الحفاظ على الزخم الاقتصادي «4»

لقياس مدى مرونة استجابة منطقة جنوب شرقي آسيا للتحولات والاضطرابات التي من المحتمل أن تواجهها، من المفيد معرفة كل من التكيف التلقائي من أسفل إلى أعلى من جانب الشركات والأفراد، والتكيف القائم على السياسات. فقد اتخذت منطقة جنوب شرقي آسيا خطوات في هذين المجالين ربما لم تكن جميعها ملائمة، ولكنها تتحرك حاليا في الاتجاه الصحيح.
ويعد التكيف التلقائي من أسفل إلى أعلى في وضع جيد إلى حد كبير. فلدى الشركات في المنطقة سجل أداء حافل في مجال التحول. ومن أمثال تلك الشركات طيران آسيا، وهي شركة طيران منخفضة التكلفة نمت لتصبح أكبر شركة طيران في ماليزيا ولديها شركات تابعة في جميع أنحاء المنطقة. وزاد حجم شركات تايلاندية مثل مجموعة تشاروين بوكفاند ومجموعة سيام للأسمنت زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة لتعمل في جميع أنحاء منطقة ميكونج وخارجها.

الدعم الحكومي:
في مجال التكيف القائم على السياسات ظهرت مجموعات من الأنشطة القادرة على المنافسة عالميا في جميع أنحاء المنطقة، وهي ما يمكن أن تكون نقطة بداية للابتكار. وقد استفاد عديد من هذه الأنشطة من الدعم الحكومي في شكل خطط رئيسة صناعية وحوافز لتطوير المناطق الصناعية وجذب المستثمرين الأجانب. ومن الأمثلة الجيدة في هذا الصدد الساحل الشرقي لتايلاند الذي أصبح مركزا رئيسا لصناعة البتروكيماويات والسيارات. وتسعى الحكومة التايلاندية حاليا لتحويل هذه المنطقة إلى "ممر اقتصادي شرقي" موسع. وتمتلك ماليزيا ممر "بينانج -كوليم" ومنطقة "إسكندر" الجنوبية، وهي أيضا مجموعات صناعية ولوجستية قادرة على المنافسة عالميا.
ويتمثل العنصر الرئيس لتحسين عمليات التكيف القائمة على السياسات في توفير السلع العامة مثل البنية التحتية، والتعليم والتدريب على المهارات، والبحث والتطوير، وشبكات الأمان الاجتماعي. وهذا ما يحدث الآن شاهد التحول الكبير في الاستثمار في البنية التحتية عبر المنطقة بعد عقود من التقدم البطيء.
وتعمل الحكومات كذلك على الحد من القيود التنظيمية والتصدي للفساد. فقد تحسن ترتيب إندونيسيا بحسب تقرير سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، وأجرت هيئة مكافحة الفساد بها محاكمة جريئة لمئات من المسؤولين، بما في ذلك أحد رؤساء البرلمان، وحكام مناطق، ومسؤولون كبار في الوزارات. وقد قطع هذا شوطا طويلا نحو الحد من ثقافة الإفلات من العقاب التي تجعل القضاء على الفساد أمرا غاية في الصعوبة. كذلك تظهر الحكومة الجديدة في ماليزيا حماسة مثالية في محاربة الفساد.
ويمكن أن يكون العقدان التاليان مبشرين لمنطقة جنوب شرقي آسيا من حيث الفرص التي تتيحها التكنولوجيا والنمو العالمي، لكن يمكن كذلك أن يكونا صاخبين بسبب المخاطر المستمرة، مثل تلك التي يمكن أن تنجم عن بنيان مالي دولي لم يتم إصلاحه وغير مستقر. ومن الواضح أن هناك كثيرا من العمل الشاق الذي يتعين القيام به. ورغم أن صناع السياسات اتخذوا خطوات لم تكن جميعها ملائمة، إلا أنهم يسيرون في الاتجاه الصحيح. وتشهد الشركات نموا من حيث الحجم ودرجة التطور، ما يساعد اقتصادات المنطقة على التكيف بمرونة وفعالية مع التحديات الجديدة. وقد كان لجنوب شرقي آسيا سجل أداء جيد في مواجهة التحديات بمرور الوقت. ولدينا كل الأسباب التي تدعو للثقة في أنها ستواصل السير على هذا الدرب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي