عبء معالجة تغير المناخ يجب تقاسمه

عبء معالجة 
تغير المناخ 
يجب تقاسمه

يتطلب الأمر أن تكون مؤمنا بنظرية المؤامرة كي تتخيل أن مؤيدي أعمال الشغب في أوساط حركة "السترات الصفراء" في باريس يتعاونون مع الحكومة البولندية، التي تستضيف قمة تغير المناخ هذا الأسبوع. لكن سيكون من المنطقي تماما إنْ كانوا كذلك.
الحواجز في الشانزليزيه وموقع المؤتمر المعروف رسميا باسم COP24 تمثل جانب الصدع السياسي نفسه في معالجة قضية تغير المناخ العالمي التي تجاهلناها لفترة طويلة جدا.
من الضروري تغيير بنية الطاقة في العالم بشكل جذري. لكن كثيرا من عبء التعديل من المقرر أن يؤثر في مستويات المعيشة لأولئك الذين هم أسوأ حالا.
تظهر حركة "السترات الصفراء" هذا الأمر على المستوى الوطني: نشأ غضبهم بسبب ارتفاع الضرائب على الوقود التي يصعب تحملها في المناطق الريفية المهملة الأكثر عرضة لارتفاع تكلفة القيادة، التي توجد فيها بدائل أقل مما في المدن الغنية. بولندا تظهر الصعوبة نفسها لكن على مستوى دولي. تميل البلدان والمناطق الفقيرة إلى استخدام مزيد من الكربون لكل دولار من القيمة الاقتصادية التي تصنعها.
لا تزال بولندا أحد أفقر البلدان الأوروبية، على الرغم من نموها المذهل. كما أنها أحد أكثر البلدان اعتمادا على الفحم من أجل الطاقة التي تحتاج إليها. ويشعر عمال المناجم في البلد بالقلق بشأن وظائفهم، ما يوجد عائقا أمام جهود الاتحاد الأوروبي للتعجيل بعملية تحول الطاقة.
المجموعتان - إحداهما فئة اجتماعية اقتصادية، والأخرى حكومة وطنية - تقاومان وتمقتان أن تكونا مطالبتين بتحمل تكلفة تعديل من شأنه أن يفيد، إلى حد كبير، آخرين أفضل حالا منهما.
لديهما شيء آخر مشترك. تتلاقى كلتا المجموعتين مع رد الفعل الشعبوي الأوسع ضد النظام الليبرالي. برزت حركة "السترات الصفراء" من المناطق التي من المرجح أنها تدعم الجماعات السياسية ذات الآراء المتطرفة في فرنسا ضد إيمانويل ماكرون، الرئيس الوسطي. ويبدي بعضهم مواقف معادية للديمقراطية ومثيرة للقلق.
حاولت بولندا، في ظل حزب العدالة والقانون، إلغاء القيم الليبرالية، بدءا من استقلال القضاء والصحافة إلى تشريع الإجهاض. وهي في هذه العملية تتحدى اليد الطولى للقانون الدولي.
هل من قبيل المصادفة أن أولئك الغاضبون من التغييرات التي لا يمكن تجنبها لاحتواء خطر انبعاثات الكربون - وقود أحفوري أكثر تكلفة، والتخلص التدريجي من الفحم - غالبا ما ينحازون إلى القوى التي تتحدى النظام الليبرالي؟ لا أعتقد ذلك.
إذا لم يتم استيفاء المطالب المعقولة تماما "للانتقال العادل"، فقد يكون لدى المرء أسباب تجعله يشك في أن يكون نظام اتخاذ القرار متحيزا. الأسباب أقوى بالنسبة إلى أولئك - مثل مجتمعات "السترات الصفراء" - الذين كانوا في الطرف الأكثر تعقيدا للتغيرات الاقتصادية الأخرى.
سوء إدارة تراجع النشاط الصناعي أدى إلى تقويض أساليب الحياة بأكملها في عدد من البلدان الغربية – مثلما فعل، في الواقع، تراجع التعدين. الآن التغييرات المطلوبة للتصدي لتغير المناخ تهدد بأن تفعل الشيء نفسه مرة أخرى في المجتمعات نفسها، مع تلبية اهتمامات الطبقات الوسطى الحضارية. علاوة على ذلك، إذا تم تبرير التقاسم غير العادل للأعباء بما يقول العلم حول ما يجب أن نفعله، فمن الصعب مقاومة إغراء أن تقول للعلم أن يذهب إلى حيث يشاء.
هذه هي الطريقة التي يكون فيها تضارب المصالح في مسألة تغير المناخ - وهو ما يمثل في الحقيقة تحديا مشتركا للإنسانية - منحازا ومعزِزا لحرب ثقافية أعمق تفصل النخب الحضرية الوسطية عن الشعوبيين المنتقدين للنظام.
في الوقت الذي تحدثنا فيه طويلا عن مشكلة الراكب "المجّاني" في السياسة البيئية، فوتنا العقبة الأكبر التي يمكن أن يواجهها الاستقطاب السياسي في عصر الشعبوية. قد يكون تغير المناخ تهديدا حضاريا يحدث مرة واحدة في الألفية - لكن الاقتصاد السياسي المتعلق بالتصدي له يعتبر مشكلة كبيرة.
هناك حلول. الحل الأكثر تبشيرا بالنجاح هو نهج "رسوم وأرباح" الكربون الذي دعا إليه جيمس هانسن عالم المناخ. هذا من شأنه أن يفرض مسؤولية على الوقود الأحفوري ويعيد توزيع العائدات بمتوسط نصيب الفرد لكل المقيمين في البلاد.
سيؤدي ذلك إلى إنتاج تدفق نقدي مباشر ومستمر إلى الجميع. أي شخص يستخدم أقل ﻣﻦ متوسط الكميات ﻣﻦ اﻟكربون سيحصل على مدفوعات أكثر مما يفقده في الأسعار المرتفعة.
هذا يحمي الفئات الأكثر ضعفا في حين يكافئ أي شخص يحد من كثافة الكربون. والأهم من ذلك، أنه يمنح المجتمعات المتعثرة الوسائل الكافية للاستجابة لتلك الحوافز بمرور الوقت بطرق تناسبها. كما أنه يوجِد، بصورة مفاجأة، فئة مؤيدة للبيئة من نصف السكان الذين يستفيدون من الضرائب البيئية المرتفعة.
تمكن إدارة المبدأ نفسه بين الدول، إعادة عوائد برامج تداول الانبعاثات إلى البلدان على أساس نصيب الفرد على قدم المساواة. على كلا المستويين، تمكن إمالة المبلغ لمصلحة أولئك الذين لديهم اعتماد عال على الكربون تاريخيا لإدراك التعديل الأكبر المطلوب منهم. وقد اعترف اتفاق تغير المناخ لعام 2015 في باريس بشكل غامض بمثل هذا المبدأ في تمويل المناخ الذي تعهدت الدول الغنية بتوفيره للدول الفقيرة.
برنامج هانسن يضع العواقب التوزيعية في قلب السياسات البيئية وصنع السياسات، وبالتالي المسألة الصعبة المتمثلة في احترام الأشخاص الذين يتعرضون بالفعل للضغوط ومطالبتهم بطريقة ما بالتخلي عن أسلوب حياتهم. أي اقتراح بديل يجب أن يفعل الشيء نفسه. سلامة الكوكب تعتمد على ذلك.

الأكثر قراءة