Author

قوة الطلب تعزز أسعار النفط

|

تعد أسوق النفط الآن أكثر تشددا مما كانت عليه قبل بضعة أشهر فقط، ويعزى ذلك إلى كل من خفض الإنتاج من قبل دول "أوبك" وحلفائها والانقطاعات من فنزويلا، وإيران، وأخيرا ليبيا، فضلا عن "مرونة الطلب" المفاجئة، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
في الصين، يبدو أن الاقتصاد يستجيب إلى التدابير التحفيزية التي اتخذتها الحكومة، حيث ترتفع مؤشرات مديري المشتريات وتتعافى طلبات التصدير، على الرغم من أن هناك دلائل على أن أحجام الشحن الجوي قد تتراجع. من ناحية الطلب، على الرغم من قوة الطلب الصيني هناك مجموعة واسعة من التوقعات من مختلف المحللين والوكالات. في هذا الجانب، تظهر أرقام الطلب الأولي على النفط في الفترة من كانون الثاني (يناير) إلى شباط (فبراير) نموا قويا قدره 410 آلاف برميل في اليوم على أساس سنوي. كما شهدت الهند نموا في الطلب بمقدار 300 ألف برميل في اليوم، في حين أضافت الولايات المتحدة 295 ألف برميل في اليوم إلى الطلب العالمي مدفوعة بقطاع البتروكيماويات المتنامي.
ولكن هناك بعض علامات التحذير بخصوص قوة الطلب. حيث لم تختف بعد التصدعات في الاقتصاد العالمي، حتى مع تبدد- إلى حد ما- المخاوف الكبيرة التي شهدناها في وقت سابق من هذا العام. في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2018، انخفض الطلب على النفط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD بمقدار 0.3 مليون برميل يوميا، وهو أكبر انخفاض فصلي منذ عام 2014، ومن المحتمل أن يتراجع مرة أخرى في الربع الأول من عام 2019 بسبب ضعف اقتصادات بعض الدول الأوروبية، مع ربما مزيد في المستقبل إذا كان هناك خروج غير منظم لبريطانيا، حسب وكالة الطاقة الدولية.
إن المخاوف بخصوص انكماش الطلب العالمي تتلاشى، والرأي القائل إن انخفاض الطلب يشير إلى مشكلات أوسع في الاقتصاد العالمي، ليس مقبولا من الجميع الآن. في هذا الجانب، قال رئيس قسم أبحاث السلع في جولدمان ساكس، "مرارا وتكرارا إن الطلب على النفط لا يزال قويا للغاية والطلب على السلع بصورة عامة قوي نسبيا، والطلب قوي للغاية في الصين الآن.. خلاصة القول، يبدو الطلب جيدا في الوقت الحالي".
لكن وكالة الطاقة الدولية أشارت إلى التخفيض الأخير في توقعات صندوق النقد الدولي للناتج المحلي الإجمالي العالمي. كما أن ارتفاع أسعار النفط قد يؤدي أيضا إلى انخفاض الطلب. وكتبت الوكالة في تقريرها الأخير "من الواضح أن أسعار خام برنت عند مستوى 70 دولارا للبرميل أقل راحة للمستهلكين مما كانت عليه في بداية العام، وقد حذرت الوكالة باستمرار من مخاطر ارتفاع الأسعار". وأضافت "الوقت فقط هو الذي سيحدد ما إذا كانت توقعاتنا للطلب الحالي تثبت صحتها، ولكن المخاطر في الوقت الحالي في الاتجاه الهبوطي".
في الربع الأول من هذا العام، كان نمو الطلب إلى حد ما ضعيفا، حيث نما بنسبة 1.05 مليون برميل في يوم على أساس سنوي، ومن المحتمل أن يتراجع الطلب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 140 ألف برميل في اليوم. مع ذلك أبقت وكالة الطاقة الدولية على توقعاتها لنمو الطلب البالغة 1.4 مليون برميل في اليوم، بحجة أن الاستهلاك يجب أن يرتفع في الربع الثاني وبقية العام، حتى مع إقرارها باحتمال ألا يرقى لذلك.
من جانب آخر، يبدو أن إجراءات التحفيز التي اتخذتها الصين قد أوقفت التباطؤ، على الأقل حتى الآن. حيث انقلبت معظم المؤشرات الصينية في آذار (مارس) من السلبية إلى الإيجابية، ما قلل المخاوف من حدوث انكماش كبير.
ولكن جانب العرض للمعادلة يبدو أكثر إقناعا في دعم الأسعار. حيث إن تخفيضات "أوبك" وحلفائها من الواضح جدا أنها تسهم في تشدد أسواق النفط. في هذا الجانب، لاحظت وكالة الطاقة الدولية أنه اعتبارا من شباط (فبراير)، كانت المخزونات العالمية أعلى من متوسط السنوات الخمس بمقدار 16 مليون برميل. وأضافت الوكالة مع ذلك، من حيث عدد أيام تغطية الطلب، وهو تقييم أكثر أهمية، هو أقل من ذلك، وكان كذلك منذ بعض الوقت. 
يمكن القول إن العنصر الأكثر أهمية هو الانخفاض الحاد في الإنتاج في إيران وفنزويلا، وأخيرا الخوف من انقطاع الإمدادات في ليبيا. انخفض إنتاج "أوبك" بمقدار 550 ألف برميل يوميا في شهر آذار (مارس) وحده، ما أدى إلى تقلص إجمالي العرض العالمي بمقدار 340 ألف برميل يوميا. لاحظت وكالة الطاقة الدولية، أنه عند مستوى 99.2 مليون برميل في اليوم، كان الإنتاج العالمي أدنى بنحو 3.1 مليون برميل في اليوم من ذروته العالمية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، هذا رقم كبير إلى حد ما.
أخيرا، ساعد التباطؤ في نمو إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة على تشدد أسواق النفط، مقارنة بالتوقعات التي كانت سائدة قبل بضعة أشهر. حيث إن التباطؤ في نشاط الحفر في بداية العام، وانخفاض الإنفاق، وزيادة معدل تراجع إنتاج الآبار Decline rate القائمة، والأداء الضعيف غير المتوقع للآبار التي تم حفرها بالقرب من البئر الأصلي تدعم التوقعات التي تشير إلى ضعف نمو إنتاج الولايات المتحدة. بالفعل، هذا التباطؤ إلى جانب قوة الطلب، بشكل خاص في الصين والهند، وتنفيذ التخفيضات التي اتفقت عليها "أوبك" وروسيا وتسع دول أخرى من خارج "أوبك" يشدد الأسواق العالمية. 

إنشرها