2020 تضع القارة الصفراء على عتبة ريادة القرن

2020 تضع القارة الصفراء على عتبة ريادة القرن

لطالما تحدث اقتصاديون وعلماء سياسة ومحللو أسواق ناشئة منذ عقود عن قدوم العصر الآسيوي، المفترض أن يمثل نقطة تحول تاريخية، تصبح فيه القارة الصفراء المركز الجديد للعالم.
آسيا هي بالفعل موطن لأكثر من نصف سكان العالم. من بين أكبر 30 مدينة في العالم، هناك 21 مدينة في آسيا، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.
بحلول العام المقبل، ستصبح آسيا أيضا موطنا لنصف سكان العالم من الطبقة الوسطى، أي تلك التي تشمل أسر يراوح دخل الفرد فيها يوميا بين 10 و100 دولار، على أساس تعادل القوة الشرائية عام 2005.
منذ عام 2007، دأب الآسيويون على شراء سيارات وشاحنات، أكثر من الناس في أي منطقة أخرى في العالم، بحلول عام 2030 من المتوقع أن يعادل عدد السيارات التي سيشترونها، مشتريات الآخرين في بقية دول العالم مجتمعة، وفقا لشركة إل إم سي أوتوماتيف.
بدأ قادة المنطقة يتحدثون بصراحة أكبر عن هذا التحول.
نارندرا مودي، رئيس وزراء الهند، قال في الاجتماع السنوي الأخير للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية "تجد القارة نفسها الآن في مركز النشاط الاقتصادي العالمي، فقد أصبحت محرك النمو الرئيس في العالم. في الواقع، نحن نعيش الآن اللحظة التي أطلق عليها كثيرون اسم "القرن الآسيوي".
إذن متى سيبدأ العصر الآسيوي فعلا؟ أحصت "فاينانشيال تايمز" البيانات، وتوصلت إلى أن الاقتصادات الآسيوية، حسب تحديد مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، ستكون أكبر من اقتصادات بقية دول العالم مجتمعة في عام 2020، لأول مرة منذ القرن الـ19.
إذا العام المقبل، هو تلك اللحظة التي سيبدأ فيها القرن الآسيوي، كما تظهر الأرقام. لوضع الأمر في منظوره الصحيح، شكلت آسيا ما يزيد قليلا على ثلث الإنتاج العالمي في عام 2000.
للاستنتاج بناء على حساباتها، فحصت "فاينانشيال تايمز" بيانات صندوق النقد الدولي عن الناتج المحلي الإجمالي، بعد ضبط فروق الأسعار في مختلف البلدان.
تعد هذه الطريقة، التي تقيم الاقتصادات حسب تعادل القوة الشرائية، الإجراء الأكثر أهمية على نطاق واسع لأنها تأخذ في الحسبان ما يمكن للناس شراؤه بالفعل في البلدان النامية، حيث ترخص الأسعار غالبا.
حتى عند الحساب على أساس سعر الصرف في السوق، فإن آسيا تظل ممثلة لـ38 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ارتفاعا من 26 في المائة في أوائل العقد الأول من القرن الـ20.
ما الذي يكمن وراء تفوق اقتصاد آسيا على بقية اقتصادات العالم؟ يوضح صعود الصين والهند جزءا كبيرا من هذا الاتجاه.
تعد الصين الآن أكبر اقتصاد بمعادل القوة الشرائية مقارنة بالولايات المتحدة، حيث تمثل 19 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي هذا العام، أي أكثر من ضعف نسبة 7 في المائة المسجلة في عام 2000. تعد الهند الآن ثالث أكبر اقتصاد في العالم، حيث يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو ضعف حجم الناتج المحلي الإجمالي لأي من ألمانيا أو اليابان، وكان لكلتيهما اقتصادان أكبر من الهندي، على أساس تعادل القوة الشرائية في عام 2000.
دخول العالم الوشيك في عصر آسيوي لا يأتي بسبب أكبر اقتصادين فيه فحسب، بل أيضا بفضل النمو في بلدان آسيوية أخرى، صغيرة ومتوسطة الحجم اقتصاديا.
إن إندونيسيا على الطريق الصحيح لتصبح سابع أكبر اقتصاد في العالم، من حيث تعادل القوة الشرائية بحلول عام 2020، وستتجاوز روسيا بحلول عام 2023 لتصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم.
تفوقت فيتنام، وهي من أسرع الاقتصادات نموا في آسيا، على 17 دولة في ترتيب الاقتصادات من حيث تعادل القوة الشرائية منذ عام 2000، بما في ذلك بلجيكا وسويسرا.
يعد اقتصاد الفلبين الآن أكبر من حجم اقتصاد هولندا، فيما تفوقت بنجلادش على 13 اقتصادا آخر، في الـ20 عاما الماضية.
تمثل الطفرة الأخيرة في آسيا، التي بدأت مع الطفرة الاقتصادية في فترة ما بعد الحرب في اليابان - وكوريا الجنوبية - عودة إلى قاعدة تاريخية.
لقد سيطرت آسيا على الاقتصاد العالمي، طوال معظم تاريخ البشرية، حتى القرن الـ19.
قال أندريا كولي، أستاذ التاريخ الاقتصادي في جامعة بوكوني في إيطاليا "في نهاية القرن الـ17، كانت أوروبا تنظر بعين الإعجاب والحسد إلى منطقة من العالم يتركز فيها أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للعالم، ويعيش فيها ثلاثة أرباع سكان العالم".
في القرن الـ18، كانت حصة الهند من الاقتصاد العالمي كبيرة جدا، بما يساوي حصة أوروبا، وفقا للسياسي الهندي والمؤلف شاشي ثارور.
ثم تقلصت مكانة آسيا في العالم لمدة ثلاثة قرون، مع انطلاق اقتصادات الغرب مدفوعة بالثورة العلمية ثم عصر التنوير والثورة الصناعية.
يقول جويل موكير، الأستاذ في جامعة نورث وسترن "ما تنظر إليه هو الانعكاس الكبير. بين عامي 1500 - 1750 تغيرت أوروبا بشكل كبير؛ فيما لم يتغير باقي العالم".
بحلول خمسينيات القرن الماضي، كانت آسيا تمثل أقل من 20 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي، على الرغم من أنها كانت تضم أكثر من نصف سكان العالم.
قال بوب ألين، أستاذ التاريخ الاقتصادي في جامعة نيويورك في أبو ظبي، الذي كان سابقا في جامعة أكسفورد "في القرن الـ19، تحولت اقتصادات آسيا من كونها مركز التصنيع العالمي، إلى اقتصادات متخلفة تقليدية تصدر السلع الزراعية". بيد أنه في العقود الأخيرة، تم عكس ذلك الاتجاه.
"تضاءل" الصعود الكبير لليابان وكوريا الجنوبية، وهما أول دولتين في آسيا تلحقان بالغرب، بسبب انطلاق الصين عقب تطبيق البلاد لإصلاحات موجهة نحو السوق، في عهد الزعيم الصيني دنج شياو بينج، في أواخر السبعينيات.
في غضون بضعة أجيال فحسب، أسهم "مزيج نجاح متكامل مع الاقتصاد العالمي، من خلال التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر، ومعدلات ادخار مرتفعة، واستثمارات كبيرة في رأس المال البشري والمادي، وسياسات اقتصاد كلي سليمة" في قفزة اقتصاد آسيا إلى الأمام، وفقا لآخر توقعات إقليمية من صندوق النقد الدولي، جمعها فريق ترأسه كوشي ماتهاي.
يجادل كيشور محبوباني في كتابه الأخير "هل فقد الغرب؟" .. "عصر الغرب الذي دام طوال قرنين من الزمان كقوة عالمية، هل شارف على النهاية"؟
خلال العقود الخمسة الماضية، تم انتشال مئات الملايين من الناس في آسيا من براثن الفقر، كما ارتقت الحالة الاقتصادية في عديد من الاقتصادات الآسيوية، فأصبحت ضمن الدول متوسطة الدخل أو حتى في عداد بلدان متقدمة، وفقا لتعريف البنك الدولي.
مع ذلك، لا تزال آسيا أفقر من بقية دول العالم، إلا أن هذه الفجوة آخذة في التراجع.
لا يزال الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الصين بحسب معادل القوة الشرائية يمثل نحو ثلث الناتج المحلي للفرد في الولايات المتحدة، ونحو 44 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الاتحاد الأوروبي.
وفي الهند، يقف الناتج المحلي الإجمالي للفرد بحسب تعادل القوة الشرائية نحو 20 في المائة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي للفرد في الاتحاد الأوروبي، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي.
إلا أن الفجوة بين دخل الفرد في الهند والصين مقارنة بنظيريهما في الولايات المتحدة وأوروبا، قد ضاقت بشكل كبير منذ عام 2000. وخلال تلك الفترة، أصبح نصيب الفرد في الصين أغنى بنحو خمس مرات من متوسط نصيب الفرد من الإنتاج في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، علما بأن كلتا المنطقتين كانت في مستويات مماثلة منتصف تسعينيات القرن الماضي.
بكل المقاييس، آسيا على وشك أن تكون مركز الاقتصاد العالمي مرة أخرى.
قال البروفيسور ألين "إنه عندما يحدث ذلك سيكون العالم قد أكمل دورة كاملة من الانقلاب الاقتصادي".

الأكثر قراءة