قيصرية كتاب الرياض .. أرض الأعشى تعزز ذاكرتها الثقافية

قيصرية كتاب الرياض .. أرض الأعشى تعزز ذاكرتها الثقافية
قيصرية كتاب الرياض .. أرض الأعشى تعزز ذاكرتها الثقافية
قيصرية كتاب الرياض .. أرض الأعشى تعزز ذاكرتها الثقافية

في محاكاة لشارع المتنبي في بغداد وسور الأزبكية في القاهرة، استعادت الرياض أخيرا ذاكرتها الثقافية عبر "قيصرية الكتاب"، التي افتتحت الثلاثاء في منطقة قصر الحكم شرقي ميدان العدل، بمناسبة اليوم العالمي للكتاب، وتضم 14 موقعا للمكتبات، وموقعين لمقاهي القراءة، وأماكن مخصصة للجلوس والمطالعة وتوقيع الكتب الجديدة، فضلا عن لقاءات للقراءة العامة.
ساحة الثقافة الجديدة، التي صممت وفقا لخصائص المنطقة العمرانية والتراثية، أعادت إلى الأذهان "القيصريات" التي احتضنتها مراكز المدن السعودية منذ أيام الدولة السعودية الأولى، وفيها مكتبات علمية كبيرة، اشتهرت منها الدرعية والأحساء، وقيصرية مقيبرة أقدم أسواق الرياض.

سوق عربية قديمة
يقول الدكتور فهد الحسين الأكاديمي في جامعة الملك سعود والمتخصص في إدارة تراث الجزيرة العربية وعمارتها "إن كلمة "قيصرية" مصطلح معماري قديم متداول في وسط وشرق الجزيرة العربية، وهي كلمة عربية المبنى والمعنى، محرفة عن "قيسرية"، أبدلت سينها صادا، وأصل "قيصرية" من "القيسري" اشتق من الجذر "قسر"، من معانيها في معاجم اللغة: الكبير أو العظيم، ومنه "القيسري" أي الإبل العظيمة، ويقال رجل قيسري أي عظيم، واستعملت كلمة قيسرية أو قيسارية في التراث العمراني العربي والإسلامي للدلالة على نمط من الأسواق العربية القديمة".
ويضيف الحسين أن "التكوين المعماري للقيصرية قوامه منشأة مستطيلة بممرات مسقوفة، تتقدمها ساحة مكشوفة، تضم شبكة من ممرات طويلة تفتح عليها دكاكين متراصة على جانبي ممراتها".
وقد نال اسم "قيصرية" جانبا من الشد والجذب بين المثقفين، ولا سيما على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يشير مصطلح "قيصرية" إلى الدكاكين المجتمعة تحت سقف واحد، وهو مسمى معروف في المملكة والجزيرة العربية، في الوقت الذي أشار فيه قراء بأن حراج بن قاسم كان قديما أحد أهم أسواق الكتب قبل أكثر من 50 عاما.

وجهة سياحية
"قيصرية الكتاب" ستكون وجهة سياحية استثنائية طال انتظارها، ونقلة نوعية في المبادرات الثقافية التي ترتقي بالمجتمع معرفيا، ستحيي منطقة وسط الرياض بما تحتضنه من أسواق ومقاه وآثار شاهدة على تاريخ مضى.
في أجواء تراثية، سيسهل من الوصول إليها مترو الرياض، الذي شارف على الانطلاق، سيكون زوار "قيصرية الكتاب" على موعد مع أنشطة وفعاليات ثقافية متواصلة على مدار العام، بدأتها مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض في ساحة قصر الحكم بالتعاون مع إمارة منطقة الرياض، والهيئة العليا لتطوير الرياض، فيما سيكون المكان مهيأ لاستقبال أنشطة وزارة الثقافة، الوزارة التي أعلنت استراتيجية متكاملة أخيرا بقيادة الأمير بدر بن عبدالله الفرحان أمير الثقافة.
ومما يزيد زيارة "قيصرية الكتاب" متعة وتسلية قربها من أسواق منطقة الحكم التاريخية، في الوقت الذي تجاوز فيه مشروع تطوير حي الدحو مراحل قياسية، وقطع شوطا كبيرا في الإنجاز، وهو أحد أحياء مدينة ‏الرياض القديمة، وسيكون إضافة تنافسية إلى المنطقة تزيد من جاذبية "القيصرية".
يحمل "الدحو" أهمية عمرانية، حيث يمثل الحي الجزء المتبقي ضمن منطقة السور القديم ‏لمدينة الرياض، ويعود عمره إلى أكثر من 200 سنة، ويحافظ على الهوية المعمارية والعمرانية للحي، وعلى المباني الأثرية المتبقية، ‏وتأهيلها لاحتضان عدد من الأنشطة التي تتضمن: نزلا تراثية تضم 42 وحدة سكنية، وسبعة مقاه، ‏و195 محلا تجاريا، ومطعما تراثيا رئيسا، إضافة إلى ديوانية لكبار السن، ومركز للزوار وثلاثة ‏معارض ثقافية.‏

حلم منذ 30 عاما
بعد أن طرحت المحال في ‏"القيصرية" أمام المكتبات المتخصصة والمقاهي للاستثمار في الأشهر القليلة الماضية، استقبلت "قيصرية الكتاب" زوارها، تحقيقا لأمنيات المثقفين، لعل أبرزهم الأديب حمد القاضي، والدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد، الذي شغل باله حلم إنشاء "قيصرية" للكتب في العاصمة منذ أكثر من 30 عاما، حينما كان عميدا للمكتبات في جامعة الملك سعود، وتم إثارة هذا المقترح عبر وسائل الإعلام، وتجاوبت معه شريحة واسعة من المجتمع، والكتاب والأدباء وطلاب العلم والمعرفة.
الدكتور الراشد كان ينشد حلما بأن تكون "القيصرية" مركز إشعاع معرفي يليق بالرياض وأهلها، وكتب في مقال صحافي نشر في صحيفة الجزيرة عام 2016، أن الحاجة ماسة إلى أن يكون في الرياض العاصمة معلم للثقافة، يكون مقصدا من مختلف الفئات العمرية، تتوافر فيه وسائل الراحة والخدمات، تكون فيه محال وخزائن للكتب، وأماكن للترفيه الثقافي، والوسائل المساعدة على التعلم وكسب المهارات، وملتقى للعلماء والأدباء ورجال الفكر والباحثين عن المعرفة، كما يجد فيها الباحثون عن المعرفة ضالتهم، ومتعة وتسلية لأبنائهم، وتتوافر فيها محال بيع الكتب والمجلات العلمية والثقافية، ويعرض فيها أصحاب المكتبات الخاصة ما لديهم من نفائس، وتتوافر فيها المعلومات الجديدة عن الجديد في عالم التأليف وفنون المعارف على الصعيد المحلي والإقليمي والقاري والدولي، وتقام فيها الفعاليات الثقافية والمسابقات العلمية، ومهارات أصحاب المواهب، وتمارس فيها النشاطات المعرفية المتنوعة.

معرض للكتاب
قيصرية الكتاب ستكون معرضا متواصلا للكتاب، ومتنفسا جميلا وسط الرياض، واستراحة للثقافة ذات بعد تاريخي، قد تجد محاكاة لها في المدن الرئيسة، لكنها بلا شك ستكون نواة للأنشطة الثقافية التي ستشهدها منطقة وسط مدينة الرياض، بحسب تصريح الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس هيئة تطوير مدينة الرياض، أثناء جولة ميدانية له في أركان القيصرية، حيث دعا سكان وزوار مدينة الرياض إلى زيارة هذه الوجهة الثقافية التي ستسهم في تلبية الطلب المتزايد على الكتاب والثقافة المطبوعة، ونشر نتاج الكُتّاب والناشرين والباحثين والمثقفين، وتقديم أنشطة وفعاليات ثقافية لفئات المجتمع كافة.
افتتاح قيصرية الكتاب جاء متفقا مع دخول المملكة قائمة "العشرة الكبار"، ضمن قائمة الشعوب القارئة عالميا، وفقا لتقرير "جلوبال إنجليش إديتينج"، الذي جمع معلومات ضخمة حول عادات القراءة العالمية في عام 2018، وجاءت السعودية في المرتبة العاشرة، بمعدل قراءة يبلغ 6.48 ساعة أسبوعيا، متقدمة على عدد من الدول مثل أستراليا وإسبانيا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة، التي احتلت المرتبة 22 عالميا، بمعدل قراءة 5.42 ساعة في الأسبوع، حيث أوضح التقرير أن 7 في المائة من خريجي الجامعات الأمريكية لم يقرأوا أي كتاب في العام الماضي.

الأكثر قراءة