لرفع مستوى التدقيق لا بد من تغيير معايير المحاسبة

لرفع مستوى التدقيق لا بد من تغيير معايير المحاسبة

بهدف رفع معايير التدقيق، أطلقت الحكومة البريطانية تحقيقين بدلا من واحد. كلفت محققي سلطة المنافسة والأسواق إثبات ما إذا كان التدقيق "تنافسيا ومتينا بما فيه الكفاية" للحفاظ على معايير عالية. هذا جاء على رأس مراجعة طُلبت بالفعل من جون كينجمان، وهو موظف كبير سابق في وزارة الخزانة، حول فعالية الجهاز التنظيمي المختص بالتدقيق، وهو مجلس الإبلاغ المالي.
لا يوجد نقص في المواد التي تستطيع التحقيقات المذكورة التنقيب فيها. الآونة الأخيرة شهدت فضيحة شركات أخرى أثارت تساؤلات حول موثوقية البيانات المالية المدققة. يوم الإثنين كان لدى "باتيسيري فاليري"، سلسلة متاجر الكيك سريعة النمو المدرجة في البورصة، سيولة صافية تبلغ 29 مليون جنيه في البنك، ورسملة سوقية 450 مليون جنيه، ورئيس مجلس إدارة تنفيذي، لوك جونسون، كان من بين أشهر أصحاب المشاريع في البلاد.
لكن بحلول يوم الجمعة، كانت قد تقلصت بشكل عجيب بعد الكشف عن مخالفات محاسبية من المحتمل أن تكون قد أثرت على البيانات المالية السابقة. كومة النقود في الشركة تحولت بسرعة إلى ديون حجمها عشرة ملايين جنيه، وأجبرت على التحرك بعجلة لكي تجمع 26 مليون جنيه على شكل سندات وأسهم، جزء كبير منها من جونسون، ببساطة لمتابعة التداول بوصفها منشأة على قيد الحياة.
جانب كبير من التركيز في تحقيقات الحكومة يدور حول أعمال سوق التدقيق وما إذا كانت تسهم في المحاسبة النشطة. هل الأمل في الفوز بعقود مربحة لا تتعلق بالتدقيق (مثل الاستشارات) يجعل المدققين يغمضون عيونهم عن مواطن القذارة؟ هل الشركات الأربع الكبيرة قريبة فوق الحد من الجهاز التنظيمي؟ وهل هناك أية طريقة حتى يتمكن هذا العدد القليل للغاية منها من كبح التنظيم عندما تُخطئ؟
هذه في الواقع أسئلة جيدة. لكن أية مراجعة فاحصة ليس من شأنها أن تتوقف عند هذا الحد. فهي ستنظر أيضا في معايير المحاسبة والممارسات التي يطبقها المدققون. لأنه إذا كانت هذه غير كافية، فإن أي حجم من تغيير السوق لن يؤدي إلى تصحيح الأمور.
هناك كثير من الأدلة على أن قواعد المحاسبة هي في الواقع جزء من المشكلة. لنأخذ انهيار شركة كاريليون في كانون الثاني (يناير)، الذي جاء بعد أن قامت هذه المجموعة البريطانية المختصة بتوكيل عقود خارجية بإعادة صياغة العقود التي كانت قد ضخمت سابقا أرباحا غير متحققة. لا شك أن استعراض النتائج امتثل للقواعد المعقدة القائمة على تعبئة المربعات فيما يتعلق بالاعتراف بهذه "الفوائض". لكن هذا كان كلاما فارغا أدى في نهاية المطاف إلى القضاء على أرباح الأعوام الستة السابقة التي تحمل توزيعات أرباح الأسهم (والعلاوات)، فضلا عن انهيار الشركة.
هذا ليس المثال الوحيد حيث يتم الاعتراف بأرباح مشكوك فيها. لا مجال أمامك سوى الشعور بالذهول بشأن الطريقة التي تستطيع بها المصارف تضخيم تقديرات تقريبية للدخل المستقبلي على بطاقات الائتمان ذات الفائدة الصفرية (وهو الدخل الذي يتحقق افتراضا عندما يخرج الزبون من فترة أسعار الفائدة المغرية إلى أسعار فائدة أعلى بكثير، تصل أحيانا إلى 21 في المائة)، ثم ترحيلها إلى مرحلة لاحقة كما لو كانت حقيقة.
بالطبع، دائما ما كانت الحسابات تشتمل على تقديرات لما يمكن أن يحدث في المستقبل. مثال على ذلك المخصصات التي تضعها الشركات ضد الخسائر المتوقعة. لكن تقليديا لم تكن هناك حاجة لهذه إلا عندما تكون القيم في حالة انخفاض. لم يكن بمقدور المديرين – مثل الآن – أخذ المكاسب والأرباح غير المتحققة وتقديمها باعتبارها حقيقة.
في لب المشكلة يكمن توتر حول الغرض من الحسابات. تم تصميم الحسابات في الأصل لمنح المالكين الخارجيين المعلومات التي تعينهم على مساءلة المديرين، وكانت تُدقَّق لتقديم تأكيدات رسمية بأن رأس المال لم يتعرض للإساءة من قِبل المديرين المحتالين، أو المتفائلين فوق الحد.
ولأن الأرقام لم تكن دقيقة، باعتبارها تستند بشكل عام على أرقام تاريخية يمكن التحقق منها، عرف المدققون أن عليهم استخدام الحكم وسلامة الرأي لضمان أنه لا توجد مبالغة في الأرقام. كنظام، هذا لم يكن مضمونا بالكامل. لكنه على الأقل اعترف بحدوده وأنه عرضة للخطأ.
لنقارن ذلك مع ما تطور خلال العقود الثلاثة الماضية. عمل واضعو المعايير بشكل مستمر على إزالة قابلية التحقق والحصافة سعيا وراء فكرة أن الحسابات يمكن بطريقة ما أن تمنح المستثمرين صورة دقيقة عن قيمة الشركة استنادا إلى القيم العادلة الحالية. هذا ليس مجرد المعادل الشعري لمراجعة الحسابات الذي نجده في قصيدة "صيد السنارك" (السنارك حيوان وهمي يؤدي إلى اختفاء الشخص الذي يحاول أن يصطاده، من تأليف لويس كارول) بل هو إعاقة نشطة للتدقيق.
الفكرة الخيالية بأن أرقام المحاسبة يمكن أن تكون "ذات علاقة بالقيمة" تعطي طمأنة كاذبة للمستخدمين. فهي تؤدي إلى قواعد تعبئة المربعات التي يتم تطبيقها بشكل آلي من قِبل مدققين لا يريدون الدخول في عمليات تقاضٍ. بعضها ببساطة غريب، مثل القاعدة الدائرية التي تقول إن انخفاض أسعار الأسهم في الشركة يؤدي إلى انخفاض جدارتها الائتمانية. يتم التعامل مع التراجع في قيمة سنداتها المتداولة باعتباره مكسبا محاسبيا.
لكن المشكلة الأكبر هي أن من السهل التلاعب بهذه القواعد من قبل المديرين الذين يسعون بقوة وراء المكافآت. الأسوأ من ذلك أن المدققين ليس لديهم دفاع حين يصر المديرون على المعالجة النشطة للحسابات، مهما كانت النتيجة جنونية أو تفتقر إلى الحصافة.
تراجعت قيمة التدقيق جزئيا لأن المعايير تساعد على إغماض عيون المدققين الباحثة عن الحقيقة.
التجديد سيأتي فقط عندما يتم تغيير تلك المعايير نفسها.

الأكثر قراءة