Author

البر والإثم

|

لعل من أبلغ ما قيل في الحكم على الأشياء قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للنواس بن سمعان - رضي الله عنه - عندما سأله عن البر والإثم؛ إذ قال النبي: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس". يؤكد هذا الحديث الشريف سلامة القلوب، وكون الإسلام يتماشى مع الفطرة السليمة.
يمكن القول إنه في الأساس مهما بدا المذنب سعيدا بما اقترف، فهو يشعر بالألم تجاه ضعفه عن مقاومة الإغراء الذي يصنعه الشيطان وتجميله الخطيئة حتى إن بدت في ظاهرها متعة، إلا أنها تحمل من الحسرة والأسى كثيرا. صحيح أن المرء يستمرئ الوقوع في ذنبه بعد سنوات بحكم التعود والتسويف ومحاولة التصالح مع الحال، لكن الخطيئة تظل مصدرا للأسى والحزن. يشهد بهذا كل ما نراه من الأمراض النفسية والبدنية المرتبطة بحال الألم حيال ذنب ما.
تبدأ الحال مع كراهية أن يرى الناس أحدنا، وهو يرتكب الخطيئة، وهذه حال لا أظنها تعني النفاق بقدر ما تعني رغبة أحدنا في أن يكون أكثر قدسية من واقعه، وأن هذه الحال في واقعها تنفر منها النفس البشرية بشكل متدرج، يكون صارخا في حال اقترب المرء من ربه، وعدم تعوده ارتكاب المعاصي، وتنقص مع الوقت والتجاوزات، لكنها لا تختفي بل تظل هاجسا وحقيقة تؤرق مرتكب الخطيئة وتقض مضجعه.
هذا الواقع الذي يدل عليه حديث آخر ينبهنا فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى نزاهة النفس البشرية، وحساسيتها التي ترتفع كلما كان الفرد في خلوة وهو ملخص في قوله: "استفت قلبك". حقيقة يجب أن يبنيها المرء على قدر العلم الشرعي الذي يحمله، وارتباط كل شيء بالقناعة بأن ما يطمئن إليه القلب - في حال البحث عن الحقيقة - هو في الغالب ما يصح. فإن حصل المرء على ما يبرر سلوكا سيئا أو عملا لا يرضي الله من أقوال الناس، سواء بعلم أو غير علم، فالقلب - عادة - يطمئن للبر ويأنف الإثم. وهذا كله يدل على أن القلب السليم سيبحث دوما عن الحقيقة، وسيبعد صاحبه عن مواطن الخطر والإثم الذي يبعده عن رضا ربه.

إنشرها