مكاتب المحاماة .. زيادة كبيرة في جرائم الشركات بعد 2008

 مكاتب المحاماة .. زيادة كبيرة في جرائم الشركات بعد 2008

عندما تأهلت إيلي براودلوك محامية في عام 2008، كانت الأزمة المالية في أوجها، وكون الشخص محاميا مختصا بجرائم الشركات "لم يكن رائعا".
تغير الزمن. "ساخنة للغاية"، وصناعة مزدهرة و"العام الأكثر ازدحاما ونشاطا منذ وقت طويل جدا" كلها عبارات يستخدمها المحامون المختصون في هذا المجال لوصف الطلب على خدماتهم.
تقول براودلوك، التي تعمل الآن لدى "لينكليترز"، إحدى أكبر الشركات القانونية في لندن "الطلب على الخبرة في التصدي إلى جرائم الشركات والتحقيقات زاد أضعافا مضاعفة على مدى العقد الماضي".
جانب من هذا التغيير حدث بعد أن بدأت شركات قانونية في تلمس الحاجة المتزايدة لوجود مختصين في جرائم الأعمال. السنوات التي أعقبت الأزمة اتسمت بإجراء تحقيقات وملاحقات قضائية لشركات وأفراد بسبب مجموعة من الأنشطة غير القانونية - بدءا من التلاعب بأسعار الفائدة الرئيسية، مثل ليبور ويوريبور، إلى التداول استنادا إلى معلومات سرية، وتقديم رشا لمسؤولين أجانب من أجل تأمين الأعمال، أو غسل الأموال نيابة عن منظمات إجرامية.
في المملكة المتحدة، تسبب ظهور قانون الرشا في عام 2011، والتدخل الأكثر قوة من قبل المنظمين، مثل مكتب الاحتيال الخطير وسلطة الإجراء المالي، وإدخال اتفاقيات الادعاء المؤجل "من الناحية العملية، هي صفقة تقبل بها الشركات دون الاعتراف المباشر بالذنب" في جعل جرائم الياقات البيضاء تحتل مرتبة أعلى في جدول الأعمال، في الوقت الذي جعلتها فيه تشريعات مماثلة في أوروبا مصدر قلق دولي - ما تسميه براودلوك "عولمة إنفاذ جرائم ذوي الياقات البيضاء". ولم تعد وزارة العدل الأمريكية هي جهة التحقيق الوحيدة التي تتمتع بقوة الإنفاذ.
لكن المحامين العاملين في جرائم ذوي الياقات البيضاء استفادوا أيضا من McMafia zeitgeist - برنامج تلفزيوني يعرض على قناة "بي بي سي" ويسلط الضوء على الوعي العام والاهتمام بقضايا تتعلق "بالأموال المشبوهة" وجشع الشركات.
نتيجة لذلك، عملت الشركات القانونية على تعزيز فرق جرائم الشركات أو إنشائها من الصفر، وهي عملية تسارعت بشكل حاد على مدى الأشهر القليلة الماضية مع موجة توظيف شاعت في القطاع.
الشركات القانونية الأمريكية هي مقصد شائع بالنسبة إلى كثير من المختصين في جرائم ذوي الياقات البيضاء. وهذا دلالة على الرواتب الأعلى المعروضة، لكنه أيضا دلالة على المكانة البارزة واليد الطولى لوزارة العدل الأمريكية في التحقيقات والملاحقات القضائية العالمية الخاصة بمخالفات الشركات - وبالتالي بعض من أكثر القضايا صعوبة وأكثرها إثارة.
كيث كراكاور، رئيس مجموعة الإنفاذ الحكومي الأوروبي وجرائم ذوي الياقات البيضاء في الشركة الأمريكية "سكادين أربس"، ساعد على التفاوض حول ثلاث تسويات تم وضع الصيغة النهائية لها هذا العام بين المصرف الفرنسي "سوسييتيه جنرال" ومجموعة من المنظمين وأعضاء النيابة العامة، ما أسفر عن إيقاع غرامات زادت على 2.7 مليار دولار، وهي اتفاقيات احتاج التوصل إليها، مثل كثير من تحقيقات الشركات، إلى سنوات.
يقول كراكاور الذي انتقل من نيويورك إلى لندن عام 2016، "جزء كبير من الأعمال التي أتولاها عابرة للحدود، وغالبا ما تتضمن سلطات وهيئات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأنحاء في أوروبا وبقية دول العالم. فأنت تتعامل مع جميع أنواع الشخصيات والناس من خلفيات ثقافية وقانونية مختلفة، اعتمادا على القطاع وعلى البلد. ربما تكون الحقائق قد حصلت في كل الأنحاء، لكن لكل بلد معاييره ومنظوره القانوني الخاص به".
مثل كثير من محامي الدفاع في جرائم ذوي الياقات البيضاء في الولايات المتحدة، قضى كراكاور وقته في العمل في مجال الادعاء العام. بعد العمل في مجال الأعمال الكتابية لدى قاض في إحدى محاكم الاستئناف التابعة للدائرة الاتحادية في الولايات المتحدة، انضم إلى شركة ويليامز آند كونولي، إحدى كبرى الشركات في واشنطن.
أعقب ذلك فترة من العمل مدع عام مساعد في المنطقة الشرقية من نيويورك - لملاحقة جرائم ذوي الياقات البيضاء بدلا من الدفاع عنهم - قبل العودة إلى ممارسة العمل في القطاع الخاص عام 1994 مع "سكادين".
بالمثل، كان آرون لويس، الشريك في شركة كوفينجتون آند بيرلينج في مقرها في لوس أنجلوس، قد عمل مدعيا عاما مساعدا وقضى عامين مستشارا لإيريك هولدر، وزير العدل في عهد الرئيس السابق باراك أوباما (الآن شريك في "كوفنجتون").
من الواضح أن هاتين الوظيفتين تتطلبان تغييرا في طريقة التفكير، لكن وفقا للويس، هذا التغيير ليس ملحوظا كما يمكن أن يتصور المرء. "عندما تركت العمل لدى الحكومة، تساءلت عما إذا كان الوقت الذي قضيته وأنا مدع عام سيجعل من الصعب علي العمل محامي دفاع. توصلت إلى أن العكس هو الصحيح".
وتابع "كما كان يقول غالبا أحد الأشخاص الذين أشرفوا على تعليمي، عملي هو السعي إلى تحقيق العدالة وليس الفوز بقضايا، أو توجيه اتهامات في عدد معين من تلك القضايا". يجب على كلا الطرفين التحقيق في الوقائع وإعداد الأدلة، لكن محامي الدفاع يهدفون إلى تزويد المحققين "بالسياق والوضوح الذي ربما يسهم في تفسير السبب في أن سلوك موكلي هو قانوني في الواقع".
تاريخيا، كان هذا الانقسام بين دور الادعاء العام ودور الدفاع واضحا بشكل كبير في بريطانيا، لكن ذلك آخذ في التغير الآن. السير ديفيد جرين، الذي شغل منصب مدير مكتب مكافحة الفساد حتى نيسان (أبريل) الماضي، يعمل الآن مستشارا في شركة سلوتر آند ماي في الحي المالي في لندن، وقد وصف الفترة التي قضاها في الوكالة بأنها "إضافة مفيدة للغاية" للسيرة الذاتية الخاصة بأي محام طموح.
لكن قضاء فترة عمل في الحكومة ليس ضروريا أبدا. جوديث سيدون، متدربة في شركة متوسطة الحجم في المملكة المتحدة، كانت مهتمة بحقوق الإنسان وقانون التمييز العنصري عندما شاءت الصدفة أن تبدأ العمل في مجال الدفاع في القضايا الجنائية: كان شريك لها يتعامل مع قضية تحايل كبيرة قد أصيب بانزلاق غضرفي في عموده الفقري وطلب منها إكمال المهمة.
اشتمل العمل الأولي على تمثيل عدد من أعضاء "الفريق الطائر" - القسم المسؤول عن السرقات في شرطة العاصمة - في تهم فساد. "دخلتُ غرفة مليئة بمحققين ومخبرين أقوياء البنية، جميعهم من الرجال، وجميعهم تم إيقافهم عن العمل، وكان يمكنني أن أقرأ في وجوههم: يا للهول، ستدافع عنا فتاة".
ومن ثم انتقلت سيدون إلى "كليفورد تشانس"، لتمثل منظمات كبيرة تواجه تحقيقات وملاحقات قضائية، قبل الانضمام إلى مكاتب لندن الخاصة بشركة روبس آند جراي الأمريكية - التي تقول إنه يدل على الطريقة التي تعترف من خلالها الآن كبرى الشركات بحاجة عملائها إلى خدماتها تماما كحاجتها إلى الخدمات التي يقدمها المحامي التجاري.
بالنسبة إلى السمات الأخرى اللازمة لتحقيق النجاح في مجال الأعمال، يقول محامو الدفاع "إن التعاطف مع الموكل أمر بالغ الأهمية". بحسب براودلوك، من "لينكليترز"، غالبا ما يواجه العملاء عمليات لم يفكروا فيها قط من قبل "ويواجهون عواقب مدمرة محتملة".
سيدون تتفق مع هذا الرأي. "الأمر يعتمد بالتأكيد إلى حد كبير على أن تكون لديك علاقة ثقة بشخص يشعر أنك تستمع إليه. لقد رأيتُ محامين لا يستمعون بشكل سليم لما يقوله لهم موكلوهم، الأمر الذي يؤدي إلى علاقات فظيعة وغالبا نتائج رديئة".
في الوقت نفسه، يتبين من حجم العمل عدم وجود ما يدل على تراجعه. هناك قضايا من فضيحة غسل الأموال تشمل 200 مليار يورو في "دانسكه بانك"، أو المطالبات بتفسير مصدر الثروة الصادرة عن وكالة الجريمة الوطنية في بريطانيا، الموجهة إلى زوجة مصرفي أذربيجاني أنفقت مبالغ ضخمة من المال.
على حد تعبير براودلوك "الطلب على الخبرة في جرائم الأعمال لا يرجح له أن يتراجع خلال فترة قريبة".

الأكثر قراءة