الذوق العام ومناقبه الاجتماعية

وافق  مجلس الوزراء في جلسة الأسبوع الماضي برئاسة خادم الحرمين الشريفين على مشروع اللائحة التنظيمية للمحافظة على الذوق العام في الأماكن العامة، وذلك حرصا على عدم إيذاء الآخرين؛ بتصرفات أفراد لا يلقون بالا للآخرين، ولا يعنيهم خدش الذوق العام في ما يقومون به من فعل في اللباس، أو القول البذيء، أو كافة التصرفات الجارحة، والخارجة عن ثقافة المجتمع العامة التي يفترض ترسيخها، وتثبيتها في نفوس أبناء المجتمع؛ لما في ذلك من تطبيع على قيم لابد من احترامها من الجميع مواطنين، ومقيمين، وزائرين.
الأماكن العامة ليست ملكا لأحد، ولا أحد يملك حق التصرف فيها، والعبث فيها، سواء في ذاتها كالتخريب، أو ترك النفايات فيها، أو القيام بتصرف خارج عن مقتضيات الذوق العام الذي تربى عليه أبناء المجتمع في بيوتهم، ومدارسهم، ومساجدهم، قنوات التنشئة والتربية كافة. ولعله من المناسب تحديد الأماكن العامة فهي في نظري الأسواق، والحدائق، والمتنزهات البرية، والشوارع، والمساجد، والمدارس، والأندية، والملاعب، بل والفضاء العام، أي المكان العام والحيز الذي يشترك الناس في منافعه، أو يتأثرون بما يحدث فيه من تصرفات إيجابية، أو سلبية.
في السابق كان زوار المملكة ممن لا يتفقون معنا في العقيدة، ولا الثقافة العامة يحرصون على احترام الذوق العام، فيما يتعلق باللباس، بل إن مصطلح العباية، والحجاب أصبح جزءا من المفاهيم المتداولة، والشائعة لدى من يفكر في زيارة المملكة، أو العمل فيها، خاصة من النساء، وكثيرا ما يسألون عن الموضوع؛ لذا كان من النادر في السابق أن نرى من تسير في السوق، أو الشارع من دون العباية، وحجاب الرأس، سواء عن قناعة، أم غير ذلك؛ إنما النتيجة احترام الذوق العام، وعدم إيذاء، وجرح مشاعر أبناء البلد بلباس غير محتشم.
التصرفات المؤذية، والجارحة للذوق العام كثيرة، وليست مقتصرة على مظهر دون آخر، ولا على كبير، أو صغير، أو سعودي، وغير سعودي، بل مع الأسف أصبحت ممارسات ذات انتشار واسع، فترى الرجل الكبير يحضر إلى المسجد بثوب النوم، وكأنه ذاهب إلى غرفة نومه، ولم يخطر بباله رد فعل الآخرين وهم يرونه بهذا اللباس، بل بالنسبة له الأمر عادي، ولا يستوجب الإنكار عليه، أو نقده في ذلك، كما تكثر مظاهر السراويل التي يرتديها الرجال، وكذلك ارتداء قمصان عليها صور مشاهير لا يجمعنا بهم شيء على الإطلاق. ومن ممارسات الإساءة للذوق العام اللباس غير المحتشم من بعض النساء، وهن في الشارع، أو السوق، حتى إنهن يجعلن من أنفسهن فرجة للآخرين، كما يعطين نموذجا خارجا عن ذوق المجتمع العام، وما تربى، واعتاد عليه أبناء المجتمع، حتى أن من يراهن من صغار السن يعتقدن أن اللباس غير المحتشم هو الأساس، وما عداه هو الشاذ، والدخيل على المجتمع.
من الممارسات المؤذية، التي تمثل تلوثا بصريا قويا الكتابة على الجدران بالبخاخ، أو وضع الملصقات على الأبواب وعلى أعمدة الإنارة، بل حتى أعمدة الإشارات المرورية، من قبل مقدمي الخدمات، كالمقاولين، والسباكين، والكهربائيين، ومعلمي الدروس الخصوصية، وشركات الاتصالات، حتى تحولت الجدران إلى لوحات إعلانية مجانية، لكنها مؤذية  للعين، مشوهة لمنظر المدينة، وهذا ليس مقتصرا على مدينة دون أخرى، والغريب أن البلديات، والجهات ذات العلاقة لم تحرك ساكنا إزاء هذه الممارسات رغم سهولة الوصول إلى أصحابها، فاسم الفرد، أو الشركة، والمؤسسة، وأرقام التواصل كلها متوافرة على الملصقات، أو مكتوبة على الجدار.
مخلفات البناء التي يتركها المقاولون، والمؤسسات، والشركات المنفذة لمشاريع البناء، والطرق، وجميع الخدمات الأخرى تمثل خرقا للذوق العام، ومناظر مؤذية تشوه مدننا وتظهرنا وكأننا شعب لا يأبه بنظافة مدنه، ويعرض حياة وسلامة الناس وممتلكاتهم للأذى، فهل تتخذ إجراءات صارمة بحق المستهترين والمتلاعبين؟! ومن ممارسات الإساءة للذوق العام ذات التلوث السمعي المؤذي التعديلات على السيارات، التي تحول صوت السيارة إلى ما يشبه صوت الطائرة، حتى إذا مرت السيارة أصاب الفزع، والاشمئزاز الجميع، ومن ممارسات التلوث السمعي إطلاق الموسيقى الصاخبة بشكل يفرض على الآخرين الاستماع لما لا يرغبون فيه. مهما كانت أهمية حرية الفرد، إلا أن صيانة الذوق العام والمحافظة عليه أمر لازم لصيانة هوية المجتمع، ذلك أنه متى ما سمح بالجرأة على الذوق العام؛ فالنتيجة تشويه وضياع لجزء مهم وأساسي من الهوية العامة للمجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي