Author

التدريب والاستثمار في رأس المال البشري

|

يمر العالم، ونحن معه، بالثورة الصناعية الرابعة، وهي العصر الصناعي الذي يشهد اختراق التكنولوجيا للحياة الإنسانية كلها وتظهر الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وblockchain، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، و"إنترنت" الأشياء، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات المستقلة، لتقودنا نحو تغييرات كبيرة في أنظمة الإنتاج والإدارة والحوكمة. والاتجاه العام في المراكز الاقتصادية العالمية كافة، يؤكد أن الاستثمار في رأس المال البشري يعد اليوم من أهم عناصر الإنتاج في الثورة الصناعية الرابعة، ومن الصعب دحض هذا التواتر، وقد أدركت الاقتصادات المتقدمة في العالم أنه السبيل إلى الاستدامة. ويكمن رأس المال البشري في قدرة الأفراد على إدارة وصناعة وتطوير المعرفة، ومن ثم التجديد والابتكار، ولقد أثبتت عديد من الدراسات العلاقة بين النمو وبين الإنتاجية المرتبطة بتطور التقنية واستخداماتها في أي بلد، فلم تعد الوظائف الأساسية الاستخراج أو الصناعة تتم من خلال الأفراد وأيديهم مباشرة باستخدام الأدوات التقليدية، بل أصبحت الآلات الإلكترونية والروبوتات تقوم بكثير من هذه الأعمال، وتصل دقتها إلى مراحل يصعب على اليد البشرية أن تقوم بها مع كثافة إنتاجية عالية، حيث إنها لا تتعرض للإجهاد، وتعطلها قليل، فالاقتصادات المتقدمة التي تمتلك القدرة والمعرفة على إنتاج وتطوير هذه التكنولوجيا هي القادرة - اليوم - على إدارة دفة الاقتصاد العالمي، على أن الاقتصادات الأخرى التي تمتلك المعرفة الكاملة للتعامل مع هذه الآلات المعقدة تكنولوجيا، تمتلك حصتها من الإنتاج والنمو العالمي وقادرة على الاستدامة، لكن هذا يستدعي الاهتمام الكامل والرعاية بالموارد البشرية وتدريبها، فالتدريب هنا هو نوع من أنواع الاستثمار في رأس المال البشري، وسيكون له عوائده الاقتصادية المؤكدة.
وفي "رؤية المملكة 2030"، يظهر الاهتمام الرئيس بإحداث نقلة موضوعية وتحولات استراتيجية تتناسب مع هذا العصر التقني، كما أن خطابات خادم الحرمين الشريفين كافة، تؤكد على هذا المسار، ومن ذلك الخطاب السنوي الذي ألقاه في مجلس الشورى، وأشار فيه إلى أهمية تطوير الكوادر البشرية لمقابلة هذه التحولات وأهمية الاستثمار الفعال في رأس المال البشري، كما أكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان على الاهتمام بالموارد البشرية وتدريبها، خلال استقباله مسؤولي وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وممثلين عن العاملين من أصحاب المهن المختلفة في القطاع الخاص، وفي كل مناسبة يؤكد خادم الحرمين الشريفين اهتمام الدولة بالتدريب وتشجيعها على الاستثمار في هذا المجال، فالتدريب وتطوير المهارات البشرية لم يعد مصنفا من ضمن النفقات الاستهلاكية، بل هو من ضمن النفقات الرأسمالية التي تتحقق من خلالها عوائد مستقبلية مهمة تأتي في شكل تعظيم إنتاجية الأفراد. وهذا ما أكده وزير المالية السعودي في حديثه في اجتماعات صندوق النقد الدولي "وأهمية بناء القدرات التي تؤدي إلى تبني التقنيات المتقدمة من قبل الحكومات والأفراد بشكل فعال"، فالاستثمار في المعرفة يعني الاستثمار في التقنية وفي العقول التي تطبق هذه التقنية، والتوازن هنا هو محك الإنجاز.
ومع وضوح الرؤية والتوجيهات في هذا الشأن، فإن عجلة التقدم تحتاج إلى مزيد من العمل الجاد والقوي من أجل بناء رأسمال بشري قادر على إنتاج المعرفة الجديدة وتطويرها وإعادة إنتاجها، ومن ثم تحويلها ضمن مشروع الصناعات التحويلية إلى منتجات تحقق النفع العام والاكتفاء والقدرة على التصدير ومنافسة الإنتاج العالمي. لذا فإنه من الأهمية العمل على دمج رأس المال البشري ومشاريع تطوير الصناعات والخدمات اللوجستية.

إنشرها