Author

سياسات التصحيح والاستقرار الاقتصادي

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا


بين وقت وآخر تواجه الدول حالات من مشكلات اقتصادية في صورة عجز وهذا العجز عادة ما يقصد به العجز في الميزانية العامة (النفقات أكثر من الإيرادات) أو ميزان المدفوعات (هناك عجز في صافي التعامل مع دول العالم، بمعنى مبسط أن المدفوع للخارج أكثر من المستحق من الخارج بالعملات الأجنبية في كلتا الحالتين).
العجز يسبب للدول وجع رأس (تزايد حجم الدين العام، واحتمال خفض قيمة العملة، ومن ثم مواجهة ارتفاع الأسعار «التضخم»)، كما هو الحال بالنسبة للأفراد (مشاكل الأفراد من جراء العجز في ميزانياتهم عندما يكون الإنفاق أعلى من الدخل).
خفض العجز يتم غالبا عبر تطبيق سياسات مالية أو سياسات نقدية تقشفية، تعمل على تقليص الفجوة بين العرض والطلب. وهذا التقليص بدوره يسهم في إحداث استقرار اقتصادي. أما مجموع تلك السياسات وإجراءاتها المتخذة لتعديل الأوضاع القائمة فيعدان عمليات تصحيح.
السياسات المالية تعني السياسات المتعلقة بمالية الحكومة سواء في جانب الإيرادات أو جانب المصروفات. أما السياسات النقدية فمتعلقة بالنقود وأسعار الفائدة والصرف.
الحد من العجز المالي في ميزانية الحكومة لازم لأن العجز يأتي بالتضخم ويسبب مشكلات في ميزان المدفوعات عن طريق زيادة الطلب المحلي، أو قد يعمل على إزاحة الاستثمارات الخاصة وهو بذلك يخفض النمو الاقتصادي.
تهدف سياسات الاستقرار عادة إلى معالجة أربع مشكلات رئيسة وهي: العجز المالي والعجز في ميزان المدفوعات والتضخم والمشكلات الهيكلية.
في حال اختلال الميزان الخارجي، فإن برامج الاستقرار التقليدية والهيكلة تعتمد على ثلاث مجموعات من السياسات: خفض الطلب الكلي المحلي، وتخفيض سعر الصرف، وتحسين تمويل عجز الحساب الجاري.
تلجأ الدول إلى طلب مساعدة صندوق النقد الدولي عندما تواجه مشكلة في ميزان المدفوعات، وتكون هذه المساعدة في شكل قروض وتوصيات مالية ضمن برنامج تحدد فترته الزمنية، ويطلق على ما يشتمل عليه البرنامج من سياسات مالية واقتصادية "برنامج التصحيح الاقتصادي". وتصاغ مطالب الصندوق في البرنامج المشار إليه على أن تضمن معايير لتقييم الأداء يتوقف عليها حصول الدولة على الاعتمادات المالية المرصودة لتنفيذ البرنامج. ويوفد الصندوق بعثة فنية بصفة دورية للقيام بعملية التقييم، ومعرفة مدى التزام الدولة ببنود البرنامج المتفق عليه، والشروط الواردة فيه بموجب وثيقة تعرف بـ"خطاب النوايا". ويطلق على مجموعة السياسات الاقتصادية والإجراءات المالية والنقدية المصاحبة عدة تسميات بحسب الهدف المراد تحقيقه أو النتيجة المتوقع الحصول عليها من جراء تطبيق برنامج التصحيح، وكذلك مقدار وحجم عناصر السياسة المالية والإجراءات المصاحبة للخطوات التنفيذية؛ فتسمى "البرمجة المالية" Financial Programming عندما يكون الإصلاح المالي هو العنصر الرئيس في علاج اختلال ميزان المدفوعات وإعادة التوازن الداخلي والخارجي، كما تسمى "برامج الاستقرار" Stabilization Program حيث يكون الهدف هو تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي في الأجل القصير من خلال استخدام السياسة المالية لتلعب دورا جوهريا في الإصلاح الاقتصادي، وتسمى أيضا "برنامج التكيف" Adjustment Program على أساس أن العناية بتصحيح ميزان المدفوعات تتم من خلال تصحيح اختلال مكونات ميزان المدفوعات، وكذلك الاهتمام بالتطور الكلي وتعديل الطلب الكلي بالنسبة للعرض الكلي، وذلك للتخصيص الأمثل لموارد عناصر الإنتاج. كما تسمى حزمة السياسات المالية والاقتصادية والإجراءات المستخدمة ضمن عملية التصحيح " سياسات التحرير الاقتصادي" Liberalization Policies.
ويطلب الصندوق من الدول تطبيق جملة من التدابير يمكن تصنيفها إلى محورين رئيسين، هما:
- الضغط على النفقات العامة وتتم هذه العملية من خلال:
- تخفيض الإنفاق العام الاستهلاكي والاستثماري.
- رفع الدعم عن السلع ذات الاستهلاك الواسع.
- تقليص المساعدات الموجهة لمؤسسات القطاع العام.
- تجميد الأجور والحد من التوظيف في القطاع العام.
- زيادة الإيرادات العامة وذلك من خلال:
- رفع أسعار سلع وخدمات القطاع العام.
- زيادة الإيرادات الضريبية.
- خصخصة مؤسسات عامة.
لكن من المهم التنبيه على أنه قد يساء اختيار بعض سياسات ضغط الإنفاق العام، أو زيادة الإيرادات.
والموضوع يتطلب حكمة ومراعاة اعتبارات كثيرة.

إنشرها