استسهال النصيحة

دعيت قبل سنوات إلى عقيقة أقامها زميل عمل سابق، قد رزقه الله بمولوده الثالث. 
وبعد نهاية العقيقة، التفت أحد الضيوف الذي كان يجلس بجانبي نحو الداعي وهو يبتسم قائلا: 
"أكرمك الله، لكن توقف عن الإنجاب. استمتع بحياتك. التميز ليس في عدد الأطفال. الأرانب تنجب بوفرة". 
تزوج ذلك الشخص بعد فترة قصيرة، ومر على زواجه نحو 11 سنة، وهو يحاول بشتى الطرق الإنجاب، لكن لم يقدر له الله حتى الآن، رغم أنه تزوج أكثر من مرة. 
أدعو له دائما بالذرية الصالحة، ولكن كلماته التي قالها في تلك العقيقة، لا تزال تدور في رأسي، كلما تذكرت معاناته. 
استرجعها كلما أخبرني أو نقل إلي أحد الأصدقاء المشتركين عن ظروفه. 
أستعيدها كلما حاولت أن أهم بتبسيط عمل ما أو استسهال آخر. 
ينبغي علي وعليك أن نقتصد في إسداء النصائح المجانية، خاصة إذا لم نكن نملك تجارب تؤهلنا للكلام في المجال الذي نعظ فيه.
بعضنا يوزع النصائح دون أن يعي خطورتها وانعكاساتها عليه قبل غيره. 
تعلمنا حياتنا يوميا أن من يشمت أو يسخر أو يتهكم أو يقلل من أفراح الآخرين، تدور عليه الدوائر، ويتجرع مرارات طويلة. 
أتذكر جيدا عندما سخر بعض الزملاء في الجامعة من قرار زميل آخر لنا ترك الكلية.
رأوا أنه اتخذ قرارا سيئا. قالوا له أمامه وخلفه: 
"ستندم، امسك أرضك. لا تتحرك". 
وذلك دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الاستماع إلى دوافعه. 
لم يصغ إليهم وانطلق إلى جامعة أخرى تحتضن أحلامه. 
اليوم هو أحد عمدائها ومن أمهر الباحثين فيها. بينما رفاقه السابقون يصارعون ويكافحون في أعمالهم.
تخيلوا لو سمع كلام زملائه، بالتأكيد لما صعد للعلا وحلق في الأعالي.
الآخرون ليسوا يتامى ومقطوعين من شجرة. لديهم عشرات المقربين والقريبين الذين يغدقون عليهم الأفكار والاقتراحات والتوصيات. 
سمعوا مثل كلماتك مرارا وتكرارا.
ببساطة، فكر ألف مرة قبل إسداء النصح وتقديم النصيحة.
وتذكر أن من ستنصحه فكر في نصيحتك ألفي مرة قبل أن ترددها على مسامعه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي