البطالة وتباطؤ النمو يتحديان مؤشرات تعافي الاقتصاد الصيني

البطالة وتباطؤ النمو يتحديان مؤشرات 
تعافي الاقتصاد الصيني

زادت حدة مشكلات الاقتصاد الصيني خلال أول شهرين من العام الحالي، ما دفع معدل البطالة إلى الارتفاع بقوة، وكثف الضغوط على استراتيجية الحكومة من أجل تحفيز الاقتصاد.
وبحسب "الألمانية"، قفز معدل البطالة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم خلال شباط (فبراير) الماضي إلى 5.3 في المائة، مقابل 4.9 في المائة خلال كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ليسجل أعلى مستوى له منذ عامين، على خلفية تسجيل الناتج الصناعي للبلاد أسوأ بداية سنوية له منذ عام 2009، ونمو مبيعات التجزئة بأقل وتيرة لها منذ عام 2012.
وانخفض نمو ناتج الصناعات التحويلية في الصين إلى أدنى مستوى في 17 عاما في أول شهرين من العام، بما يشير إلى ضعف يشهده ثاني أكبر اقتصاد في العالم من المرجح أن يؤدي إلى إطلاق مزيد من إجراءات الدعم من جانب بكين.
في المقابل، تسارعت وتيرة الاستثمار في الأصول الثابتة كما سجلت الاستثمارات في القطاع العقاري قفزة ملحوظة خلال أول شهرين من العام.
وفي ظل تباطؤ نمو الطلب العالمي وضعف الطلب المحلي، جاءت القفزة في معدل البطالة بعد أيام قليلة من إعلان لي كيشيانج رئيس الوزراء الصيني عن استراتيجية "التوظيف أولا" كجزء أساسي من السياسة الاقتصادية للبلاد خلال العام الجاري. وأفادت وكالة "بلومبيرج" الأمريكية للأنباء الاقتصادية أن هذه البيانات والحقائق الاقتصادية الجديدة ستدخل في حسابات صناع السياسات النقدية والاقتصادية في الصين عندما يبحثون ما إذا كان اقتصاد البلاد في حاجة إلى مزيد من إجراءات التحفيز، ومتى يمكن إطلاق مثل هذه الإجراءات.
ويقول تومي شيي، مختص الاقتصاد في مجموعة "أوفرسيز-تشاينيز بانكينج كورب" المصرفية، مقرها سنغافورة "يشير ارتفاع معدل البطالة في الصين إلى الضغوط المتزايدة للحرب التجارية الصينية-الأمريكية على استقرار الوظائف في الصين.. لكن الجانب الإيجابي هو أن الطلب ما زال يتمتع بالمرونة حتى الآن. وتظهر عودة تسارع الاستثمار في الأصول الثابتة أن السياسة المالية الاستباقية للصين بدأت تؤتي ثمارها، وهي فرصة طيبة لأن نمو الاستثمار في الأصول الثابتة ربما يكون قد وصل إلى أقل مستوى ممكن ليبدأ مجددا رحلة الصعود".
وأشارت "بلومبيرج" إلى عدم وجود بيانات اقتصادية خاصة بشهر كانون الثاني (يناير) منفردا، حيث يجمع مكتب الإحصاء الوطني الصيني بيانات الشهرين الأولين كل عام في تقرير واحد لتقليل التذبذب الذي ربما ينجم عن أيام عطلة رأس السنة القمرية، التي عادة ما تأتي في شهر شباط (فبراير)، في الوقت الذي تعطل فيه أغلب المؤسسات والشركات أعمالها لأكثر من أسبوع.
جاءت عطلة العام الحالي بالكامل في شباط (فبراير) الماضي، في حين كانت العطلة نفسها مقسمة العام الماضي على شهري شباط (فبراير) وآذار (مارس).
يأتي ذلك، فيما أشار مسؤولون صينيون، إلى أن الحكومة لن تلجأ إلى نمو يعتمد على الاقتراض لمواجهة تباطؤ النمو الاقتصادي الحالي، إنما سيكون التركيز على التخفيضات الضريبية كإحدى أدوات تحفيز النشاط الاقتصادي.
وأعلنت الحكومة الصينية أمام المشاركين في المؤتمر حزمة تخفيضات ضريبية تصل قيمتها إلى تريليوني يوان "298.5 مليار دولار" وهي تخفيضات غير مسبوقة، في الوقت الذي ذكر فيه ليو كون وزير المالية الصيني، أن الرقم النهائي لقيمة التخفيضات الضريبية يمكن أن يكون أعلى من هذه التقديرات.
وكان تقرير الحكومة الذي استعرضه رئيس الوزراء أمام مؤتمر نواب الشعب تضمن تخفيضات ضريبية تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي.
وكانت العناصر الأكثر أهمية في التقرير، خفض قيمة الضريبة المضافة في قطاع الصناعة وقطاعات أخرى بواقع ثلاث نقاط مئوية إلى 13 في المائة. وبجسب رئيس الوزراء الصيني، فإنه سيتم تقليص مساهمات الشركات في خطط التأمين الاجتماعي، كما ستحظى الشركات الخاصة بفرص تمويل أفضل.
من ناحيته، أوضح ماو شينجيونج في تصريحاته للصحافيين أمس أن الحكومة أطلقت "مجموعة من السياسات تتضمن خفض القيود على النشاط الاقتصادي وخفض الضرائب والرسوم.. عندما يتم تطبيق هذه السياسات تدريجيا، سيواصل الاستثمار التحرك صوب التحسن والاستقرار".
في المقابل، يرى لويس كويس كبير مختصي الاقتصاد الآسيوي في مؤسسة "أكسفورد إيكونوميكس" للدراسات، ومقرها هونج كونج، أن نمو الاقتصاد الصيني سيظل تحت ضغوط خلال الأشهر المقبلة نتيجة تباطؤ الصادرات وضعف ثقة المستثمرين والمستهلكين، لكن الأمور ستتحسن خلال الربع الثاني من العام الحالي مع بدء ظهور تأثير إجراءات التحفيز وتراجع حدة التوتر التجاري مع الولايات المتحدة.
وتستهدف الحكومة الصينية معدل نمو اقتصادي يراوح بين 6 في المائة و6.5 في المائة لعام 2019، وستمثل هذه النسبة أبطأ نمو اقتصادي للصين منذ ما يقرب ثلاثة عقود.
ونما الاقتصاد الصيني 6.6 في المائة، وهو الأبطأ منذ عام 1990، بسبب الضغوط التي فرضتها الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وارتفاع الدين الحكومي.
ويقول مختصو الاقتصاد في "بلومبيرج"، "إن البيانات الاقتصادية الصادرة في الصين تشير إلى استقرار الطلب على جانب الاستثمار ومبيعات التجزئة، في حين ما زال جانب الإنتاج يفقد زخمه. وقد يستمر الاختلاف في البيانات خلال الأشهر المقبلة، حيث تشير إلى استقرار جانب الطلب خلال الربع الثاني، مع استمرار الضعف في جانب الإنتاج".
وترى هيلين شياو كبيرة محللي اقتصاد الصين الكبرى في فرع "بنك أوف أمريكا كورب" الأمريكي في هونج كونج، أن الاستثمار العقاري في الصين سجل خلال أول شهرين من العام الحالي معدل نمو 11.6 في المائة، وهو أعلى معدل له منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى نمو الطلب الاستهلاكي.