"أوبك": الطلب النفطي يواجه ضغطا من ارتفاع المعروض والتوترات الجيوسياسية

"أوبك": الطلب النفطي يواجه ضغطا من ارتفاع المعروض والتوترات الجيوسياسية

سيطرت حالة من التفاؤل والثقة على السوق النفطية بعد إعلان منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" جدولا تفصيليا بحجم إنتاج الدول الـ 24 المشاركة فى "إعلان التعاون"، وخطة خفض الإنتاج بنحو 1.2 مليون برميل يوميا اعتبارا من بداية العام الجاري، لمدة ستة أشهر، مع إجراء مراجعة غير عادية فى نيسان (أبريل) المقبل.
وكسبت أسعار النفط الخام أكثر من 2 في المائة فى ختام الأسبوع فى أول رد فعل سريع على موقف "أوبك" الذي وصفه المراقبون في السوق بأنه يتسم بالشفافية ويدعم أجواء الثقة ويعزز فرص تنمية التعاون بين تحالف المنتجين.
كما كشفت البيانات الجديدة عن تحسن معدلات المطابقة لمستويات الإنتاج المستهدفة، وهو ما بدد مخاوف كانت قد انتشرت في السوق عقب انتهاء اجتماع المنتجين في الشهر الماضي دون تحديد موعد الاجتماع المقبل، وهو ما فسره البعض بصعوبة التوافق بين المنتجين، إلا أن المنظمة احتوت هذا الأمر على الفور بالإعلان عن الاجتماع الوزاري المقبل في 17 نيسان (أبريل) المقبل.
وفي هذا السياق، أكدت "أوبك" أنه كان واضحا خلال الربع الرابع من 2018 أن هناك إجماعا واسعا على أن توقعات العام الجاري تشير إلى ارتفاع المعروض النفطي بأكثر مما كان متوقعا مقارنة بمستوى الطلب العالمي.
وأشار تقرير حديث للمنظمة إلى وجود علامات قوية على التباطؤ المحتمل في الطلب مع الأخذ في الحسبان الشكوك السائدة المتمثلة في عدم اليقين، نتيجة تصاعد تأثير العوامل الجيوسياسية.
ونوه بتصريحات المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية بأن العلاقة بين جميع الوزراء كانت وستظل ودية وستتيح فرصا مواتية للغاية لبناء الثقة، معبرا عن ثقته بأن منظومة التعاون بين المنتجين ستحقق مزيدا من النجاح على المدى الطويل.
وشدد التقرير على أهمية مشروع ميثاق التعاون بين الدول المنتجة للنفط الذي تم التصديق عليه من حيث المبدأ، الذي من المقرر الانتهاء منه قريبا، بعدما صدقت عليه جميع الدول المشاركة.
ولفت إلى تأكيد ألكسندر نوفاك وزير الطاقة الروسي أن السوق لا تزال تواجه تحديات واسعة خلال العام الجاري، أهمها التقلبات المستمرة في بيئة السوق وأساسياتها، وأن هناك كثيرا من الجهد الذي يجب بذله للحفاظ على وحدة المنتجين لضمان اتخاذ القرار المناسب والملائم لظروف السوق.
وأشار إلى تأكيد موسكو أن العام الحالي بدأ بجهود مكثفة من أجل إعادة التوازن في السوق والتغلب على حالة الفائض التي تراكمت على نحو واسع بحلول نهاية العام الماضي، متوقعا استمرار جهود المنتجين حتى تحقيق الهدف المنشود المتمثل فى الوصول إلى سوق مستقرة.
وشدد التقرير على أهمية تطوير التعاون بين المنتجين في المستقبل من أجل تحقيق سوق أكثر استقرارا، منوها بالتزام روسيا بدعم التعاون بالمستوى نفسه الذي شهدناه خلال العامين الماضيين.
ونوه التقرير أيضا بتصريحات الدكتور محمد الرمحي وزير النفط والغاز في سلطنة عمان، بأن إنجازات تعاون المنتجين في دول أوبك وخارجها تتحدث عن نفسها، لافتا إلى أن التحالف يضم حاليا 24 دولة ونأمل انضمام مزيد من الدول، مشددا على أن الإنجازات التي تحققت أكثر من المتوقع.
ونقل التقرير عن الرمحي أن الجميع على قناعة بأهمية الحاجة إلى هذا "الإعلان" أو هذا النوع من التعاون، مشيرا إلى أننا بحاجة إلى مواصلة الرحلة، على الرغم من أنه ستكون هناك بعض الصعوبات المتوقعة، مؤكدا أن "إعلان التعاون" سيثبت نفسه أكثر وأكثر خلال السنوات المقبلة.
وذكر الرمحي أن صغار الدول المنتجة أصبحوا أكثر تقديرا لأهمية التعاون مع بعضهم البعض للارتقاء بالصناعة وتحقيق مصالح جميع الأطراف سواء كانوا منتجين أو مصدرين أو مستهلكين.
وفيما يخص تطورات السوق والصناعة في سلطنة عمان، يرى الرمحي أنه تم التعامل بشكل جيد مع الفترات غير المواتية في السوق، حيث تم تركيز الجهود على خفض التكاليف وتحسين الكفاءة وفي بعض الأحيان تقوم السلطنة بدمج المؤسسات.
وأشار التقرير إلى اهتمام سلطنة عمان بدمج الشركات لتشكيل شركة متكاملة للنفط والغاز لزيادة الاستثمار فى مشروعات المنبع والتوسع في أنشطة التكرير والاستثمار الجديدة داخل وخارج عمان.
واعتبر الرمحي أن مستقبل صناعة النفط الخام مع تكاتف المنتجين ستكون أكثر إشراقا وأفضل وأكثر فاعلية في السنوات المقبلة.
واعتبر التقرير أنه كان أمرا حيويا لـ "أوبك" وشركائها العمل حثيثا على إجراء دراسة شاملة لوضع السوق خاصة الفجوة المحتملة بين العرض والطلب في 2019.
وقال التقرير "إن توازن السوق الذي تم تحقيقه على مدى العامين الماضيين لم يكن ثابتا بل كان هناك تأثير واسع للتقلبات بسبب المتغيرات والمستجدات المتلاحقة في السوق التي أثرت في أطراف الصناعة كافة".
وأضاف أنه "كما هي الحال مع أي مفاوضات متعددة الأطراف كان الأمر من الضرورة الحيوية التركيز على الاستماع لكل الأطراف ومعالجة وجهات نظر جميع المعنيين سواء بشكل فردي أو جماعي".
وفي ضوء العوامل الأساسية الحالية والإجماع على عدم التوازن المتزايد في عام 2019، يرى التقرير أنه كان من الطبيعي أن تقدم "أوبك" على قرار خفض الإنتاج بنحو 800 ألف برميل يوميا لدول "أوبك" اعتبارا من بداية العام الجاري لمدة ستة أشهر مع إجراء مراجعة طارئة في نيسان (أبريل) المقبل.
وشدد التقرير على أهمية مساهمة المستقلين في خفض الإنتاج بحجم 400 ألف برميل يوميا خلال الفترة نفسها، حيث تتحمل روسيا النصيب الأكبر منها، لافتا إلى أن هذا القرار الجماعي يعد مواصلة لجهود العامين الماضيين في تحقيق سوق نفطية عالمية متوازنة ومستقرة ومستدامة بما يخدم مصالح المستهلكين والمنتجين والصناعة والاقتصاد العالمي بشكل عام.
وذكر التقرير أنه بالنظر إلى تزايد العالم المعقد والمتشابك الذي نعيش فيه فإن "أوبك" تعتقد أن المبادئ الأساسية للتعاون والتآخي بين الدول هي أفضل طريقة للتغلب على التحديات الراهنة والمستقبلية في الصناعة.
وشدد تقرير "أوبك" على ضرورة استثمار النجاحات السابقة والبناء على ما تحقق من نجاح السوق ومواصلة جهود دفع استقرار السوق وتفعيل "إعلان التعاون" في السنوات المقبلة.
وقال التقرير "إن الخبرات والتجارب العملية السابقة أثبتت أن مبدأ التعاون والشجاعة في خوض التجارب الجديدة مثل "الإعلان المشترك" يمكن أن يحقق نجاحا كبيرا"، مشيرا إلى أن طموح منظمة أوبك إلى التعاون هو استمرار النمو والتطور في جهود التعاون مع المستقلين.
وأضاف أن "منظمة أوبك وحلفاءها راضون بشكل واسع عن القرارات التي تم اتخاذها خلال الاجتماعات الوزارية التي عقدت على مدار الأسبوع الأول من الشهر الماضي"، لافتا إلى وجود توافق ورغبة كبيرة من كل الأطراف لإنجاح هذه الجهود المشتركة، منوها باستمرار تمسك المنتجين بالعمل على الوصول إلى توازن السوق والحفاظ على الاستقرار وتحقيق تطلعات جميع أصحاب المصلحة.
وكانت أسعار النفط قفزت نحو 3 في المائة في ختام الأسبوع الماضي بعد أن نشرت "أوبك" تفاصيل خطتها لخفض الإنتاج بهدف تقليص وفرة في المعروض العالمي من الخام، وعلامات على تقدم نحو إنهاء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وبحسب "رويترز"، صعدت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت لأقرب استحقاق 1.52 دولار، أو 2.48 في المائة، لتبلغ عند التسوية 62.70 دولار للبرميل.
وارتفعت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط 1.73 دولار، أو 3.32 في المائة، لتسجل عند التسوية 53.80 دولار للبرميل.
وسجلت عقود الخامين القياسيين كليهما مكاسب لثالث أسبوع على التوالي مع صعودهما نحو 4 في المائة.
ونشرت منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" قائمة بتخفيضات إنتاج النفط لأعضائها وللمنتجين الرئيسيين الآخرين بدءا من غرة كانون الثاني (يناير) 2019 لتعزيز الثقة باتفاقها لخفض إمدادات الخام.
وقال فيل فلين المحلل في "برايس فيوتشرز جروب" في شيكاغو، "إن هذا سيرسل إشارة إلى السوق بأنهم جادون".
واتفقت مجموعة المنتجين في كانون الأول (ديسمبر) على خفض إنتاج النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا لدعم أسعار الخام وتقليص تخمة نفطية في وقت يتزايد فيه المعروض، خصوصا من الولايات المتحدة.
وسجل عدد حفارات النفط النشطة في الولايات المتحدة أكبر هبوط أسبوعي منذ شباط (فبراير) 2016، بينما من المتوقع أن تعزز الولايات المتحدة هذا العام دورها القيادي كأكبر منتج للخام في العالم.
وقالت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة، في تقريرها الذي يحظى بمتابعة وثيقة، "إن شركات الحفر النفطي أوقفت تشغيل 21 حفارا في الأسبوع المنتهي في 18 كانون الثاني (يناير) ليصل إجمالي عدد الحفارات إلى 852، وهو أدنى مستوى منذ أيار (مايو) 2018".
ومع هذا، فإن عدد حفارات النفط النشطة في أمريكا، وهو مؤشر أولي للإنتاج مستقبلا، ما زال أعلى من مستواه قبل عام عندما بلغ 747 حفارا بعد أن زادت شركات الطاقة الإنفاق في 2018 للاستفادة من أسعار أعلى في ذلك العام.
وأفادت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة ارتفع الأسبوع الماضي إلى ذروة بلغت 11.9 مليون برميل يوميا ومن المتوقع أن يسجل مستوى قياسيا جديدا فوق 12 مليون برميل يوميا هذا العام وأن يقفز إلى نحو 13 مليون برميل يوميا العام المقبل.
وأصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للخام في العالم، بفضل زيادات في إنتاج النفط الصخري، مع وصول الإنتاج إلى نحو 11 مليون برميل يوميا في 2018، وهو ما حطم المستوى القياسي السنوي للبلاد المسجل في 1970.

الأكثر قراءة