات الواردة من المقر الرئيس المليء بأجهزة التنصت - هدية من الحكومة الصينية - يتم تنزيلها إلى شنغهاي كل ليلة.
يعتمد عديد من البلدان الإفريقية الآن بشكل شبه كلي على الشركات الصينية، بما في ذلك "هواوي" في خدماتها الرقمية. تبيع "ترانشين" Transsion، وهي شركة لتصنيع الهواتف في شينزن، عددا من الهواتف في إفريقيا يفوق ما تبيعه أي شركة أخرى. حتى أنها بدأت التصنيع في إثيوبيا.
يوفر عديد من الشركات الصينية، بما في ذلك "زد تي إي" ZTE و"هيكفجن" Hikvision، تكنولوجيا المراقبة التي تستخدمها الحكومات الإفريقية لمراقبة سكانها أو التجسس عليهم. في العام الماضي وقعت "كلاود ووك تيكنولوجي" CloudWalk Technology، وهي شركة ناشئة في جوانجتشو، اتفاقية مع حكومة زيمبابوي لتوفير برنامج كبير للتعرف على الوجه. وسترسل زيمبابوي بيانات عن ملايين مواطنيها، تم التقاطها بواسطة كاميرات شركة CCTV، إلى الشركة الصينية التي تأمل في تحسين التكنولوجيا التي لا تزال تناضل للتمييز بين الوجوه السمراء.
ترسم نيابولا التي يستكشف كتابها "الديمقراطية الرقمية، السياسة التناظرية" هذه التوترات في مسقط رأسها كينيا، صورة تتعايش فيها مزايا ومخاطر التكنولوجيا الجديدة. على الجانب الإيجابي، تقول إن المواطنين يذكرون بصورة دورية السياسيين والقضاة على "تويتر"، مطالبين بالمساءلة التي لا يمكن تصورها حتى قبل بضع سنوات.
في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية لعام 2017، تم العثور على رئيس قسم التكنولوجيا في اللجنة الانتخابية مقتولا. عندما بدأ النظام الإلكتروني بالكامل في نشر النتائج، نشر المواطنون بطاقات الاقتراع الورقية عبر الإنترنت في محاولة لكشف ما يشتبه في أنه تزوير كامل. في النهاية، اتخذت المحكمة العليا - وهي جزء من مجموعة تم اختراعها في القرن التاسع عشر - القرار الجريء بإصدار أمر بإعادة الانتخابات بأكملها. فاز من كان يشغل المنصب في كل الأحوال.
تقول نيابولا: "استخدام التكنولوجيا بوصفها بديلا عن الثقة يوجد هذا الصندوق الأسود". وتضيف "لكن معظمنا لا يفهم كيفية بناء هذه الأنظمة. لذا ما يخرج هو مجرد فوضى".
لدى الحكومات في إفريقيا فرصة هائلة لاستخدام الثورة الرقمية لتحسين حياة مواطنيها. كثير منها يستخدمها ضدهم.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES