أسعار النفط تراوح في نطاق محدد
من المفترض أن تتداول أسعار خام برنت في نطاق ضيق نسبيا، يراوح بين 50 و70 دولارا للبرميل للفترة حتى عام 2024، مع تراوحها حول 60 دولارا للبرميل، وفقا لتقرير جديد صدر أخيرا عن مصرف أميركا ميريل لينش. وهذا التوقع يتوافق مع أسعار العقود الآجلة الحالية للسنوات الخمس المقبلة، حيث تتداول عند نحو 60 دولارا للبرميل. بالطبع ستتقلب الأسعار، لكن من المتوقع أن تبقى ضمن نطاق 20 دولارا للبرميل.
لكن، هناك كثير من عدم اليقين في هذه التوقعات. قبل عام قال المصرف إن المخاطر التي تجابه توقعاته تميل إلى الاتجاه الصعودي. الآن، يعتقد أن المخاطر على الجانب الهبوطي تتزايد، مع استمرار ارتفاع إمدادات النفط الصخري في الولايات المتحدة، وتوسعها بشكل أسرع وبكميات أكبر خلال العام الماضي أكثر من المتوقع. كما أن الطلب على النفط يتباطأ، ومن المتوقع أن يستمر في التباطؤ.
على المدى القصير، يرى مصرف ميريل لينش، أن أسعار «برنت» سترتفع إلى 70 دولارا للبرميل. حيث ستسهم تخفيضات منظمة أوبك وحلفائها، الانقطاعات غير الطوعية في فنزويلا وإيران، وتراجع الإنتاج في المكسيك وأماكن أخرى، في زيادة تشدد الإمدادات. وعلى خلاف ما حدث عام 2017، فإن تخفيضات "أوبك" وحلفائها هذه المرة تحدث في ظل تشدد المخزونات وفائض إنتاج أصغر، الأمر الذي سيجعل خفض الإنتاج أكثر فعالية، وهو ما يحدث بالفعل الآن.
ومع ذلك، فإن التأثير الآخر من تخفيضات إنتاج "أوبك" وحلفائها، هو ارتفاع الطاقات الإنتاجية الاحتياطية للمنظمة، حيث إن خفض الإمدادات في بداية هذا العام أسهم في ارتفاع الطاقات الاحتياطية من 1.1 مليون برميل إلى 2.5 مليون برميل في اليوم في غضون أسابيع قليلة. خفض الإنتاج ببساطة يعني أن هناك مزيدا من العرض متوافر كطاقات احتياطية، وهو جاهز لتزويد الأسواق في حالة حدوث انقطاعات.
ونتيجة لذلك، تتضاءل مخاطر نقص العرض من الأسواق، ما يؤدي إلى تقليل التقلبات وانخفاض أسعار العقود الآجلة. إن ارتفاع الطاقات الاحتياطية يجب أن يحافظ على نطاق لأسعار خام برنت يراوح بين 55 و65 دولارا للبرميل على المدى الطويل، حتى إذا ارتفعت أسعار خام برنت إلى ما فوق 70 دولارا للبرميل على مدار عام 2019 كما يتوقع المصرف حاليا.
ولكن، هناك عدم يقين كبير جدا حول مسار الاقتصاد العالمي؛ حيث انخفض نشاط التصنيع في أماكن متعددة في جميع أنحاء العالم، ولا سيما في الصين. في هذا الجانب أشار تقرير مصرف ميريل لينش إلى أن الصين شهدت الانخفاض الأكبر في النشاط عند النظر إلى مؤشرات مديري المشتريات. وبطبيعة الحال، ظلت الصين ركيزة الطلب العالمي على معظم السلع خلال العقدين الماضيين. كما أعلنت الصين مبيعات شهرية ضعيفة من مبيعات السيارات للشهر الثاني على التوالي، ما يضيف دليلا على حدوث تباطؤ في الاقتصاد. تعد احتمالية وجود هبوط حاد في الاقتصاد الصيني أكبر خطر هبوطي على توقعات بنك ميريل لينش لأسواق النفط على المدى المتوسط.
في الوقت نفسه، ليس الأمر مجرد احتمال حدوث تباطؤ عالمي يهدد الطلب على النفط. حيث إن تحسين كفاءة الطاقة، وموارد الطاقة المتجددة المتزايدة، المركبات الكهربائية والغاز الطبيعي تستأثران بحصة أكبر من إجمالي مزيج الطاقة. في هذا الجانب، يرى المصرف أن الطلب العالمي على النفط سيبلغ ذروته في عام 2030، لكن بحلول منتصف العقد المقبل، سينخفض نمو الطلب بمقدار النصف، مقارنة بمعدل النمو لهذا العام.
ومع ذلك، هناك بضعة أسباب أخرى تجعل مصرف ميريل لينش يعتقد أن أسعار النفط ستتداول ضمن نطاق ضيق نسبيا. لقد أبدت "أوبك" استعدادها للتنازل عن حصتها في السوق، مع استمرار التوسع في إنتاج النفط الصخري الأمريكي. هذا يحافظ على الأسعار من الانخفاض أكثر من اللازم. في غضون ذلك، وفي العام الماضي، مارست إدارة الرئيس الأمريكي ضغوطا على منظمة أوبك لاتخاذ إجراءات لإبقاء الأسعار تحت السيطرة كلما ارتفعت كثيرا. هذا الضغط يمكن أن يحد من ارتفاع أسعار النفط الخام، حسب اعتقاد المصرف.
لكن الأهم من ذلك، يجادل المصرف بأن العرض الآن أكثر مرونة مما كان يعتقد من قبل. على مدار العام الماضي، كلما ارتفعت الأسعار، ازدادت سرعة نمو إنتاج النفط الصخري الأمريكي. لا تزال شركات النفط الصخري الأمريكي تكافح من أجل تحقيق الأرباح، لكن المعطيات في السنوات الأخيرة تشير إلى أن التمويل يزداد في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار النفط. في نهاية المطاف، عندما ينظر المصرف على مدى السنوات الخمس المقبلة، يستنتج أن الأسعار ستظل تحت السيطرة خلال تلك الفترة.
هذا التحليل يحاكي نظرية "نطاق النفط الصخري" التي ظهرت قبل بضع سنوات. حيث إن ارتفاع الأسعار يقابل بزيادات أسرع في إمدادات النفط الصخري في الولايات المتحدة، التي تؤدي إلى انخفاض الأسعار. وعلى العكس من ذلك، فإن أي هبوط في أسعار النفط يعرقل نمو إنتاج هذه الموارد، وهذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى. تحافظ استجابة النفط الصخري على الأسعار ضمن نطاق أضيق مما كان عليه الحال في الماضي. قبل ثورة النفط الصخري، تجاوزت أسواق النفط الاتجاه الصعودي والهبوط إلى درجة أكبر، بسبب عدم مرونة موارد العرض التقليدية لتقلبات الأسعار. يعتقد عديد من المحللين أن الأمر لم يعد كذلك بسبب موارد النفط الصخري.
باختصار، يرى مصرف ميريل لينش أن أسعار النفط سترتفع إلى 70 دولارا للبرميل على المدى القصير، لكنها تظل بعد ذلك في نطاق يراوح بين 50 و70 دولارا للبرميل خلال الفترة حتى منتصف العقد المقبل.