FINANCIAL TIMES

السياسيون يفسدون على البنوك المركزية احتفالها بانتهاء الأزمة

السياسيون يفسدون على البنوك المركزية احتفالها بانتهاء الأزمة

ما أهم وظيفة في العالم؟ رئيس؟ معلم؟ أم؟ أب؟ إليكم وظيفة لن تظهر على قوائم معظم الناس: مصرفي مركزي.
جيمس كارفيل الذي كان يُقدم المشورة للرئيس الأمريكي بيل كلينتون، قال ذات مرة من باب المزاح "إنه في عالم تناسخ الأرواح" يريد أن تحل روحه في سوق السندات، حتى يكون قادرا على إخافة أي شخص. لكن كما أثبت بن برنانكي، وميرفين كينج، وأخيرا ماريو دراجي "رؤساء البنوك المركزية في حقبة الأزمة المالية العالمية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، على التوالي"، حتى أسواق السندات يجب أن تنحني لرغبات المصرفي المركزي الذي لديه تريليونات الدولارات.
الحمد لله على وجود مثل هذه القوى المالية العظيمة. هؤلاء المصرفيون المركزيون يزعمون بقوة أنهم منعوا عودة الكساد العظيم. لكن الأزمة انتهت ودراجي هو آخر شخص من تلك المجموعة الذي لا يزال باقيا في منصبه. الآن، في آخر عام من فترة رئاسته للبنك المركزي الأوروبي، أعلن الأسبوع الماضي أن التسهيل الكمي لمنطقة اليورو سينتهي هذا الشهر.
هل يستطيع مصرفيو البنوك المركزية الخروج الآن من دائرة الضوء والاحتفال بذكائهم وحسمهم وتواضعهم؟ يبدو أن ذلك لن يحدث. السياسيون يفسدون الأمر برغبتهم في النزاع.
الرئيس دونالد ترمب اتهم الاحتياطي الفيدرالي أخيرا بأنه "أصيب بالجنون"، "الدليل المزعوم لجنونه: رفع أسعار الفائدة خلال الطفرة". كان رجب طيب أردوغان في تركيا يصغط على بنكه المركزي. وعندما استقال أورجيت باتيل، محافظ بنك الاحتياطي الهندي، بشكل مفاجئ الأسبوع الماضي، بعد أسابيع من الضغوط السياسية، لم يصدق أحد ادعاءه أن استقالته كانت "لأسباب شخصية".
في المملكة المتحدة، مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا، عرّض نفسه للنقد من رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، ومن مؤيد "خروج بريطانيا"، جيكوب ريس موج. يدعي مصرفيو البنوك المركزية أنهم غير مهتمين بالسياسة، لكن السياسة هي المهتمة بهم.
لكي نفهم كيف وصلنا إلى الوضع الحالي، من الجدير أن نتذكر كيف أصبحت فكرة البنوك المركزية المستقلة التي كانت رائجة في عشرينيات القرن الماضي، الرأي السائد مرة أخرى في التسعينيات.
كان الهدف بسيطا: الصدقية. دائما ما يشعر السياسيون بالإغراء لتخفيض أسعار الفائدة للحفاظ على اقتصاد مزدهر، ومعدل بطالة منخفض، وناخبين سعداء. يمكن أن يحقق ذلك فوائد قصيرة الأجل، لكنه يقوّض صحة الاقتصاد ويجلب التضخم. حتى إن وعود أي سياسي ذي مبادئ بالحد من التضخم لن تصدق؛ ستطالب أسواق السندات بعلاوة تضخم، والنقابات بزيادات كبيرة في الأجور.
في بعض الأحيان يستطيع تكنوقراطي قاسي القلب أن يحقق نتائج أفضل للجميع. في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي أثبت بول فولكر رئيس الاحتياطي الفيدرالي، أن مصرفيا قويا بشكل كاف في البنك المركزي يمكن أن يسحق التضخم. أضفت نيوزيلندا الطابع الرسمي على هذا الترتيب بعد بضعة أعوام، من خلال منح بنك الاحتياطي النيوزيلندي هدفا صريحا للتضخم، مهما كانت العواقب.
تم تحقيق ذلك الهدف. "التضخم سيهزم" تبدو جزئيا وكأنها فكرة تحقق ذاتها بذاتها، لذلك الصدقية تصبح حجة قوية لمصلحة استقلال البنك المركزي.
مع ذلك، واجه مصرفيو البنوك المركزية تغييرا بطيئا وخطيرا في المهمة خلال العقد الماضي. بول تكر، نائب سابق لمحافظ بنك إنجلترا ومؤلف كتاب "السلطة غير المنتخبة" Unelected Power، يشير إلى أننا نسلمهم كثيرا من السلطة بشكل متزايد. كانت هناك أسباب لهذا. تعمل البنوك المركزية من خلال النظام المصرفي ولديها القدرة على توفير أموال جديدة بلا حدود. بدلا من مراقبة أزمة عام 2008 من الهامش، تحمست وشاركت في كل جزء تقريبا من أسواق السندات والقروض. لكن هذه الجهود – ابتداء من شراء السندات وصولا إلى تنظيم توافر القروض العقارية – خلفت فائزين وخاسرين. هذا هو المجال الطبيعي للسياسة.
ولهذا لدينا ثلاثة خيارات. الوضع الراهن هو ترك الحرية للمسؤولين غير المنتخبين الأقوياء للتصرف بحرية في هامش اختياري واسع، وفي الوقت نفسه يكونون أكباش فداء للسياسيين الذين ليس لديهم شيء آخر يقدمونه. هذا لن ينجح.
أو بإمكاننا مضاعفة الاستقلال الذاتي. البنوك المركزية فعلت كثيرا من الأمور الصحيحة أثناء الأزمة، وبالنظر إلى الوضع المزري للسياسيين في الوقت الحالي، فإن التكنوقراطية لديها جاذبية معينة. إذا عينت المملكة المتحدة كارني في منصب الدكتاتور السامي مدى الحياة واشترت له زيا جميلا، بالتأكيد لن يكون بمقدوره إدارة البلاد بشكل أسوأ من السياسيين المنتخبين الذين يحاولون حاليا تحقيق "إرادة الشعب".
لكن صحة ديمقراطيتنا على المدى الطويل تتطلب من السياسيين لدينا البدء في تحمل المسؤولية مرة أخرى. استفتاء "خروج بريطانيا" أثبت أن تسليم سلطة صناعة السياسة المباشرة لنا نحن الناخبين تصرف غير حكيم ـ نحن نفتقر إلى الوقت والخبرة والاهتمام. وفي الوقت نفسه من غير الديمقراطي وضع أدوات السلطة على بعد خطوتين أو ثلاث خطوات من الشعب.
لا يوجد حل سهل أو كامل، لكن تكر محق في المطالبة بالعودة إلى تحديد مهمات واضحة للوكالات المستقلة، يضعها ويراقبها سياسيون منتخبون. يهدف هذا جزئيا إلى إبقاء التكنوقراطيين تحت السيطرة، لكنه يهدف أيضا إلى إجبار السياسيين على التحرك.
إذا كنا متأكدين من أن المسؤولية يجب أن تقع على عاتق المسؤولين المنتخبين، فعندها قد نبدأ بتقييم الخبرة من أجل الخبرة مرة أخرى. نحن في الغالب نثق بالتكنوقراطيين وحدهم للتعامل مع التفاصيل الفنية، إذا وجدنا أن السياسيين يتعاملون مع السياسة. لا يمكننا إعطاء الأشخاص غير المنتخبين حرية اختيار غير محدودة. لكن بالقدر نفسه من الأهمية، لا يمكننا التسامح مع سياسيينا الذين يتصرفون مثل الأطفال ويأملون أن البالغين سينظفون الفوضى التي تركوها خلفهم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES