«بيتكوين» والعملات الرقمية .. مع أو ضد «2»

في ملخص للمقال السابق، انتهيت إلى أن العملة الآن لم تعد ذهبا ولا ورقا، ولا مخزنا للثروة، بل أصبحت مجرد مقياس للإنتاج، وعندما نقول: إن عملة المملكة هي الريال فذلك معناه أن المملكة تقيس إنتاجها الاقتصادي بالريال، والولايات المتحدة تقيس إنتاجها بالدولار لا أقل ولا أكثر، ولهذا فإذا حولت من عملة إلى أخرى فكل ما فعلته نظريا هو إعادة قياس إنتاجك بمقياس آخر، ومن المهم هنا أن أذكر أن هناك فارقا كبيرا بين العملة كمقياس بين أدوات خزن الثروة التي انفصلت عن العملة، فإذا قمت بتحويل إنتاجك "أي الأرقام من العملة" إلى ورق مثلا أو ذهب أو حتى أرض، فأنت تقوم بشراء أدوات خزن الثروة فقط، وليس هنا مجال للتفصيل، لكن التحويل إلى مخازن الثروة ليس مجانيا، فعليك المرور بمحكات الأسعار وهي العرض والطلب، والحديث عما تملكه من ثروة لمجرد أن لديك "أرقاما"، تحتاج إلى نقاش فيما بعد ولكن المسألة تظهر جلية عندما تنتقل من هذه "الأرقام" إلى تنفيذ احتياجاتك، هناك فقط تعرف ثروتك، واليوم يمكنك الاطلاع على أرقامك وحجم إنتاجك في الأجهزة الإلكترونية "أجهزة الصرف الآلي، أو جهاز الحاسب" وهي التي أطلق عليها هنا أرقام إلكترونية.
الانتقال من الرقم الإلكتروني إلى الورق ثم إلى السلع له تكلفة وكلما تنقلت وتعددت نقاط الانتقال زادت التكلفة، وهي تكلفة الزمن وجزء من الآلة، ولتخفيض التكلفة عليك أن تنتقل من الرقم الإلكتروني في أقل مدة، والأفضل هو عدم المرور بحاجز الورق، أو محاضن الثروة، بل من الرقم إلى السلع فورا، وهذا أصبح متوافرا الآن مع وجود أجهزة نقاط البيع. ولكن يبقى سؤال يجب مناقشته، هو كيف تنتج الأرقام الإلكترونية ابتداء؟ سأضع مثالا للتبسيط "على أن الأمر أكثر تعقيدا في الواقع العملي لكنه لا يخرج عن هذه الفلسفة". لقد قلت سابقا: إن الثروة هي "فقط" إنتاج العمال والآلات "والعمال فقط بتصرف قليل"، فإذا كان لديك مصنع فيه عامل واحد وآلة واحدة مثلا، وفي الساعة يتم إنتاج سلعة واحدة، وساعة العامل هي "50 ريالا" وساعة تشغيل الآلة هي "50 ريالا"، فإن قيمة السلعة المنتجة نهائيا هي "100 ريال"، وهكذا أنت تلاحظ الآن أنني استطعت أن أنتج أرقاما إلكترونية في هذا المقال، ويمكن كتابتها في حسابات العامل والآلة في الحاسب الآلي، والعامل بعد كل ساعة واحدة سيجد لديه في حسابه الإلكتروني في المصنع رقم "50" وأمامه كلمة ريال، وهكذا في حساب مخصص استهلاك الآلة "50" وتتجمع الأرقام لتشكل الراتب الشهري بقدر ساعات العمل، لكن هذه الأرقام لا يمكن قبولها من المجتمع حتى الآن، لا يمكن أن يقوم العامل باستبدالها بين الناس، إلا إذا كان في الواقع الاقتصادي الحقيقي سلعة حقيقية يريدها الناس، وفي المثال هناك سلعة يوجد في مقابلها في حسابات المصنع اسم مخزون سلعي ورقم "100"، وسيقوم المصنع بعرضها كمخزون متاح للبيع ويضع سعرها 100 وبجوارها جهاز الصرف بطاقة البنك "نقاط البيع"، ونفترض هنا أن حسابك المصرفي صفر لكن إذا جاء أحدهم واشترى السلعة منك فإنه يقوم من خلال الجهاز الصغير بإرسال أرقام إلكترونية من حسابه إلى حسابك وبقيمة البيع "100 ريال"، هكذا تحول إنتاجك الذي لم يعد معك إلى أرقام في حسابات المصرف ودخلت فعليا إلى الاقتصاد الحقيقي بعد البيع "وأصبحت ضمن أرقام الناتج المحلي" بعد أن أصبح إنتاجك الآن مجرد أرقام إلكترونية. وهكذا تستطيع تحويل أرقام إنتاجك إلى مخازن الثروة "ذهب، ورق، أو سلع معمرة" ويمكنك إرثها للآخرين لتأخذ سلعهم أو خدماتهم، وهكذا الحال بالنسبة لراتبك إذا كنت موظفا. لكن إذا كان كل واحد منا سيرسل أرقام إنتاجه الإلكترونية إلى الآخرين ويأخذ ما معهم من سلع أو ورق فنحن نحتاج إلى أن نثق أن الآخرين سيأخذون الأرقام الإلكترونية التي معنا ويعطوننا ما معهم من سلع، هنا مشكلة أخرى لا دخل لها بالعملة تسمى العقود، ولأن الدولة موجودة فإنها هي التي تضع للأرقام قوتها المعنوية الضرورية، لأن من سيرفض التعامل بهذه الأرقام سيعاقب قانونا. لكن مع كل هذا فإنني أضع سؤلا مهما، وهو إذا كان كل منا يرسل أرقاما للآخرين ويشتري ما معهم من سلع، وهكذا من شخص إلى آخر، فمن أنتج الرقم الإلكتروني الأول الذي تم ضخه في كل هذه الأجهزة؟ سأترك الإجابة عن هذا السؤال الآن مؤقتا ويمكن للقارئ أن يفكر في ذلك بهدوء. والمهم الآن أن تدرك أنك تستطيع بنفسك إنتاج أرقامك الإلكترونية وتستطيع تحويلها إلى أي شيء إذا – وإذا فقط– قبل الآخرون بهذه الأرقام.
يمكن الآن أن ننتقل إلى العالم الافتراضي والعملة الإلكترونية، هناك "أرقام الإنترنت" و"بيتكوين" وغيرها. فعندما ظهر الإنتاج في العالم الافتراضي "إنتاج افتراضي لأنه مجرد برمجة للأضواء الكهربائية 101010"، ومن ذلك ألعاب، وبرامج، وتطبيقات، كان هدف أولئك المنتجين هو بيع منتجاتهم بالعملة المعروفة "دولار" مثلهم في ذلك مثل غيرهم في الإنتاج الحقيقي، الملموس "على أساس أن إنتاجهم حقيقي" ثم ظهرت مع هذه الألعاب إمكانية الدفع بالبطاقات الائتمانية، ثم بعد ذلك ظهرت بطاقات إلكترونية تستطيع أن تشتريها بالدولار من المحال في العالم الحقيقي ثم تستخدمها لتشتري بها تطبيقات وألعابا في العالم الافتراضي، ثم أصبحت هذه البطاقات غير موجودة على الحقيقية بل هي مجرد رسوم إلكترونية على مواقع الإنترنت مكونة فعليا من البرمجة الكهربائية الأساسية "0101" وهي لا تعني شيئا وغير موجودة فعلا بل هي أرقام برمجية، لكنها مع ذلك قبلت وأصبح يمكن استبدالها بالأرقام الإلكترونية في الحسابات المصرفية، هكذا كانت البداية "برمجة إلكترونية من 01010" على شكل رسوم تسمى بطاقات ألعاب وتطبيقات في مقابل برمجة أخرى "1010" لكن على شكل أرقام في أجهزة المصارف ... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي