FINANCIAL TIMES

طلبا للعائد .. الألمان يتحولون على مضض إلى سوق الأسهم

طلبا للعائد .. الألمان يتحولون على مضض إلى سوق الأسهم

المدخرون الذين يسعون للحصول على المشورة المالية من ماريو مونك وزملائه في مصرف بيرلنر فولكس، يتلقون ردا واقعيا من أربعة أرقام: 0.001 في المائة.
هذا هو سعر الفائدة المتاح حاليا على حساب التوفير، وهو الأداة الاستثمارية المفضلة لأجيال من الألمان.
"في الأيام الخوالي يمكن أن تضع أموالك في حساب ادخار وفي نهاية العام ستكون الفائدة كافية للتوجه إلى وسط المدينة وشراء هدايا عيد الميلاد للعائلة. أما اليوم، فلا تكفي حتى لدفع رسوم على مواقف السيارات"، حسبما قال مونك، الذي يرأس المركز المالي لـ"فولكس بانك" في كورفورستندام، شارع التسوق في الجزء الغربي من العاصمة.
في مواجهة مثل هذه العوائد الضئيلة، يتحول المدخرون المحافظون في ألمانيا بشكل متزايد إلى مؤسسة ابتعدوا عنها طويلا: سوق الأسهم.
وفقا لمونك "الاستعداد للاستثمار في الأسهم أعلى مما كان عليه في السابق. والناس يزدادون شجاعة تدريجيا".
كان انطباعه نابعا من بيانات من المعهد الألماني للأسهم DAI، وهي مجموعة ضغط تمثل الشركات المتداولة والمصارف وأسواق الأوراق المالية بشكل عام.
أحدث استطلاع للرأي أظهر أن عدد المساهمين في ألمانيا ارتفع إلى 10.3 مليون في العام الماضي، وهو الأعلى منذ عام 2007. فمنذ هبوطه إلى أدنى مستوى له بعد الانهيار المالي عام 2008، حين تراجع إلى 8.4 مليون في عام 2010، عاد عدد الألمان الذين يمتلكون الأسهم مباشرة، أو الذين يستثمرون في صناديق الأسهم وارتفع أكثر من 20 في المائة.
ميكايلا هولميير، رئيسة اتجاهات سوق رأس المال في المعهد الألماني للأسهم، وواحدة من معدي الدراسة، قالت إن الزيادة تعكس عاملين، مبينة أن "مؤشر داكس (مؤشر الأسهم الممتازة في ألمانيا) في ارتفاع منذ أكثر من عقد، لذلك بدأ الناس في الاهتمام. أضف إلى ذلك سعر فائدة منخفض على حسابات الادخار".
البنك المركزي الأوروبي أعلن الشهر الماضي أنه سيبقي أسعار الفائدة عند مستوى صفر في المائة على الأقل حتى العام المقبل، ما سيؤدي إلى تفشي الألم من جديد بين المدخرين الألمان. معدل الاقتراض الرئيس للبنك المركزي الأوروبي ظل أقل من 1 في المائة على مدى نحو سبع سنوات.
على الرغم من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة إلى مستوى قياسي، يشير محللون إلى أن الألمان يواصلون التعامل مع سوق الأسهم بحذر أكبر من المستثمرين في الدول الغربية الأخرى. وفقا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الاستثمارات في الأسهم وأسهم رأس المال لا تشكل سوى 11 في المائة من أصول الأسر في ألمانيا - وهي ثالث أقل نسبة في تصنيف يضم 34 دولة. في السويد وفنلندا، الأسهم وأسهم رأس المال تشكل ما يقارب 40 في المائة من أصول الأسر.
"التصور السائد في ألمانيا هو أن الأسهم شيء للأثرياء أو المقامرين. الفكرة القائلة، إن سوق الأسهم هي مجرد وسيلة للاستفادة من الثروة الإنتاجية للقطاع الخاص، ليست شائعة للغاية"، حسبما قال مارتن فيبر، أستاذ الاقتصاد في جامعة مانهايم والخبير في التمويل السلوكي.
ولاحظ فيبر أن الثقة الألمانية في سوق الأسهم لم تتعاف بعد بالكامل من انهيار الدوت كوم قبل نحو عقدين.
السنوات التي سبقت الانهيار شهدت زيادة في الاهتمام بين المستثمرين الأفراد الألمان بالاكتتابات العامة الأولية وأسهم الإنترنت. في عام 1996 اشترى نحو مليوني ألماني أسهما حرة من شركة دويتشه تيليكوم المملوكة للدولة، التي تم التسويق لها بكثافة رغم أنها مشؤومة أساسا. وعندما انفجرت فقاعة الإنترنت وانهارت أسهم "تليكوم" بعد عام 2000، تكبد المستثمرون الأفراد خسائر فادحة. "وألحق ذلك كثيرا من الضرر بسمعة سوق الأسهم"، حسبما قال فيبر.
الدراسات الاستقصائية تشير إلى أن أعدادا كبيرة من المدخرين الألمان لا يزالون ينظرون إلى الاستثمار في الأسهم على أنه مخاطرة كبيرة. أظهر استطلاع للرأي نشرته بورصة شتوتجارت وشركة "دي. أي. آي" هذا العام أن 88 في المائة من المدخرين الذين لا يتعرضون لسوق الأسهم لم يفكروا حتى في الاستثمار في أسهم صناديق الأسهم. وعندما سئلوا لماذا، أجاب 48 في المائة أن مثل هذا الاستثمار "معقد للغاية"، بينما أجاب نحو الثلثين بأن الاستثمار في الأسهم أو صناديق الأسهم "محفوف بالمخاطر".
ما إذا كانت الزيادة الأخيرة في أعداد المساهمين الألمان ستستمر فهذا لا يزال غير واضح. لكن اقتصاديين يتوقعون أن تستمر أسعار الفائدة المنخفضة في المستقبل القريب، ما يدل على أن حسابات الادخار ستظل غير جذابة.
ويشير محللون، مثل فيبر، إلى أن الارتفاع في الصناديق المتداولة في البورصة ومتتبعي المؤشرات على مدى العقد الماضي جعل الأمر أسهل وأرخص بالنسبة إلى المستثمرين الأفراد للوصول إلى سوق الأسهم.
وتشير بيانات "دي. أي. آي" إلى أن عددا أقل من الألمان يمتلكون أسهما فردية مقارنة بعددهم في السابق، لكنهم يستثمرون أكثر في صناديق الأسهم.
الخطر يكمن في أن الألمان يتجهون مرة أخرى إلى سوق الأسهم في المراحل المتأخرة من الارتفاع الطويل - والانهيار التالي ربما يؤدي إلى عزوف جيل آخر عن الأسهم.
"السؤال هو: هل سيصاب الناس بالذعر ويتخلون عن كل شيء، أم أنهم سيلتزمون؟"، تتساءل هولميير. وتضيف "يقال إن الألمان يكرهون المخاطرة. لكن ما لا يدركه كثير من الناس هنا هو أنهم في الحقيقة يخسرون المال يوميا بتكديسه في حسابات الادخار".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES