FINANCIAL TIMES

اشتداد حملة التسخين لخلافة المرأة الحديدية في ألمانيا

اشتداد حملة التسخين لخلافة المرأة الحديدية في ألمانيا

اشتداد حملة التسخين لخلافة المرأة الحديدية في ألمانيا

اشتداد حملة التسخين لخلافة المرأة الحديدية في ألمانيا

في قاعة في بلدة هاله شرقي ألمانيا، يُقدم ثلاثة سياسيين برامجهم أمام حشد مكون من 800 من أعضاء الحزب الديموقراطي المسيحي.
المرشح الأول، أم لثلاثة أبناء، وهي دقيقة الحجم ترتدي نظارات كبيرة، والثاني رجل يبلغ من العمر 38 عاماً، والثالث محام مليونير.
كان الشعار الكبير: مرحباً بكم في المعركة على روح حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي.
يقول المحامي، فريدريك ميرتز: "كل من يأتي إلى هذه البلاد يجب أن يلتزم بثقافتنا الغربية المسيحية. لدينا قيم، وهي قيم صحيحة"، ما أثار تصفيقا عاصفا من الجمهور.
هاله هي المحطة الرابعة في جولة تشمل ثماني مدن من قِبل المرشحين الثلاثة لخلافة أنجيلا ميركل كزعيم لحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي، الحزب الذي حكم ألمانيا لمدة 49 عاماً من الأعوام الـ 69 الماضية.
مثل كثير من أعضاء حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي، يقول يينس جروجر، من بلدة فيتين القريبة، إنه متردد بين ميرتز وأنجريت كرامب-كارينباور، المعروفة في ألمانيا باسم أيه كيه كيه AKK، التي تتصدر أحدث استطلاعات الرأي.
يقول إن ميرتز "لديه أفضل صفات القيادة، لكن أنجريت تتمتع بشعبية أكبر لدى عامة الناس، وهذا ما يهم في نهاية المطاف". الحملات الانتخابية العامة الثماني، التي ستجري آخرها في برلين يوم الجمعة المقبل، تمثل ممارسة غير مسبوقة في الديموقراطية لحزب عادةً ما يختار زعماءه خلف أبواب مغلقة. اضطر المنظمون عدة مرات إلى الانتقال إلى أماكن تجمُّع أكبر للتعامل مع الطلب المتزايد على التذاكر.
يقول تينو سورجه، عضو البرلمان من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي عن مدينة ماجدبورج، بالقرب من هاله: "لسنا معتادين وجود مجموعة واسعة من المرشحين لزعيم الحزب. الاهتمام من الأعضاء على الحدث ضخم للغاية".
هذا ليس مفاجئاً: ما هو على المحك هو الاتجاه المستقبلي لواحد من أكثر الأحزاب السياسية نجاحاً في أوروبا.
الخيار الذي يواجه المندوبين البالغ عددهم 1001 الذين سيجتمعون في هامبورج في السابع من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، لانتخاب خليفة ميركل هو هذا: هل ينبغي أن يواصل حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي مسارها المعتدل والمتوسط، الذي يجذب أوسع طيف ممكن من الناخبين، حتى الذين قد يصوتون في العادة إلى حزب الخضر أو الحزب الديموقراطي الاجتماعي من يسار الوسط؟ أم هل ينبغي أن يقوم بانفصال حاسم عن حقبة ميركل وإعادة تشكيل نفسه كحزب محافظ قوي؟
قد تكون لخيار المندوبين تبعات هائلة على سياسات كل من ألمانيا وأوروبا. أياً كان الفائز فإنه سيكون المرشح المفضل ليحل محل ميركل كمستشار، وبالتالي سيُصبح أقوى زعيم في الاتحاد الأوروبي.
اعتماداً على نتيجة الانتخابات، هذا قد يحدث عاجلاً وليس آجلاً: قليلون يتوقعون أن تبقى ميركل مستشارة حتى نهاية فترة ولايتها الرابعة عام 2021، إذا تم اختيار ميرتز زعيما لحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي التالي، بالنظر إلى الكراهية المشتركة بين الاثنين.
هذا يعني إجراء انتخابات مبكرة وائتلاف حكومي جديد، ربما مع حزب الخضر.
يقول أندريا روميلي، أستاذ الاتصالات في السياسة في كلية هيرتي للحوكمة في برلين: "ستحدد هامبورج المسار المستقبلي، ليس لحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي فحسب، بل أيضاً للنظام السياسي الألماني بالكامل".
أعلنت ميركل قرارها بالتنحي عن منصبها زعيمة للحزب في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بعد يوم من الانتخابات في ولاية هيس الغربية، التي شهدت تراجع حصة حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي بنحو 11 نقطة مئوية.
ميرتز، وكرامب-كارينباور ويينس سبان، وهو شاب محافظ لطالما كان يعارض سياسات الهجرة التي تتبعها ميركل، ويشغل حالياً منصب وزير الصحة، أعلنوا على الفور قرارهم بالترشح.

ميرتز.. عودة الحصان الأسود
منذ البداية، كانت جميع الأنظار على ميرتز، وهو رجل يتمتع بمكانة أسطورية على يمين حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي. وكان في وقت من الأوقات نجماً صاعداً في الحزب، لكن ميركل أخرجته كزعيم للمعارضة عام 2002 وبعد سبعة أعوام استقال من البرلمان الألماني، لمتابعة حياة مهنية في مجال الأعمال.
ميرتز، الذي يرأس شركة بلاك روك في ألمانيا وعضو في مجالس إدارة عدة شركات، يصوّر نفسه على أنه مرشح التغيير والتجديد.
لقد بدا أيضاً أنه يعود إلى حقبة ما قبل ميركل عندما كان حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي أكثر تحفظاً، وخطوط الانقسام بين الأحزاب الرئيسة أكثر وضوحاً.
وقال في مؤتمر صحافي مليء بالمراسلين في الأسبوع الذي أعلن فيه ترشيحه، إن حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي في حاجة إلى "توضيح علامته المميزة"، وتقديم "هوية سياسية واضحة".
حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي شعر بإثارة شديدة. بالنسبة لكثيرين، ميرتز هو الشخص المتوقع أن يُحقق نجاحاً كبيراً للحزب، فهو خطيب مفوه، ومُصلح اقتصادي، ومدافع قوي عن القيم المحافظة التقليدية. بالنسبة لهؤلاء الأعضاء فهو "أفضل مستشار لم تحصل عليه ألمانيا". كريستوف بلوس كان واحداً من مجموعة من أعضاء البرلمان من حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي الشباب النشطاء الذي التقى ميرتز في وقت سابق من هذا الشهر. يقول: "انضم كثير من أبناء جيلي إلى حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي، بسبب أشخاص مثله. إن لديه كاريزما حقيقية".
في أول لقاءاته العلنية، وعد ميرتز باستعادة مكانة حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي كحزب للقانون والنظام والدولة القوية. عاد مراراً وتكراراً لقرار ميركل المصيري بإبقاء حدود ألمانيا مفتوحة خلال أزمة اللاجئين عام 2015، وإدخال أكثر من مليون مهاجر.
كان الناس، كما قال، قد بدأوا يشعرون أن الدولة "فقدت السيطرة": ولهذا السبب كان كثير منهم يصوّتون لحزب البديل لألمانيا، الحزب اليميني المتطرف المناهض للإسلام، والمُمثل الآن في جميع البرلمانات الإقليمية الـ16 في البلاد. وقال إن مهمته هي استمالتهم مرة أخرى إلى حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي.
أثناء الحملة الانتخابية في بلدة لوبيك الشمالية، وعد "بإعادة الحزب إلى 40 في المائة، في الاقتراع العام، وخفض نسبة حزب البديل لألمانيا إلى النصف".
لقد كان المحافظون متحمسين. تقول سيلفيا بانتيل، عضو البرلمان من حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي: "إنه مستقل ومنشق قليلاً. أنا مسرورة أيضاً أنه يقول بصوت عالٍ إن القيم التقليدية والهوية الوطنية مهمتان. إنها أشياء تم إهمالها فعلاً في الأعوام القليلة الماضية".
لقد كانت هناك أيضاً بعض الشكوك بشأن ترشيحه، ولا سيما بين المعتدلين والموالين لميركل. دانيال جونتر هو أحدهم؛ باعتباره رئيس الوزراء من حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي في منطقة شليزفيج هولشتاين الشمالية، هو شخص وسطي يعتقد أن الطريقة الوحيدة لكي يبقى حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي "حزب الشعب" - هي البقاء كركيزة في الوسطية السياسية، وتجنب الميل المفاجئ نحو اليمين أو اليسار.
ويضيف: "لا أعتقد أن من المفيد قول المرشحين إنهم يُريدون تأكيد "العلامة الأساسية المميزة" لحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي. أنت لا تصبح حزب الشعب من خلال تقليص نفسك إلى علامتك الأساسية المميزة، بل من خلال توسيعها وتنويعها بقدر الإمكان، بما يضمن الشمول".
مع رفضه إرث ميركل، فإن ميرتز هو على النقيض من ذلك. "بالنسبة لي، السؤال الكبير الذي لم تتم الإجابة عنه هو: إلى أي مدى سيكون اشتماليا كزعيم، وما إذا كان بمقدوره أن يُبقي على وحدة الحزب" على حد قول جونتر.
في الأيام الأخيرة، تكثفت شكوك المعتدلين بشأن ميرتز. أزعج هذا المحامي كثيرين في حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي هذا الشهر، عندما بدا وكأنه يُشكك في حق اللجوء الدستوري في ألمانيا.
سرعان ما استنكر المرشحان الآخران الفكرة: الحق في اللجوء كان مقدساً، من باب الاستجابة لما بعد الحرب لماضي ألمانيا النازي المروّع.
قالت صحيفة فرانكفورتر ألجيماينه تسايتونج المحافظة، إن ميرتز "جعل من نفسه أضحوكة" و"أظهر للحزب نقطة ضعفه" – بما يفسر غيابه الطويل عن السياسة، الأمر الذي جعله غير حساس لنقاط "الأخطاء" المحتملة الكامنة في طريقه.
الزلّات استمرت. لقد انتقد حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي لقبوله صعود حزب البديل لألمانيا المذهل بنوع من "عدم المبالاة". كرامب-كارينبار وصفت ذلك بأنه "صفعة في وجه أعضاء حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي" واتهمت منافسها "بالسذاجة".
ثم كانت هناك المقابلة المُحرِجة مع صحيفة بيلد تسايتونج الشعبية واسعة الانتشار، عندما رفض الاعتراف لأنه مليونير، وأصر على أنه "من الطبقة المتوسطة العليا" فحسب.
بالنظر إلى أنه يكسب 125 ألف يورو سنوياً من وظيفته في شركة بلاك روك، تسببت ملاحظته في كثير من المرح.
يقول أحد كبار أعضاء البرلمان من حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي: "كان لديه كثير من رأس المال السياسي في بداية الحملة، إلا أنه استهلكه كله بسبب هذه الأخطاء الفادحة".
تركيز ميرتز القوي على الهجرة واللجوء أثار نتائج عكسية أيضاً. قال عضو البرلمان: "كلما تحدث عن ذلك، يرتفع حزب البديل لألمانيا في استطلاعات الرأي. يتساءل كثير من الناس في الحزب عما إذا كان بإمكاننا الفوز على الإطلاق إذا واصلنا تكرار الحجج القديمة نفسها".

السيدة .. بعبع ميرتز
حتى الآن، كرامب-كارينبار هي المستفيدة الرئيسة من هفوات ميرتز. هذه المرأة البالغة من العمر 56 عاماً، التي خدمت كرئيسة وزراء ولاية سارلاند الغربية الصغيرة، كانت على عكس ميرتز تسعى إلى إنهاء النقاش حول أزمة اللاجئين، والتركيز على قضايا أخرى ذات أهمية أكبر للناخبين، مثل الإسكان والتعليم ومستقبل صناعة السيارات الألمانية.
كما حاولت أيضاً التأكيد على دورها كموحّد تستطيع الوصول إلى ما وراء الدوائر الانتخابية التقليدية لحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي – وهو اعتبار مهم في بلد يتم فيه الفوز بالانتخابات بشكل تقليدي في الوسط السياسي.
في حين أن ميرتز هو بطل الليبرالية الاقتصادية في حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي، إلا أنها ضمن جناحه "الاجتماعي" المؤيد للنقابات وذي الميول اليسارية. لقد كانت داعمة حاسمة للحد الأدنى الوطني للأجور، ومعدلات أعلى لضريبة الدخل، ونظام الحصص للنساء في مجالس الإدارة الألمانية، ووضع حد للطاقة النووية، قبل أن تُصبح مثل هذه الآراء سائدة في حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي.
في مقابلة أُجريت معها أخيراً مع فرانكفورتر ألجيماينه، قالت إن التعليم الاجتماعي المسيحي هو "جزء من حمضها النووي".
يقول الخبراء إنها الأكثر ترجيحاً من بين المتنافسين الثلاث للحفاظ على إرث ميركل. على أنها ليست نسخة عن ميركل. تقول كريستن دونز، كاتبة سيرة حياتها: "إنها مستعدة للقتال، وبشأن كثير من القضايا هي مستقطبة للغاية. يمكنك القول إنها نسخة ضئيلة فحسب، من ميركل". يُمكن رؤية هذا في نهجها إزاء قضية التكامل المضطربة. مثل ميرتز وسفان، تصر على أن يتعلم اللاجئون الذين تدفقوا إلى البلاد منذ عام 2015، اللغة الألمانية، وأن يعتمدوا القيم الألمانية.
في هاله، روت قصة مجموعة من المهاجرين المسلمين في مركز الاستقبال في سارلاند رفضت قبول الطعام من موظفة أنثى. أخبرتهم أن لديهم خيار أخذ الطعام أو الجوع. كما أخبرت جمهور هاله أن طالبي اللجوء الذين لجأوا إلى الجريمة، لا ينبغي ترحيلهم فحسب، بل "ألا يطأوا قط الأرض الأوروبية، مرة أخرى".
إنها عملية توازن حساسة، لكن تكتيك البقاء حازم في معسكر ميركل، في الوقت الذي تغتنم فيه كل فرصة للخروج من ظلها، يبدو أنه يمثل خياراً ناجحاً.
سيواجه المندوبون الذين سيجتمعون في هامبورج في السابع من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، خياراً بين الاستمرارية أو التغيير. من بينهم يوجد ليبراليون مؤيدون للأعمال، ومحافظون راسخون يشعرون بسعادة غامرة من احتمال فوز ميرتز بتاج ميركل.
يشتمل المندوبون أيضاً على مسؤولين منتخبين – رؤساء بلديات، ومستشاري بلدات وأعضاء برلمان من كل من البرلمانات الإقليمية والبرلمان الألماني، الذين لديهم مصلحة في الحفاظ على الوضع الراهن، وقد يميلون إلى كرامب-كارينبار.
يقول مايكل بروكر، مؤلف سيرة حديثة ليينس سفان، إن مثل هؤلاء الأشخاص لديهم هدف واحد هو ضمان بقائهم في المنصب. يقول: "سينتخبون رئيس الحزب الذي يستطيع تأمين الأغلبية التي يحتاجون إليها. ولا يهتمون برؤية فجر جديد وتمرد".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES