FINANCIAL TIMES

بوادر ارتهان المحاماة لشركات تحليل البيانات القانونية

بوادر ارتهان المحاماة لشركات تحليل البيانات القانونية

بالنسبة للمحامين الذين يمارسون مهنتهم في المحكمة الجزئية الأمريكية في مقاطعة في شمالي كاليفورنيا، فإن القدرة على قراءة أفكار القاضي ريتشارد سيبورج ستكون مفيدة للغاية.
حتى أعوام قليلة مضت، كانت محاولة التنبؤ بالكيفية التي قد يحكم هو أو أي قاض آخر بها، تعتمد على مواجهتهم ما يكفي من المرات في المحكمة، أو تبادل النصائح مع الزملاء حول الحجج التي وجدها القاضي مقنعة، أخيرا.
في هذه الأيام، فإن القاضي سيبورج وزملاؤه يقدمون مجموعة كبيرة من البيانات، تم استخراجها من قبل مجموعة من الشركات تهدد بقلب الطريقة التي تعمل بها مهنة المحاماة.
تماما مثل لاعب بيسبول أو تنس محترف، فإن القاضي سيبورج، الذي ينظر في مجموعة كاملة من القضايا الجنائية والمدنية، لديه إحصائياته الشخصية التي يتم جمعها وتمحيصها بدقة.
أي شخص يأمل برفع دعوى قضائية جماعية ينبغي أن يعرف، على سبيل المثال، أن مثل هذه القضايا عرضت عليه في 37 مناسبة، وأنه سمح بما نسبته 51 في المائة منها بالمضي قدما.
من خلال مقارنته بنحو 670 قاضيا آخر من قضاة المحكمة الجزئية الأمريكية، يستطيع المحامون معرفة أين يمكن تصنيفه من حيث القبول بمثل هذه القضايا، ومقدار الوقت الذي يستغرق إكمالها، واحتمالية أن يقدم حكماً سريعا بدون شكليات قبل المحاكمة، أو ما إذا كان ينبغي على المحامين توقع إجبارهم على الدفاع عن القضية أمام هيئة محلفين.
بموجب نظام القانون العام في الولايات المتحدة وبريطانيا وعدد من البلدان الأخرى، فإن صحة الحجج القانونية تعتمد بشكل كبير على السوابق.
لذلك، فإن محام من كاليفورنيا قد يرغب أن يعرف، على سبيل المثال، ما إذا كان قرار المحكمة العليا الأمريكية المفضل للقاضي سيبورج هو قضية آشكروفت ضد إقبال، وهي قضية في عام 2009 تتعلق بمسؤولية مسؤول كبير عن أفعال شخص مرؤوس، استشهد بها في 423 مناسبة.
كما يحب أيضا قضية باليستريري ضد قسم شرطة باسيفيكا، وهو قرار من محكمة الاستئناف عام 1990 نابع من قضية عنف منزلي، ذكرها 312 مرة.
في القصة القصيرة "تقرير الأقلية" لفيليب كيه ديك، تم استخدام ثلاثة من "المستبصرين" الموصولين بآلة للتنبؤ بكافة الجرائم حتى يكون بالإمكان اعتقال المجرمين المحتملين، قبل أن يتمكنوا من ارتكاب جريمتهم.
في الحياة الواقعية، يطور عدد متزايد من الخبراء القانونيين وعلماء الكمبيوتر أدوات يعتقدون أنها ستمنح المحامين ميزة في الدعاوى القضائية والمحاكمات.
بعد أن أحدثت تأثيرا في قضايا براءات الاختراع، فإن شركات التحليلات القانونية المذكورة تتوسع الآن إلى نطاق واسع من مجالات القانون التجاري.
يقول دانيال لويس، المؤسس المشارك في شركة التكنولوجيا القانونية "رافيل لو"، القائمة في سان فرانسيسكو التي بنت قاعدة بيانات السلوك القضائي: "لا يتعلق الأمر باستبدال القضاة. بل يتعلق بإظهار كيف يتخذون القرارات، وما يجدونه مقنعا وأنماط طريقة حكمهم".
يدرك القاضي سيبورج أنه يخضع للمراقبة من قبل شركة رافيل، لكنه رفض التعليق من أجل هذه المقالة.
يقول لويس إن قدرات التحليلات القانونية تتطور بسرعة. "كثير من المحامين يفكرون في قضيتهم كأنها ندفة ثلج خاصة – أن الحقائق فريدة من نوعها، وأنه لا شيء مثلها قد حدث من قبل. من الواضح أن هذا غير صحيح".
ثورة التكنولوجيا لم تشهد انفجارا في الابتكار فحسب، بل أدت أيضا إلى تصاعد الخلافات القانونية حول الملكية الفكرية.
بعض هذه الدعاوى القضائية كانت نتيجة مطالب تنافسية بين الشركات حول من اخترع ماذا أولا، لكن بحلول منتصف العقد الأول من الألفية، فإن سلالة جديدة من كيانات الأطراف الثالثة كانت قد وصلت – تشتري براءات الاختراع وتستخدم التهديد بالتقاضي لاستخراج دفعة مالية سريعة من أهدافهم.
بالنسبة للبعض، هم "متصيدو براءات الاختراع"، فمحترفو الملكية الفكرية ينقبون في كل صغيرة وكبيرة؛ وبالنسبة لآخرين، يحاسبون الشركات على سرقة عمل المبتكرين الأصليين.
في كلتا الحالتين، فإن حجم التقاضي على الملكية الفكرية قد تضخم، وهناك الآن آلاف قضايا التقاضي المتعلقة بالملكية الفكرية في الولايات المتحدة كل عام.
حتى الآونة الأخيرة، فإن جزءا كبيرا من هذه القضايا كانت تنظر في مقاطعة تكساس الشرقية، التي أصبحت المكان رقم واحد للتقاضي بشأن براءات الاختراع بفضل سرعتها في معالجة الادعاءات، واحتمال أن تقدم القضية إلى المحاكمة، والمعاملة الودية من هيئات المحلفين تجاه أصحاب براءات الاختراع، الذين يرفعون دعوى انتهاك – في المقابل كانت تعني دفعات مالية أكبر.
وفقا لأرقام من شركة برايس ووترهاوس كوبرز، بين عامي 2013 و2017، فإن متوسط التعويضات في مطالبات براءات الاختراع في الولايات المتحدة كان 1.9 مليون دولار، عندما كان القضاة يقررون حجم التعويض، لكنه كان 10.2 مليون دولار عندما تكون هيئة المحلفين هي التي تتخذ القرار.
وفي حين أن أصحاب المطالبات كانوا قادرين على "اختيار" المحكمة الأكثر تفضيلا، إلا أنهم كانوا يصطفون لرفع الدعاوى في تكساس.
مع ذلك، في أيار (مايو) من عام 2017، أنهت المحكمة العليا من الناحية العملية إمكانية اختيار المحكمة من أجل قضايا براءات الاختراع؛ بدلا من ذلك، يجب أن يتم التقاضي في الولاية التي توجد فيها الشركة المدَّعى عليها.
فجأة بات من الضروري معرفة سجلات القضاة، والمحامين والمحاكم في الولايات القضائية مثل ديلاوير، أو كاليفورنيا – نطاق القاضي سيبورج – أو نيوجيرسي.
في مكتب فوق صالون تجميل في بلدة مينلو بارك في سيليكون فالي، تجمع شركة البيانات القانونية ليكس ماكينا، عددا من الأحكام الصادرة عن محاكم أمريكية بقدر ما تستطيع.
جوش بيكر، رئيس مجلس الإدارة، يدعي أن ثلاثة أرباع شركات المحاماة المائة الأبرز في الولايات المتحدة، هي عملاء لشركة ليكس ماكينا.
يقول: "هذه الأيام الجميع لديه تحليلات في لعبة البيسبول"، مشيرا إلى كتاب "موني بول" من تأليف مايكل لويس الذي ألهم الهوس الرياضي لاستخدام إحصاءات أداء غامضة في كثير من الأحيان.
"قريبا هذا سيكون هذا هو الوضع نفسه مع القانون. وبمجرد أن يقوم الجميع بذلك، سيتوقف الأمر على مدى براعتك في استخدام تلك البيانات" حسبما أضاف.
الفكرة وراء شركة ليكس ماكينا – التي هي مثل شركة رافيل، مملوكة الآن من قبل شركة البيانات ليكزس نيكزس LexisNexis – كانت تمكين الشركات والمحامين فيها من تقييم فرصهم في الفوز بقضية ما، بمجرد أن يصل إشعار رفع الدعوى.
نوع المعلومات التي قد يتم تحليلها يشتمل على عدد المرات التي رفع فيها محامي الخصم أنواعا معينة من الدعاوى القضائية، وفي أي محكمة، وما هو معدل النجاح، ومن قاموا بتمثيلهم، ومن هم المحامون الذين واجهوهم.
بمجرد أن يتم تعيين قاض في القضية، تستطيع شركات البحث القانوني توفير إحصائيات عن سجله أيضا.
التقاضي بشأن الملكية الفكرية كان الشرارة لإطلاق شركة ليكس ماكينا، التي ظهرت كشركة ناشئة في كلية ستانفورد للحقوق، لكن بمجرد أن تمكنت من الوصول إلى قاعدة بيانات شركة ليكزس نيكزس الأوسع، توسعت إلى عدة مجالات أخرى "كبيرة الحجم" من القانون، من التوظيف والضريبة إلى المسؤولية القانونية عن المنتجات، والإهمال الطبي، والتأمين والإفلاس. كما أن شركات تحليلات قانونية أخرى اتبعت مسارا مماثلا.
للتقدم على المنافسة، أنشأ المحامون التجاريون في الولايات المتحدة نقاط إنذار على نظام بيسر Pacer، نظام سجلات المحكمة الإلكترونية، الذين ينبههم إلى الوقت الذي تم فيه رفع دعوى ضد شركة في مجالهم.
بمجرد أن تظهر ملاحظة لفت النظر، يقول كريستيان مامين، الشريك في شركة المحاماة هوجان لوفيلز القائم في سان فرانسيسكو، إن الفريق القانوني الداخلي في الشركة المتضررة، سيبدأ بتلقي المكالمات في غضون دقائق من محامين يعرضون الدفاع عن الشركة.
"بعد ثلاث ساعات سيتلقون عروض دفاع كاملة"، كما يقول مامين، الذي كان يرافع في دعاوى قضائية بشأن قضايا الملكية الفكرية والتكنولوجيا منذ طفرة الدوت كوم في أواخر التسعينيات.
هذا يعني تقديم المشورة حول المكان، والاستراتيجية والموظفين، مدعومة من البيانات. "يجب أن تكون مستعدا بحجة مقنعة حول السبب في كونك أفضل المحامين في التعامل مع قضيتهم".
مع انتشار الاستخدام المحتمل لهذه الأدوات التحليلية، ظهر مزيد من الشركات لتلبية الطلب. من بينها شركة بريمونيشين، القائمة في نيويورك، التي تظهر تاريخ التقاضي للقضاة والمحامين وشركات المحاماة، بما في ذلك معدلات الفوز والخسارة للمحاكمات التي تم قياسها نسبة إلى المنافسين، ومعدلات نجاح أنواع مختلفة من الطلبات التي توجه إلى المحاكم الفردية، وقاعدة بيانات حول من يرفع الدعاوى ومن ترفع عليه الدعاوى في أغلب الأحيان.
تحليلات التقاضي من "بلومبيرج لو" و"جافيليتيكس" القائمة في لوس أنجلوس، لديها وظائف مماثلة، بينما توفر كل من شركات كيستيكست وجاديكاتا تحليلا عميقا للوثائق القانونية الأكثر صلة بالقضية التي يمثلها المحامي، مثل مذكرات مماثلة رفعتها شركات أخرى، وتاريخ قضايا ذات صلة، والنقاط التي يستشهد بها القضاة، وغالبا ما يتم الرجوع إلى الفقرة الأكثر استشهادا.
شركة بلو جيه ليجال قائمة في تورنتو، وتبحث في أحكام المحاكم الكندية بشأن الضرائب والتوظيف. بعد أن تجعل العملاء يجيبون عن أسئلة تتعلق بظروفهم الفردية، مع ترجيح كل عامل اعتمادا على القضية المعروضة، وينتج برنامجها قائمة من قضايا مماثلة، وفقرات قانونية ذات صلة تم الاستشهاد بها، وتقييم صريح بنسب مئوية لفرص العميل من حيث الفوز أو الخسارة.
المسيرة نحو العدالة التي تعتمد على البيانات لديها عيب واحد كبير: معظم البيانات مفقودة.
الغالبية العظمى من الدعاوى المدنية، ربما تبلغ 90 في المائة، يتم اسقاطها أو تسويتها خارج المحكمة، ما يعني أن الوثائق من القضية لا يتم نشرها علنا. السبب في ذلك مالي – يقول مامين "إن البدء بدعوى قضائية أمر سهل، لكن الاستمرار بها مكلف".
علاوة على ذلك، في حين أن من السهل نسبيا جمع وثائق المحاكم في الولايات المتحدة، إلا أنه في ولايات قضائية أخرى، بما في ذلك بريطانيا، فإن العثور على حالات سابقة أصعب بكثير؛ فقاعدة البيانات الرئيسة على الإنترنت في المملكة المتحدة بيلي Bailii، ساعدت على تحسين الوصول العام خلال العقدين الماضيين، لكنها تعاني ثغرات في الوثائق التاريخية وتكافح لمواكبة الجديدة منها.
في المجالات القانونية التي يصعب فيها العثور على البيانات، أنشأت شركة المحاماة، هيربرت سميث فريهيلز ما تقول إنه "عقل الخلية الصغيرة" للمحامين في الحياة الواقعية لتقييم النزاع.
المشروع، الذي يطلق عليه اسم "تحليل القرار" يسهم في ترجيح المخاطر لكل مرحلة من مراحل القضية – تقييم ما إذا كانت الشركة قد فشلت في واجباتها تجاه الزبون، على سبيل المثال، وما العوامل التي قد تحدد الأضرار.
يقول دوني سورتاني، شريك النزاعات التجارية في شركة إتش إس إف HSF والمحترف المالي السابق: "في المحاكم التي تنظر في حالات الإنزلاق والحوادث"، مثلا، لديك مجموعة كبيرة من نقاط البيانات.
في الدعاوى التجارية، من الصعب العثور على خمس قضايا مماثلة، ناهيك عن خمسة آلاف. أما العملاء فيطالبون بشكل متزايد بشروط قائمة على احتمالات لتقييم النتائج. لذلك فإن هذا هو السعي للحصول على حكم الفريق القانوني ومساعدة العميل على فهم مخاطر التقاضي بشكل أفضل.
على الرغم من كل هذه الضجة حول التحليلات، فإن بابلو أريدوندو، زميل في مركز ستانفورد للمعلومات القانونية والمؤسس المشارك لشركة كيستيكست، يقول إن هناك حدودا لما يمكن أن تظهره البيانات.
ويضيف: "عروض تحليلات القضاة التي رأيتها حتى الآن تتأرجح بين ما هو بديهي تماما وما هو غير ذي دلالة إحصائيا".
معرفة مكان رفع الدعوى القضائية أو تقدير إلى متى ستستمر القضية هو أمر مهم بلا شك في تطوير استراتيجيك، لكن يتم الاستشهاد بتواريخ بعض القضايا – مثل آشكروفت ضد إقبال – بشكل شائع للغاية إلى درجة أنها تصبح غير مفيدة في تحديد الملف الشخصي لقاض معين.
غير أن مؤيدي التحليلات القانونية يصرون على أن الأمر مجرد وقت قبل أن تتوافر مجموعات بيانات ضخمة لتغطية مجالات واسعة من القانون. ويتقدمون بادعاء جريء مفاده أن هذا سيؤدي إلى نظام عدالة أفضل.
من بيان أي القضايا التي تكون متابعتها مضيعة للوقت والمال، إلى كشف أي القضاة هم متفردون وخارجون عن النظام، يقول المؤيدون إن الأفكار من استخدام البيانات يمكن أن تحسن الطريقة التي يعمل بها النظام القانوني.
"مع توسيع مجموعة بياناتنا، نأمل أن تنظر وزارة العدل والهيئات التنظيمية ذات الصلة في الطريقة التي يتم بها تطبيق العدالة في كافة أنحاء البلاد وأين توجد التناقضات"، كما يقول إدوارد بيرد، كبير الإداريين للإيرادات في سولومونيك، الشركة البريطانية التي شكلتها مجموعة من المحامين التجاريين وعلماء البيانات، والتي تهدف إلى تكرار بعض نماذج التحليلات الأمريكية.
"كبار القضاة في المحاكم التجارية البريطانية يتسمون بالتناسق المنهجي الشديد، لكن في القضايا ذات القيمة المتدنية (في المحاكم في أنحاء بريطانيا) لا يفترض أن تكون في موقف يجعلك تحصل على نتيجة مختلفة تماما، اعتمادا على القاضي الذي تقف أمامه".
وكما هي الحال مع نظام استباق الجرائم المختل في قصة "تقرير الأقلية"، هناك مخاطر في التركيز فوق الحد على ما تقترحه تحليلات البيانات.
يتساءل بيرد: "التحدي الكبير، هو إذا وصلنا فعلا في نهاية المطاف إلى المرحلة التي تقوم فيها الأرقام بالتنبؤ، فهل ستبدأ في تجاوز وإعاقة العملية (القانونية)؟ ما الذي سيفعله هذا من حيث الحصول على العدالة من قبل مدع يقال له ’فرصتك لا تزيد على هذا الرقم، ولن تحصل على فرصتك لتقديم قضيتك في المحكمة‘؟ هذه مسألة أخلاقية مهمة للغاية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES