Author

التلاعب في أسعار الصرف والقضاء

|
قضايا التلاعب في الأسعار بسوق صرف العملات الأجنبية، ليست جديدة على الساحة الغربية، ولا سيما في البلاد التي تحتضن أكبر هذه الأسواق، وفي مقدمتها الولايات المتحدة. فقد رفعت دعاوى قضائية في السابق على عدد من البنوك من جهات استثمارية مختلفة، لأنها تلاعبت في أسعار العملات، ما ألحق الضرر باستثماراتها. وعلى الرغم من بعض القضايا التي رفعت، والقوانين الصارمة في هذا المجال، إلا أن عمليات التلاعب تجري على الساحة الغربية بمستويات مرتفعة، وتضم أسماء بنوك لامعة على الساحة الدولية. ولا شك في أن بعض القوانين واللوائح التي وضعتها السلطات المختلفة في هذا المجال أسهمت في تخفيف هذه الأعمال غير القانونية، إلا أنها تجري وبحجم أموال ضخمة للغاية. القضية الجديدة في هذا المجال لافتة، لأن الجهات الاستثمارية المتضررة استهدفت بنوكا ضخمة في الحجم والعدد. فمجموعة من شركات الاستثمار الكبرى رفعت دعاوى ضد 16 بنكا، من بينها "بنك أوف أميركا" و"باركليز" و"سيتي جروب" و"دويتشه بنك" و"بنك أوف اسكتلند"، وغيرها من تلك التي تسيطر على المشهد المصرفي العالمي. وعندما نعلم أن حجم سوق صرف العملات الأجنبية يصل إلى 5.1 تريليون دولار يوميا، يمكننا أن نتصور مستوى التلاعب الذي تقوم به هذه البنوك وغيرها، وفق اتهامات الشركات الاستثمارية. وهذه الأخيرة ليست صغيرة، بل كبيرة للغاية، بحيث تعد في بعض البلدان جزءا من الهيبة الاقتصادية للبلاد، تماما مثل البنوك المستهدفة قضائيا. في السابق، تم التوصل إلى تسويات خارج المحاكم في مثل هذه القضايا، على الرغم من أن القضايا كانت قد رفعت بالفعل، لكن التعويضات المالية من جانب الجهات المتهمة دفعت المؤسسات المدعية إلى القبول بها. واللافت أن غالبية البنوك التي تواجه الدعاوى الجديدة، دخلت في قضايا مماثلة في السابق، ما يعطي الانطباع أنها مستعدة لعقد تسويات ما مع الجهات المدعية في مرحلة لاحقة. فالدعاوى القضائية مكلفة ماليا بصورة كبيرة، كما أنها تنشر الاضطراب في الأجواء، وتؤثر بشكل يومي في سمعة المؤسسات المعنية، ناهيك عن حرص البنوك المعنية على مواصلة التمسك بزبائنها ومستثمريها. ومن هنا، يمكن الاعتقاد أن بعض البنوك على الأقل ستلجأ إلى التسويات، خصوصا أنها لها سوابق مشابهة مع شركات استثمارية أخرى. المسألة باختصار تتعلق باتهامات البنوك العالمية الكبرى المشار إليها، بانتهاك قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي عبر التآمر في الفترة من 2003 حتى 2013 للتلاعب في مؤشرات العملات. وهي فترة طويلة بالفعل، ما يعني أنه لو ثبتت هذه المخالفات، فإن حجم الأموال سيكون كبيرا، أو لنقل حجم الخسائر لشركات الاستثمارات المعنية. التلاعب بأسعار صرف العملات، يصب دون شك في مصلحة البنوك، وهو أمر يصعب الدفاع عنه في ساحات القضاء. ولذلك، من المتوقع أن تقدم البنوك عروض تسويات، مشابهة لتلك التي قدمتها جميعها تقريبا للإدارة الأمريكية، التي اتهمتها بغسل الأموال، وتيسير الشؤون المالية لمنظمات إرهابية دولية. فقد دفعت البنوك مليارات الدولارات كغرامات، وفضلت عدم الوصول إلى المحاكم. السؤال الآن يبقى هو، إذا تمت التسويات بالفعل، كم سيكون حجم الأموال التي ستدفعها البنوك للشركات المدعية؟
إنشرها