Author

الكتاب من زاوية اقتصادية

|
مستشار اقتصادي


كل مرة يذكر معرض الكتاب يدور في بالي كثير من الشجون والأفكار المتكررة حول الثقافة والتعلم وغريزة حب الاستطلاع لأن العلاقة مع الكتاب أزلية وإن أخذت أشكالا مختلفة وشدا وجذبا حسب الظروف الموضوعية. ليس لدي معلومات دقيقة عن عزوف الأغلبية العظمى عن القراءة لكن حسب إحصاءات تذكر مرارا عن ترجمة الكتب وتوزيعها ليست القراءة من أهم النشاطات لدينا، وقد زاد على ذلك حديثا ظاهرة انشغال الناس بالهاتف المتنقل بما يحمل من معلومات مختصرة وسريعة. أصبحت المعرفة تصل إلينا ككبسولة علاجية تشفي غريزة حب الاستطلاع والإحساس بالحصول على المعلومة دون إضافة معرفية، فالكل لديه طريق لمعلومات كثيرة لكن لديه نقص في المعرفة، أحد مظاهر العصر القفز من معلومة إلى أخرى دون ترابط فكري أو وقت للتروي. لذلك أجد أن كل معرض للكتاب فرصة لكسر هذا الرابط السطحي بين المعلومة والمعرفة، ودعوة أخرى للتأمل ومشاغلة الذات بما هو أهم. تمر المملكة بتحول مهم ولذلك يأتي معرض الكتاب في مرحلة مختلفة. أجد أن الكتاب والقراءة هما ذلك الخيط الذي يربط بين الحاجة إلى تكوين المحتوى المعرفي والقيمة الاقتصادية.
لن تكون معارض الكتب أو حتى اقتناء الكتب أو التوجه للكتاب المسموع بديلا عن الرغبة الأصيلة في تراكم المعرفة وتحويرها والخروج بمنتج جديد لكن رغبة المملكة في التغيير التنموي اجتماعيا واقتصاديا باتت واضحة، ولذلك أجد معرض الكتاب نافذة أخرى للمعرفة وتراكمها وتحديثها، التراكم والتحديث والتحوير والإنتاج المعرفي عمل اقتصادي يتحول إلى منتج حين نتمكن منه. التراكم المعرفي ودوره في تسليح المجتمع والفرد أساسي رغم أنه لا يذكر عادة كهدف أو وسيلة للتغيير والتنمية، إذ ليس من المبالغة القول إن قلة القراءة انعكاس لحالة تنموية ناقصة ولعلها سبب غير مباشر ولكن موضوعي يصعب إنكاره. الرصيد المعرفي تراكمي والعادة تراكمية وتحقيق النجاح الاقتصادي تراكمي. لذلك البداية من الكتاب الجاد ولتكن البداية مقبولة أيا كان مستواها، المهم التصاعد المعرفي والتعمق والتأمل في ما نحصل عليه. مرحليا أجد الكتاب المفيد ليس المتخصص أو الأكاديمي لكن الكتاب الفريد الذي ينفذ كاتبه بين التخصصي وحاجة المجتمع العملية وبين ما يجذب القارئ وينقله إلى مدار آخر، نعبر عنها أحيانا بالاحتفاظ به كلما بقي محتوى الكتاب في أذهاننا أصبح جزءا منا.
بعد مرحلة معينة لا أحد يعلمك غير نفسك وإحساسك بسد الفجوات والبناء الذاتي لكن أيضا المعلومات بحد ذاتها لا تضيف كثيرا دون محتوى معنوي وأخلاقي ومنهجية لتوظيف المعرفة وإطار سليم لتعظيم الفائدة منه. ليكون هذا المعرض فرصة أخرى لتجديد العلاقة بين الفرد والكتاب وبين المعرض والمجتمع وبين الحاجة إلى المعرفة والبناء من خلال الرؤية للتقدم والإنجاز. أتمنى أن تصل المعارض إلى المدن الصغيرة والمتوسطة، وتحاول إدخال القراءة في ثقافة المجتمع. السيطرة على مستوى جديد من المعرفة توسع المساحة الثقافية وتوجد نماذج أخرى لا نستطيع التنبؤ بتطوراتها ودورها في قدرتنا على المنافسة عالميا.

إنشرها