Author

صراع الخوارزميات بين الوردة والتفاحة

|
أستاذ جامعي ـ السويد


الذي يتمكن من ناصية الخوارزميات سيتمكن من الوصول إلى القمة وقيادة العالم. ونحن نعيش عالما تقوده "خورزمة" الأشياء Internet of Things، وهناك صراع مرير على قيادة العالم خوارزميا.
الصراع بدأ يستفحل بين الولايات المتحدة والصين. والدولتان تحتلان الصدارة في الثورة الخوارزمية "الرقمية". وقدر تعلق الأمر بالاقتصاد العالمي، فإن حصتهما تصل إلى نحو 40 في المائة "24.28 في المائة للولايات المتحدة و15 في المائة للصين".
ورغم الفارق الشاسع بين الاقتصادين الأمريكي والصيني من حيث الناتج القومي الإجمالي "21.49 تريليون دولار مقابل 14.2 تريليون دولار"، إلا أن هناك خشية كبيرة لدى الطرف الأول من صعود الطرف الثاني وإزاحته عن القمة.
ويتجسد هذا الصراع في الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على "هواوي"، أكبر منتج لأجهزة الاتصالات في العالم والرائدة في تطوير شبكات الجيل الخامس.
وقبل أن تضع الولايات المتحدة شركة هواوي، التي شعارها الوردة، على القائمة السوداء، كانت أغلب التوقعات تشير إلى أن هذه الشركة ستبز الشركة الأمريكية "أبل"، التي شعارها التفاحة، التي تعد جوهرة الثورة الخوارزمية الأمريكية، في غضون سنتين أو ثلاث. ولن تكون "الوردة" بعد وضعها على القائمة الأمريكية السوداء مثل قبلها. وها هو القلق ينتاب هواوي بعد إعلان «جوجل» إيقاف التعامل مع معظم أنشطتها، وهذا معناه أن كثيرا من منتجاتها ولا سيما الهواتف الذكية والألواح وغيرها قد تصبح عديمة الفائدة للزبائن لأنها تحرمهم من خدمة تطبيقات لا غنى عنها مثل يوتيوب.
ولحقت "جوجل" شركات أمريكية أخرى معترك الصراع مع "هواوي" لتفادي تبعات كونها على القائمة السوداء. لقد قررت شركات الرقائق الإلكترونية مثل "سيلينكس وكوالكوم"، و"إنتل وبرودكوم" وقف تزويد «هواوي» بالرقائق الإلكترونية.
وإن عرفنا الباع الكبير الذي تملكه الولايات المتحدة في فرض العقوبات الاقتصادية، فإن الحرب على "الوردة" الصينية قد تنتقل إلى أوروبا الغربية أيضا. وحسب تقارير غير مؤكدة فإن شركة إنفنيون الألمانية بدأت تعليق شحنات الرقائق إلى "هواوي" أيضا.
الصراع على التربع على قمة الثورة الخوارزمية بكل تفاصيلها من الهواتف الذكية والألواح والحواسيب بشتى أنواعها والذكاء الاصطناعي والعالم الافتراضي صار بالنسبة إلى أمريكا صراع بقاء ووجود.
لا تستطيع أمريكا تصور شركات خوارزمية صينية تبز عمالقة ثورتها الرقمية في مسعى الصين الحثيث لتتبوأ الصدارة في الاقتصاد العالمي وعلى الخصوص الرقمي منه.
نحن أمام حرب لم يشهد العالم لها مثيلا. إنها حرب الخوارزميات، المعادلات الرقمية التي صارت اليوم جزءا من حياتنا لا بل بمنزلة حاسة تضاف إلى حواسنا الخمس.
هذا الصراع تأثيره أقوى وأعم وأخطر من العواقب الكبيرة التي ستترتب مثلا على أي صراع عسكري في الخليج بين الولايات المتحدة وإيران.
وإن أردنا أن نستوعب حيثيات هذا الصراع بين "الوردة" الصينية و"التفاحة" الأمريكية الذي تراه الولايات المتحدة بمنزلة معركة بقاء، وكان واحدا من المواضيع المهمة التي أثارها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في حملته الانتخابية، علينا إلقاء الضوء على العوامل التي تكمن وراءه وما يمكن أن تؤدي إليه من توقعات في المستقبل القريب.
يقال إن ترمب قليل القراءة، إلا أنه قد قرأ بنهم كتابا صدر في عام 2011 لبيتر نافارو وجريج أوتري، بعنوان: "الموت القادم من الصين: كيفية مواجهة التنين – نداء عالمي من أجل العمل".
بعد أن قرأ ترمب هذا الكتاب، نصب مؤلفه بيتر نافارو مستشارا له حول كيفية التعامل مع بزوغ الصين قوة اقتصادية عالمية من الصعب مقاومتها أو حتى احتواؤها.
لا أظن أن الكتاب مترجم إلى العربية. أنا منكب حاليا على قراءته لتقديمه لقراء جريدتنا الغراء لأهميته. ولكن بإيجاز شديد أقول إن سياسة التعريفات الجمركية ومعاقبة الشركات الصينية التي يتبعها البيت الأبيض حاليا تتعارض في كثير من تفاصيلها مع الجزء الذي قرأته للتو من الكتاب.
لا غرو إن صعود الصين يقلق أمريكا. فبعد أن كانت الصين مجرد مقلد للتكنولوجيا الغربية تستند في الغالب إلى الهندسة العكسية، صارت في العقد الأخير دولة عظمى تسبق حتى الولايات المتحدة من حيث التصميم والابتكار والإبداع في صناعات شتى ومنها تكنولوجيا المعلومات.
وما زاد من خطورة الوضع بالنسبة للولايات المتحدة بروز شركات صينية كبيرة بموازاة أي عملاق خوارزمي أمريكي. وللإنصاف فإن الصين حتى الآن كانت المستفيد الأول من الملكية الفكرية وبراءة الاختراع في الغرب، ما مكن "هواوي" من تأسيس كيانات خوارزمية تقدم أغلب الخدمات التي تقدمها الشركات الرقمية الغربية داخل الصين ومنها "جوجل".
بيد أن الشركات الصينية الموازية لنظيراتها الغربية لا ينحصر عملها وتأثيرها داخل حدود الصين، بل صارت لها أذرع طويلة في الاقتصاد الرقمي العالمي.
وهناك عوامل أخرى كثيرة لا تتسع المساحة المخصصة للمقال لإدراجها، ولكن من أبرزها أن للصين خططا استراتيجية محكمة "خمسية وعشرية" للسيطرة على الاقتصاد الرقمي بحلول عام 2025 ، بينما حتى الآن ليس لأمريكا أي خطط لاحتواء التنين وإبعاد "الموت" عدا ما نلاحظه من تخبط في سياسات التعريفات الجمركية ومعاقبة الشركات الصينية.
وعندما رأت أمريكا أن الوردة الصينية "هواوي" في طريقها للفوز على التفاحة الأمريكية "أبل"، وهذا ما كان سيحدث في أقل من عامين، رأت أنه عليها التحرك.
من سيكسب الجولة بين "الوردة" و"التفاحة"؟ من الصعوبة بمكان تقديم جواب شاف.

إنشرها