Author

حقوق الطفل .. التشريعات والآليات

|

في عام 1416هـ وافقت المملكة على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، الصادرة من الهيئة العامة للأمم المتحدة في عام 1989، مع تضمين قرار المملكة التحفظ على المواد التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وهذا من حق المملكة، وغيرها من الدول حفاظا على الهوية العامة للدولة، وحتى لا يكون هناك تناقض بين ما قد يوجد من مواد في الوثيقة، وبين تشريعات الإسلام بشأن الطفل.
هوية الطفل، وحقه في اسم، وجنسية، وانتماء لأسرة يمثل حقا لازما، وحاجة ضرورية تسهم في النمو الطبيعي، ولذا شدد الإسلام على حسن اختيار الزوجة "اظفر بذات الدين تربت يداك" كخطوة مهمة في تربية الطفل، خاصة أن الأم تلعب دورا بارزا ومهما في تنشئة الطفل، والعناية به، ولذا نجد أن اختيار اسم مناسب، وجميل حق من حقوق الطفل على والديه، رغم أن بعض الممارسات تخالف هذا المبدأ، حتى أن الابن يضطر لتغيير اسمه إذا كبر نظرا لعدم قناعته بالاسم الذي اختاره الوالدان، إما لشذوذ الاسم، أو لقباحته ما يسبب له حرجا يتحول إلى عقد نفسية فيما بعد.
الحق في العيش في كنف الوالدين، وتحت رعايتهما، حق طبيعي لاستقرار نفسي، وطمأنينة، واتزان تجعل الفرد أكثر احتراما لمقومات المجتمع، وقيمه، وأنظمته.
وينشــأ ناشـــئ الفتيــــان فـــيــــنا
عــــــلى مــــا كــــان عــــوده أبــــوه
حق الطفل في التعليم أمر لا جدال فيه، وشددت عليه الوثيقة الدولية لحقوق الإنسان، نظرا لما للتعليم من أثر في إعداد الفرد للحياة السوية، وسعة المعرفة، واكتساب المهارات التي تهيئ للحصول على مهنة تجنبه الانحراف، وتحقق له الكسب المشروع، وتعد النيابة العامة في المملكة أن من الإيذاء، والإهمال للطفل حرمانه من التعليم، نظرا لما يترتب على ذلك من آثار سلبية تستمر مع الطفل خلال مسيرة حياته.
من المؤسف أن الأطفال يتحولون إلى ضحايا للاضطرابات السياسية في المجتمعات، ويحرمون من التعليم، نتيجة التهجير، والإقامة في المخيمات، كما يحدث لأبناء الروهينجا، والسوريين، والأطفال اليمنيين الذين يجبرهم الحوثي على القتال في صفوف ميليشياته ما يحرمهم من التعليم.
النيابة العامة تؤكد أن ترك الطفل في بيئة تعرضه للخطر يعد إيذاء، وإهمالا، ولعل من الممارسات الخطرة ترك الأطفال يحملون السلاح في مناسبات الأعياد والزواجات، كذلك ترك الأطفال يقودون السيارات قبل البلوغ والنضج، وقبل السن القانونية، لما يترتب عليه من خطر عليهم، وعلى الآخرين.
سوء المعاملة يعد من الإيذاء، والإهمال للطفل، ومع الأسف أن البعض يمارس ذلك بشكل متكرر على شكل ضرب، أو تعنيف، أو حرمان من حقوق، كالأكل المناسب، أو اللباس الجيد، وهذا يحدث كثيرا من قبل زوجة الأب عند وفاة الأم، أو الطلاق، وكأن زوجة الأب تنتقم من الزوجة السابقة من خلال إسقاط مشاعر العدوانية على الأطفال، الذين قدر لهم العيش معها تحت سقف واحد، مع عدم علم الأب، أو عجزه عن فعل شيء. كما أن من صور سوء المعاملة إجبار الطفل على القيام بمهمات تفوق سنه، وقدرته، كالعمل في الورش، أو البناء، إما لسوء تقدير خطورة ذلك على حياة الطفل، ومستقبله، أو لضعف دخل الأسرة، مع أن هذا لا يمثل عذرا مقبولا، لذا على الجهات الرسمية المعنية بالطفل وحقوقه إيقاف هذه الممارسات من خلال دعم الأسر الفقيرة، وتثقيفها بخطورة تلك الممارسات.
الرعاية الصحية للطفل حق لازم يلزم الوالدان القيام به، دون تردد، حماية للطفل من الأمراض والأوبئة التي تعرض حياته للخطر، لذا يلزم الكشف عليه حال تعرضه لأي انتكاسة صحية مهما كانت بسيطة منعا لتطورها، ولا عذر للوالدين، خاصة في بلدنا، حيث الرعاية الصحية المجانية، وتوافر المراكز الصحية، والمستشفيات في الأحياء، والمدن والبلدات.
الرضاعة الطبيعية حق من حقوق الطفل لا يمكن أن يحرم منها، ويكون ضحية الخلافات بين الزوجين، ولذا أكد الإسلام هذا الحق، وضرورة تحقيقه، سواء من قبل الأم مقابل أجر يدفعه الأب حال الانفصال، أو الرضاعة من امرأة أخرى.
اتصال الطفل بوالديه، أو أحدهما حال عدم وجودهما في بلد واحد حق أكدت عليه وثيقة الأمم المتحدة، وذلك من خلال تسهيل انتقال الطفل، أو انتقال الوالدين من بلد إلى آخر، وفق الأنظمة المرعية في كل بلد، بما يحقق لم شمل الطفل بالوالدين، والاغتباط بوجوده معهما. من الظواهر المستفحلة في الوقت الراهن على مستوى العالم لجوء بعض الآباء إلى بيع أطفالهما، إما لفقر، أو عجز عن التربية، وهذه ممارسة تدل على خلل في التفكير، والمشاعر، إذ لا يمكن مقارنة عيش الطفل مع والديه بعيشه مع أسرة بديلة، مهما توافر له من سبل العيش، والحياة الجيدة، ولذا تحرم القوانين الدولية تجارة الأطفال، وتفرض عليها عقوبات مشددة.
استخدام الأطفال في تجارة منافية للآداب، أو تصويرهم، وإنتاج أفلام خليعة يمثل ممارسة لا أخلاقية، وجريمة لا تغتفر، نظرا لأن الطفل لا يستطيع الدفاع عن نفسه، أو لعدم نضجه، وإدراك خطورة هذا الفعل.
أطفال اليوم هم رجال وعدة المستقبل، وعليهم تبنى الأمم، والحضارات، لذا يلزم توفير التشريعات الضامنة لحقوقهم الحافظة لكرامتهم، كما يلزم تهيئة البيئات المناسبة لنمو طبيعي تتشكل من خلاله شخصيات سوية قادرة على العطاء، ويمكن للدول الاستفادة من تجارب بعضها فيما يخص الأطفال.

إنشرها