default Author

تقدير مخاطر الركود العقاري المتوقع

|

هناك أخبار سارة للمقيمين في لاس فيجاس وميامي وفينيكس؛ فمخاطر حدوث ركود عقاري، كالذي تحمّلونه أثناء الأزمة المالية العالمية لا تزال محدودة. لكن المشهد لم يتحسن بالنسبة لسكان تورونتو وفانكوفر منذ عام 2008، ومخاطر حدوث انخفاض كبير في أسعار المساكن لا تزال مرتفعة.
هذه بعض الرؤى التي خلصت إليها أداة الصندوق الجديدة لتقدير خطر الهبوط الحاد في أسعار المساكن. وبالطبع، يهتم ملاك المساكن اهتماما كبيرا بقيمة ما قد يكون أكبر أصل يمتلكونه. ولكن هناك رابطة قوية أيضا بين أسعار المساكن والنظام المالي والاقتصاد. وتزداد قوة هذه الرابطة كلما انخفضت الأسعار.
ما أهمية أسعار المساكن للاقتصاد الأوسع؟ تكمن أهميته في أن بناء المساكن، وما يرتبط بها من إنفاق على أمور مثل إدخال تحسينات عليها يشكل سدس اقتصادات الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، ما يجعله من أكبر مكونات إجمالي الناتج المحلي. والأكثر من ذلك أن القروض العقارية وأشكال الإقراض الأخرى المرتبطة بالإسكان تشكل جزءا كبيرا من أصول المصارف في كثير من البلدان، ومن ثم فإن التغيرات في أسعار المساكن تؤثر في سلامة النظام المصرفي. فليس من الغريب إذا أن أكثر من ثلثي الأزمات المالية في العقود الأخيرة كانت مسبوقة بدورتي ركود وانتعاش في أسعار المساكن، وأن البنوك المركزية في الولايات المتحدة والصين وأستراليا وغيرها من البلدان أعربت عن قلقها أخيرا إزاء الارتفاعات الكبيرة في أسعار المساكن.
ولحسن الحظ، فإن أداة الصندوق الجديدة يمكن أن تساعد صناع السياسات على قياس احتمالية هبوط السوق العقارية في المستقبل، واتخاذ خطوات مبكرة تساعد على الحد من الضرر. وتدخل هذه الأداة، المسماة "أسعار المساكن المعرضة للخطر"، ضمن نموذج "النمو المعرض للخطر" الذي أنشأه الصندوق؛ ليربط بين الأوضاع المالية، وخطر الهبوط الاقتصادي.
وتشمل دراستنا بيانات من 22 اقتصادا متقدما، وعشرة اقتصادات من الأسواق الصاعدة، والمدن الكبرى في تلك البلدان. وقد خلصت الدراسة إلى احتمالات حدوث هبوط كبير في أسعار المساكن المعدلة حسب التضخم في معظم الاقتصادات المتقدمة ضمن العينة المستخدمة، مرجحة بإجمالي الناتج المحلي، كانت أقل في نهاية 2017 منها في السنوات العشر السابقة عليها، لكنها ظلت أعلى من المتوسط التاريخي. وعلى العكس من ذلك، كانت المخاطر أعلى في الأسواق الصاعدة في عام 2017، مقارنة بعشية الأزمة المالية العالمية. ومع ذلك، فلا تزال مخاطر انخفاض أسعار المساكن كبيرة في أكثر من 25 في المائة من هذه الاقتصادات المتقدمة، وبلغت نحو 40 في المائة في الأسواق الصاعدة الداخلة في الدراسة. ومن بين هذه البلدان، تبرز الصين على وجه الخصوص، ولا سيما الأقاليم الشرقية.
 وقد يتساءل القراء كيف وصلنا إلى هذه النتائج؟ أولا، قمنا بتحديد خمسة عوامل تؤثر في أسعار المساكن: نمو الأسعار في السابق، والنمو الاقتصادي، وفترات الرواج الائتماني، والمبالغة في التقييم، والأوضاع المالية. ثم طرحنا سؤالا على أنفسنا: إذا نظرنا إلى الانخفاضات الكبيرة في أسعار المساكن – التي تطرأ مرة كل 20 سنة تقريبا "أي التي تبلغ احتمالية حدوثها 5 في المائة" – هل يمكن التنبؤ بها بناء على التغيرات في تلك العوامل الخمسة؟ ماذا ننتظر إذا حدث، مثلا، تضييق للأوضاع المالية وأصبحت الأسر مثقلة بالديون وأسعار المساكن مبالغا فيها؟ الإجابة هي أننا يمكن أن نتوقع في هذا السيناريو زيادة الانخفاضات الحادة في أسعار المساكن.
ومن الطريف أن الأخبار السارة اليوم قد تشير إلى خطر أكبر فيما بعد. فسهولة الحصول على القروض على المدى القصير أمر داعم لأسعار المساكن. لكنه يمكن أن يؤدي بمُلاك المساكن إلى الإفراط في الاقتراض على المدى الأطول، ما يزيد من احتمالات الركود. وكما يصف عدد نيسان (أبريل) 2018 من تقرير الاستقرار المالي العالمي، فإن أسعار المساكن في المدن الكبرى حول العالم تتحرك بصورة متزامنة، ما يزيد من احتمالات تأثير أي صدمة يتعرض لها بلد ما على أسواق الإسكان في البلدان الأخرى.  يذكر أننا وجدنا أن الانخفاضات الكبيرة في أسعار المساكن ترتبط بانكماش الاقتصاد ووجود مخاطر على الاستقرار المالي – أي وجود احتمالية قدرها 5 في المائة لهبوط الأسعار بنسبة 12 في المائة - ما يعني أن احتمالية وقوع أزمة مالية بعد عامين تعادل 31 في المائة في الاقتصادات المتقدمة و10 في المائة في الأسواق الصاعدة.   وبهذا يصبح نموذجنا الجديد أداة مفيدة للتنبؤ يمكن أن تساعد صناع السياسات الذين يسعون إلى الحفاظ على اتزان اقتصاداتهم ونظمهم المالية.
فكيف يمكن لصناع السياسات التحرك لمواجهة ارتفاع مخاطر أسعار المساكن؟ ينبغي ألا يركز صناع السياسات على استهداف الأسعار، لكن نتائجنا تشير إلى خطوات مبكرة يمكنهم اتخاذها لتعزيز صلابة الأسر والمصارف والاقتصاد في مواجهة الصدمات. ومن هذه الخطوات تشديد ما يسمى السياسات الاحترازية الكلية، حين يكون الاقتصاد قويا وسوق الإسكان رائجة. وتتضمن هذه السياسات تقييد حجم قروض الإسكان كنسبة من قيمة العقار وتقييد حجم مدفوعات الدين العقاري الشهرية كنسبة من الدخل.
وهناك خيار آخر هو تخفيض سعر فائدة البنك المركزي، وإن كانت نتائجنا تشير إلى احتمال ألا يساعد هذا سوى في تخفيف مخاطر المدى القصير – لمدة تصل إلى بضعة أرباع عام قادمة – وفي الاقتصادات المتقدمة فقط. وقد يكون اتخاذ إجراءات لإدارة تدفقات رأس المال عاملا مساعدا لهذه البلدان أيضا، حين تحدث طفرة في تدفقات رؤوس الأموال الداخلة إليها؛ فتزيد من مخاطر انخفاض أسعار المساكن. وقد ركز تحليلنا على العوامل الدورية، لكن هناك أدوات أخرى يمكن النظر فيها على مستوى السياسات، بما في ذلك السياسات الهيكلية الأطول أجلا – لزيادة عرض المساكن أو فرض قيود على تقسيم الأراضي – أو إجراءات المالية العامة على غرار الضرائب العقارية.
وهكذا نجد أن هناك طرقا لتخفيف المخاطر. وبمساعدة الأداة التي أنشأناها، يمكن لصناع السياسات اتخاذ الخطوات الملائمة في الوقت المناسب – ومنع وقوع أزمة كالتي هزت العالم ذات مرة في عام 2008.

إنشرها