إلا قلب الوالدين

لم يكن مجرد اتصال هاتفي، الذي وصلني ذلك المساء، بل كان صرخة وجع مريرة، حركت داخلي كل مشاعر الرثاء على حال هذه الأم الموجوعة، قالت بصوت تخنقه العبرات: "ما يهمني كل البشر في هالعالم لو قابلوني بشيء من الازدراء أو التقليل من شأني أو تسفيه آرائي، إلا ابني "حشاشة جوفي" اللي عانيت أنا ووالده أشد المعاناة، وكافحنا وشقينا حتى نوفر له وأشقائه وشقيقاته حياة مرفهة هانئة، تخيلي قبل أشهر وضعني أنا ووالده أمام الأمر الواقع حين اعترف لنا بحبه فتاة معينة، وإن لم نوافق عليها فسيتزوجها رغما عنا، وسيبيعنا ليشتريها، هكذا قال لنا ببساطة، اندفع عاطفيا نحوها، فتغيرت أخلاقه وتصرفاته وطريقة معاملته معنا، والإشكالية أن الفتاة لا تناسبه، ورغبته في الارتباط بها مبنية على عاطفة وانفعال، ومن خلال خبرتنا ورؤيتنا البعيدة للأمور نقرأ ذلك جيدا، حاولنا التحاور معه وإقناعه، ولكن بلا فائدة، أصبحت موجوعة من تصرفاته، لم يعد يكلمني ولا يرد السلام، ويصرف وجهه حين أحادثه، ويعبس حين يقابلني، وحين أطلب منه أمرا ما يرفض بلهجة قاسية، لم يعد يجلس معي أنا ووالده، وأصبحت أشعر أنه بدأ يكرهنا ويتمنى موتنا، لو كنت أثق ولو 1 في المائة بأن هذه الفتاة تناسبه لوافقت أنا ووالده على ارتباطه بها. أنا أتألم بسبب تصرفات ابني؛ حيث أصبح يرفع صوته علينا وينهرنا ويعاملنا بمنتهى الجفاء والغطرسة والاحتقار".
انتهت الأم من حديثها الذي كانت تخنقه العبرات، وكأن كل كلمة كانت تنسل من روحها، وبعد أن شرحت لي أسباب رفضهم هذه الفتاة وأسرتها، فإني لا ألومها على ذلك، فالعاطفة واندفاع الشباب قد يعميانهم عن رؤية كثير من الأمور الأساسية التي سيندمون عليها مستقبلا، فمن قال إن الزواج قائم على قصص العشق المشتعلة وحكايا الحب الملتهبة.
- إلا قلب الوالدين أيها الأبناء، إياكم أن تكسروه من أجل وصولكم إلى غاية ما، فمهما بلغت براعتكم فيما بعد، فلن تجيدوا ترميمه.
- إلا قلب الوالدين أيها الأبناء، لا تبيعوه بثمن بخس لتشتروا قلبا عابر سبيل في حياتكم، قد يكون سببا في خيبات أملكم ومرارة خذلانكم.
- إلا قلب الوالدين أيها الأبناء، لا ترموه في تنور قسوتكم، وتتفرجوا عليه وهو يحترق لخاطر شخص في هذا العالم قد يرحل عنكم لأتفه خلاف.
- إلا قلب الوالدين أيها الأبناء، لا تحطموه بنرجسيتكم، فالدنيا سلف ودين. فغدا قد تبتلعون الصمت والحسرة تأكل أرواحكم حين تتراقص أقدام أبنائكم بلا رحمة فوق قلوبكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي