تنازلات ماي لبروكسل تأتي بتكلفة عالية

تنازلات ماي لبروكسل تأتي بتكلفة عالية

النص مرحلي والمعركة السياسية بدأت للتو. لكن مسودة اتفاقية "خروج بريطانيا" تشكّلت ويُمكن أن توجّه المملكة المتحدة في طريق الخروج من الاتحاد الأوروبي وتشكل العلاقات لأعوام مقبلة.
جاء هذا التقدم الفني بعد أسابيع من المفاوضات "المرهقة"، على حد تعبير أحد المشاركين، كان الجانبان يعتركان خلالها لصياغة وثيقة من شأنها أن تلقى القبول لدى برلمان بريطاني مضطرب وعواصم أوروبية كثيرة المطالب.
ومع أن بعض التفاصيل تبقى سرا تحوطه حراسة مشددة، إلا أن التقدم الذي تم إحرازه يؤدي إلى تسوية محورية حول ما يُسمى خطة "الجدار الاستنادي" لتجنب الحدود الصعبة على جزيرة إيرلندا. قال أحد دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي المُطلعين على المحادثات "كان على الجميع التخلي عن بعض المواقف".
ستتمكن تريزا ماي بشكل حاسم من الادعاء بأن الترتيبات الاحتياطية لن تُجبر المملكة المتحدة على إنشاء حدود جمركية على طول البحر الإيرلندي، مع ترتيبات خاصة لإيرلندا الشمالية من شأنها فصل اقتصادها عن البر الرئيسي للمملكة المتحدة.
ميشيل بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، سهل هذا الأمر حين أسقط معارضته على كتابة اتحاد جمركي أساسي على مستوى المملكة المتحدة في معاهدة انسحاب بريطانيا.
بعد الاتفاق على هذه النقطة، فإن ما يسمى خطة "الجدار الاستنادي الداعم للجدار الاستنادي" – خطة الدعم بالنسبة إلى حدود إيرلندا الشمالية التي اقترحها بارنييه ويُعارضها بشدة مجلس الوزراء البريطاني – ستزول و"تختفي" عن الأنظار، وفقا لشخصيات في الاتحاد الأوروبي مطلعة على الترتيبات.
لكن الاتحاد الجمركي على مستوى المملكة المتحدة يأتي مع شروط وقيود تهدف إلى إرضاء دبلن والدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يخشى بعض المطلعين في الحكومة البريطانية أن ماي ستجد من المستحيل ترويجه لحكومتها والبرلمان.
كذلك وجّه جانب الاتحاد الأوروبي ملاحظة تحذيرية حول ما إذا كانت الخطة ستحظى في نهاية المطاف بدعم في المملكة المتحدة. قال أحد المسؤولين "دعونا لا نخلط بين الدخان الأبيض والضباب فوق نهر التايمز".
بعبارة أخرى، تنازلات بروكسل تحمل ثمنا سياسيا كبيرا. الأول هو ضمان لإيرلندا أن بريطانيا لن تكون قادرة على ترك خطة الجدار الاستنادي للاتحاد الجمركي بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي دون أن يكون الاتحاد الأوروبي مقتنعا بأن الترتيبات موجودة بهدف تجنب الحدود الصعبة، سواء من خلال اتفاق تجاري أو خطة لاحقة لإيرلندا الشمالية.
دومينيك راب، الوزير المكلف بملف "خروج بريطانيا" (المستقيل) ضغط من أجل آلية أحادية للتهرب من مثل هذا الاتحاد الجمركي، حتى تتمكن المملكة المتحدة في نهاية المطاف من اتباع سياسة تجارية مستقلة. لكن الاتحاد الأوروبي رفض قبول مثل هذه البنود بدون أن تكون خطته للجدار الاستنادي الداعم للجدار الاستنادي بالنسبة إلى إيرلندا الشمالية فقط موجودة في اتفاقية الانسحاب.
هذا يستلزم توضيح كيف ستبقى إيرلندا الشمالية في المنطقة الجمركية والمدار التنظيمي للاتحاد الأوروبي – الذي هو لعنة لأعضاء حزب الوحدويين الديمقراطيين الذين تعتمد عليهم ماي من أجل غالبيتها في مجلس العموم.
حتى بعد التسوية، سيظل يتعين على ماي تبرير نص معاهدة من شأنه إبقاء إيرلندا الشمالية متوافقة مع قواعد السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي التي تمكّن التدفق الحر للسلع والمنتجات الزراعية عبر الحدود الإيرلندية. ومن المتوقع أيضا أن تطبق إيرلندا الشمالية "قانون الاتحاد الجمركي" بالكامل – من خلال دمجه مع المنطقة الجمركية في الاتحاد الأوروبي بطريقة أعمق من بقية البر الرئيسي للمملكة المتحدة.
التحدي الكبير الثاني بالنسبة إلى فريق ماي سيكون شرح ما يسمى شروط "الفرص المتكافئة" التي تُرافق الاتحاد الجمركي على مستوى المملكة المتحدة – نوع من اتخاذ القواعد الذي يُثير غضب مؤيدي "خروج بريطانيا".
كثير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فوجئت بإدخال اتحاد جمركي كامل في اتفاقية الانسحاب وتطلب ضمانات في المقابل من شأنها منع المنافسة غير العادلة من بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
أدرج بارنييه في مسودة النص بعضا من أشد القيود المفروضة على أي بلد خارج السوق الموحدة. وهذه تشمل التزام المملكة المتحدة بقواعد المنافسة والمساعدات من الدولة في الاتحاد الأوروبي، حتى إن تغيرت في المستقبل، وإيلاء الاعتبار الواجب لأحكام محكمة العدل الأوروبية في هذا المجال.
تم أيضا تضمين بنود عدم التراجع في الاتفاقية، ما يمهد الطريق للقواعد البيئية، وسياسة العمل، وفرض الضرائب. هذا من شأنه ربط لندن بالسياسات القائمة التي لا تحظى بشعبية كبيرة بين بعض أعضاء البرلمان من حزب المحافظين، بما في ذلك التعميم الخاص بوقت العمل وأهداف الطاقة المتجددة.
أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي الذي يعمل في مسألة خروج بريطانيا، قال "نحن لا نحاول أن نكون مفرطين في الحماس. لكن ليست هناك ثقة متبقية لفعل أي شيء آخر".
أحد المخاوف بالنسبة إلى الحكومة البريطانية هو الخطر المتمثل في أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قد تضغط من أجل شروط أكثر صرامة بكثير. فرنسا، وألمانيا، وهولندا، وإسبانيا، وإيطاليا جميعها تطالب مفاوضي الاتحاد الأوروبي بالذهاب إلى أبعد من ذلك، حتى "تتماشى بريطانيا بشكل ديناميكي" مع التكتل في كافة المجالات التي تغطيها شروط "الفرص المتكافئة".
هناك ضغوط مماثلة يُمكن أن تظهر بسبب الأسماك. في مسودة الاتفاق، قطاع الأسماك مستثنى من أي اتحاد جمركي بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق على إمكانية الوصول المتبادل للمياه. بعض بلدان الاتحاد الأوروبي – خاصة فرنسا، والدنمارك، وبلجيكا، وهولندا – ضغطت من أجل ضمانات أقوى.
بالنظر إلى كل هذه الضغوط، فإن تنازلات ماي قد تبدو منطقية فقط إذا تمكنت من الجدال لمصلحة أن خطة الجدار الاستنادي الإيرلندي هي بوليصة تأمين لا ينبغي أن يحتاج أي من الطرفين إلى استخدامها.
إحدى الطرق لتحقيق ذلك هي الإشارة إلى بند في مسودة المعاهدة يتعلق باحتمال تمديد فترة انتقال بريطانيا إلى ما بعد كانون الأول (ديسمبر) 2020. لكن هذا أمر يكرهه أعضاء البرلمان من الحزبين في مجلس العموم.
الطريقة الثانية هي الإشارة إلى وثيقة أخرى – إعلان عن العلاقات المستقبلية – لا تزال غير مكتملة.

الأكثر قراءة