الحرب الباردة على جبهة التكنولوجيا تكدر أفق المستثمرين

الحرب الباردة على جبهة التكنولوجيا تكدر أفق المستثمرين

توقعات النمو العالمي تُصبح أكثر ضبابية، ما يحفز مزيدا من البيع في الأسهم والبحث عن الأمان عبر السندات السيادية.
هذا بالكاد يشكل نتيجة مفاجئة لأن الخلاف التجاري بين الولايات المتحدة والصين تجاوز الرسوم الجمركية ويركز على قضية التكنولوجيا المعقدة للغاية. مع قيام الولايات المتحدة، كما يقال، بالضغط على كوريا الشمالية أيضا لحظر بعض منتجات التكنولوجيا الصينية، فإن هذا يبدو على نحو متزايد وكأنه حرب باردة وحرب تثير قلق كثير من الشركات والمستثمرين العالميين.
مارك شاندلر من "بانوكبيرن جلوبال فوريكس" يلخص المشاعر في الأسواق كالتالي: "يبدو أن الصين والولايات المتحدة تفهمان الأمر كما لو أن التوترات التجارية ستبقى لبعض الوقت وبدأت الثغرة تبدو كبيرة فوق الحد على نحو لا يتمكن معه ترمب وتشي من التوصل إلى حل مفاجئ وشبه مستحيل كما فعلا في نهاية العام الماضي عندما تم التوصل إلى هدنة الرسوم الجمركية".
القطاعات التي تتأثر بالتجارة، أو القطاعات التي لديها سلاسل توريد عالمية معقدة، تشعر بالضغط في الوقت الذي تشرق فيه الشمس بقوة في لندن. في طليعة التراجعات في مؤشر ستوكس يوروب 600 كانت القطاعات العالمية التي تغطي النفط والغاز، وشركات صناعة السيارات، والتكنولوجيا، والسلع الصناعية. في التداولات الآسيوية، شركات صناعة مكونات الهواتف الذكية هي من بين الأكثر انخفاضا، حيث انخفضت أسهم كل من شركة ساني أوبتيكال تكنولوجي وشركة أيه أيه سي تكنولوجيز بشكل حاد.
تذكرنا شركة أبسوليوت لأبحاث الاستراتيجية أن الأسهم لا تزال قيمة في الانتعاش العالمي لعام 2019، بدلا من الرياح المعاكسة المتزايدة نتيجة الجمود التجاري الراسخ بين الولايات المتحدة والصين.
حالات التدوير التي نشهدها حتى الآن من الأسهم الدورية إلى الدفاعية، والتحول عن الأسواق الناشئة والأسهم الصناعية، وعن أجهزة التكنولوجيا إلى البرمجيات، لا تتسق إلا مع المستويات الحالية من النشاط الاقتصادي. أي تكثيف للحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين سيجعل هذه الاتجاهات تذهب أبعد من ذلك.
الأمر الذي لم يساعد أسواق منطقة اليورو، كان الخبر الذي يقول إن قراءات مؤشرات مديري المشتريات لكل من التصنيع والخدمات فوتت المكاسب المتوقعة. مؤشر ثقة الأعمال في ألمانيا "إيفو" Ifo انخفض إلى 97.9 نقطة في أيار (مايو) من 99.2 في نيسان (أبريل)، وهي أدنى قراءة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2014.
من الواضح أن القصة المهيمنة هي العلاقات التجارية المشحونة بشكل متزايد بين الولايات المتحدة والصين، حيث تظهر أسواق الأسهم أخيرا علامات على تصحيح أكبر. وإليكم كيف يبدو التراجع بين أسواق الأسهم الرئيسة من ذرواتها الأخيرة.
الوضع الضعيف للأسهم أدى إلى انخفاض عوائد السندات السيادية العالمية مع تراجع العائد على السندات الأمريكية لأجل عشرة أعوام باتجاه 2.30 في المائة، مستوى شهدناه آخر مرة في نهايات عام 2017، وهو يجعل المؤشر الرئيس أدنى من متوسط المعدل الفعلي لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية البالغ 2.375. ولا يزال الاتجاه واضحا إلى حد ما من هذه اللقطة الخاصة بالعوائد العالمية للسندات لأجل عشرة أعوام.
ما يلعب دورا في زيادة الارتفاع في السندات الحكومية هو الطلب من المستثمرين اليابانيين، حيث تظهر أحدث البيانات الأسبوعية الصادرة عن وزارة المالية صافي شراء بقيمة 12.3 مليار دولار من السندات الأجنبية.
تجدر الإشارة أيضا إلى كيف أن عوائد السندات الأمريكية لأجل 30 عاما انخفضت إلى 2.73 في المائة، وهو أمر لم نشهده أيضا منذ أواخر عام 2017 لمؤشر مرجعي مهم في الدخل الثابت. يغلب على المحافظ الاستثمارية أن تحتفظ بسندات الخزانة الأمريكية طويلة الأجل كأصول مستقرة للمساعدة في تعويض الضعف في حيازاتها ذات المخاطر العالية. يشير أداء عوائد السندات طويلة الأجل إلى أن المراكز الدفاعية في حالة ارتفاع.
محللو بنك ساكسو يظهرون تدفق الائتمان الجديد، أو ما يسمى "الدافع الائتماني" في الصين وللاقتصاد العالمي. يوضح البنك أن الدافع الائتماني يجعل الاقتصاد الحقيقي يتقدم بمقدار تسعة إلى 12 شهرا مع ارتباط بنسبة 60 في المائة. في الوقت الحالي، يقول بنك ساكسو إن الرقم العالمي هو سالب 1.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بينما في الولايات المتحدة يبلغ سالب 2.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أدنى مستوى منذ عام 2009.
الأمر المهم هنا هو ما إذا كانت الصين، التي تمثل ثلث الدافع الائتماني العالمي، ستصدر السندات الحكومية. لكن كما يشير كريستوفر ديمبيك، من بنك ساكسو: "هذه مهمة صعبة تنطوي على تنفيذ سياسة دعم مستهدفة للغاية. الهدف هنا سيكون تجنب تغذية فقاعة الديون بأكبر قدر ممكن. قطاع السلع الصناعية، وأبرزها قطاع الاتصالات الفرعي، يمثل الحصة الأكبر من الصادرات الصينية، وبالتالي يكون هو الأكثر عرضة للتوترات المستمرة. سيخضع بالتأكيد لتدابير دعم قريبا جدا".
في هذه الأثناء، يعاني الذهب مع ارتفاع الدولار – الملاذ الكلاسيكي لا يتمتع بكثير من الارتفاع لأن سوق العملات تفضل الدولار الأمريكي. ارتفع الذهب عشرة دولارات نهاية الأسبوع الماضي، إلى نحو 1287 دولارا للأونصة، لكنه لا يزال أقل من مستوى 1300 دولار الذي اختبره في وقت سابق هذا الشهر. عندما تشعر الأسواق بقلق شديد، فإنها تشتري الدولار الأمريكي، خاصة عندما يكون خطر الرنمينبي الضعيف بانتظار هدف غير محدد.
الجنيه الاسترليني ليس لديه كثير من الأصدقاء – العملة البريطانية دخلت منطقة خطرة. ارتفاع التقلب وانخفاض العملة الحاد في الأسابيع القليلة الماضية يؤثران في الاقتصاد ويعيقان استثمار الشركات. ولطالما تجنب المستثمرون العالميون الأسهم البريطانية منذ استفتاء عام 2016، والتطورات السياسية الأخيرة لن تغير مثل هذا التفكير.
أداء مؤشر فاينانشيال تايمز 100 هذا الشهر يظهر أن الشركات الكبيرة انخفضت بنسبة 2.6 في المائة، وهي نتيجة أفضل من مؤشرات العالم المتقدم الأخرى، مثل ستاندرد آند بورز 500 ومؤشر داكس الألماني، ما يعد دلالة على ضعف الجنيه.
غياب الشركات العالمية وإيراداتها الخارجية يظهر في مؤشر فاينانشيال تايمز 250 الأكثر تركيزا على الشركات المحلية، الذي انخفض 4 في المائة في أيار (مايو). لكن إذا حولنا الأرقام من حيث الدولار الأمريكي، يمكنك أن تفهم تردد المستثمرين العالميين، حيث انخفض مؤشر فاينانشيال تايمز 100 بنسبة 5.3 في المائة ومؤشر فاينانشيال تايمز 250 بنسبة 6.6 في المائة حتى الآن هذا الشهر.
كان مستوى الجنيه عند 1.30 دولار مقابل الدولار الأمريكي حتى الآونة الأخيرة يمثل دعما قويا، ما يعد دلالة على وجهة النظر التي تقول إن المملكة المتحدة لن تغادر الاتحاد الأوروبي دون صفقة. هذا الأمر موضع شك الآن ويوضح سبب تراجع الجنيه نحو 1.26 دولار، وربما هناك مجال لمزيد من الانخفاض لأن رئيس الوزراء التالي المحتمل (على الأقل في نظر المراهنين) هو بوريس جونسون. هذا يثير احتمال رفض الاتحاد الأوروبي لصفقة "بريكست" معدلة من رئيس الوزراء التالي. من هناك، ازداد احتمال إجراء انتخابات عامة أو استفتاء ثان، وهي سيناريوهات من شأنها إبقاء الجنيه يتعرض للضغط وإبقاءه أيضا أدنى من دعمه القديم البالغ 1.30 دولار مقابل الدولار.

الأكثر قراءة