Author

الاقتصاد العالمي وأزمة الثقة في النمو والتجارة

|


مما لا شك فيه أن الاقتصاد العالمي يعاني أزمة مستمرة منذ الانهيارات المالية عام 2008 وما تلاها من موجات الأزمات التابعة، من بينها وأكثرها خطورة التذبذب الحاد لأسعار النفط ثم الغذاء ثم الأزمات السياسية، واليوم يعاني العالم أزمة تتعلق بتنامي سياسة الإجراءات الحمائية بين الدول أو التهديد بذلك، وهذا الوضع المتأزم يجعل الاقتصاد العالمي يعاني تباطؤا مزمنا في النمو، فما إن يخرج من تلك الدائرة حتى يعود إليها مرة أخرى، ولقد استطاعت مجموعة دول العشرين مواجهة التحديات بثبات لافت، ولا شك أن الدور الذي لعبته المملكة لإعادة السوق النفطية للتوازن والتغيير الجذري الذي سارت فيه وتقوده اليوم نحو بيئة تنافسية جديدة في السوق النفطية يقوم على أساس عدم الإضرار بكل الأطراف سواء كانوا المنتجين أو المستهلكين، أو تلك الجهود الهائلة جدا التي قامت بها المملكة إبان الأزمة المالية العالمية وقدرتها على الحفاظ مع الصين على وتيرة النمو العالمي وعدم الانزلاق في متاهات الكساد، والمملكة وهي تعيش اليوم فترة اقتصادية جيدة مقارنة بما يعيشه العالم من أزمة في النمو، إلا أنها تحافظ على مستوياتها تجاه التجارة العالمية والعمل مع جميع الأطراف على نحو جيد، لكن يدا واحدة لا تصفق فالجهود الهائلة التي تبذلها المملكة لحفظ توزان الاقتصاد العالمي قد تتأثر بما يجري اليوم على الساحة العالمية من حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، وكما أشارت مديرة صندوق النقد الدولي خلال اجتماعات الربيع للصندوق إلى أن اقتصاد العالم يواجه مرحلة "حساسة"، لكن الوضع يمكن أن يتحسن إذا اتخذت الدول القرارات الصائبة و"لم تضر بالنمو"، عبر الامتناع مثلا عن اتخاذ إجراءات حمائية، في إشارة منها إلى الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس دونالد ترمب عبر فرض رسوم جمركية على سلع صينية بمليارات الدولارات، لإجبار بكين على وضع حد لممارسات يعدها غير نزيهة ومن بينها نقل التكنولوجيا قسرا والدعم المالي الصيني للشركات العامة وسرقات الملكية الفكرية. ويمكن اعتبار تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي بمنزلة رسالة واضحة بشأن الالتزامات التي على جميع الأطراف تجاه النمو الاقتصادي العالمي، وأن على الصين أن تعمل على تبديد القلق الأمريكي تجاه التصرفات التجارية من قبلها، وفي الوقت نفسه على الولايات المتحدة أن تدرك أن العالم يتغير وأن القدرات الفكرية والصناعية خارج الولايات المتحدة قد نمت بشكل لا يمكن احتواؤه وأن المنافسة حق مشروع للجميع، وبين هاتين الوجهتين من النظر يترقب العالم المناقشات والمفاوضات التي تدور رحاها بين الطرفين على أمل الوصول إلى اتفاق قريب يبدد المخاوف.
إن تبادلا للسلع والخدمات، حرا وعادلا سيكون مفيدا لكل الأطراف وللاستثمارات التي تعد المحرك الأساس للنمو وتوفير وظائف، هذه العبارات الواضحة التي صرح بها رئيس اللجنة النقدية والمالية في صندوق النقد الدولي، في المؤتمر الصحافي الختامي لاجتماعات الصندوق تعد مشجعة إلى حد بعيد، لكن من اللافت أن كلمتي "حرا" و"عادلا" هما مدار المفاوضات، وهذا قد يعيد الجميع إلى كارثة انهيارات المفاوضات حول اتفاقيات التجارة العالمية، ولهذا يرى تارو أسو نائب رئيس الوزراء الياباني وزير المالية أن "إطالة أمد التوترات التجارية والشكوك السياسية تشكلان خطرا جديا على الاقتصاد العالمي، ومن هنا يأتي تأكيد اليابان التي ترأس مجموعة العشرين، رغبتها في عقد هذه المفاوضات في "إطار تعددي"، وهذا يعيد الجميع إلى المربع الأول وأن لمنظمة التجارة العالمية دورا يجب أن تقوم به ولهذا جاءت تصريحات المدير العام لمنظمة التجارة العالمية مفهومة بشأن هذا الدور، حيث قال إن المنظمة تعمل بجد لمساعدة أعضائها على مواجهة المخاوف وخفض التوترات التجارية بشكل كبير.
والسؤال القائم اليوم وقبل العودة إلى طاولة مفاوضات تعددية من جميع الأطراف هو ما مدى فهم النموذج الذي قادته المملكة في معالجة أزمة الثقة في السوق النفطية وقدرتهم على تكرار النجاح على مستوى التجارة العالمية؟

إنشرها