Author

إدارة السلوك .. الأسلوب والممارسة

|

إدارة السلوك وتوجيهه والتحكم فيه، ليست مهمة بسيطة، بل مهمة صعبة جدا، وعلى قدر النجاح الذي نحققه في ذلك، خاصة في مرحلة الطفولة، من غرس للقيم السامية، والمفاهيم السليمة، والمبادئ القويمة؛ تتحقق التربية المناسبة للنشء، وتقل الجرائم والحوادث. في المنزل، يوجه الوالدان أبناءهم لفعل شيء ما، وتجنب فعل شيء آخر، كأن يطلبا منهم حل واجباتهم، وينهياهم عن السهر الطويل، ومع حرصهما قد يجدان أذنا صاغية، وينجحان في إكساب الأبناء تربية نافعة، أو لا يجدان ذلك، ويحبطان. والمعلم يمارس إدارة السلوك لطلابه في الفصل، فيوجههم إلى الهدوء، وعدم الإزعاج، والمحافظة على نظافة المدرسة، وممتلكاتها، ويعززهم معنويا وماديا على ما يصدر منهم من سلوك حميد، وربما تتبخر الإرشادات والتوجيهات، ولا تتحقق الأهداف.
رجل المرور يوجه بشكل مباشر السيارات إلى المرور في شارع ما، وتجنب شارع آخر لزحامه، أو لوجود معوقات مرورية، وقد يستجيب كثيرون، وربما يرفض بعضهم؛ إما عنادا ومكابرة، أو عدم إدراك لقيمة الاستجابة لتوجيهات رجل المرور؛ ما يعرضهم لمخالفة، أو زحام شديد يأخذ منهم وقتا طويلا، بدلا من اختصار الوقت الذي كانوا يؤملونه..
الطبيب من جانبه يسعى جاهدا إلى إدارة سلوك مريضه؛ بما يحقق له صحة جيدة، حيث يرشده إلى الطريقة المناسبة لتناول العلاج، والوجبات، ونوع الغذاء الذي يتناسب مع حالته وظروفه الصحية، كما أن الطبيب النفسي يعمل جاهدا في تعديل سلوك منحرف، كتعاطي مخدرات، أو امتهان السرقة، أو غيرها من السلوكات المنحرفة المضرة بالفرد والمجتمع. هذه أمثلة لإدارة السلوك بشكل مباشر، حين يكون هناك تواصل وتفاعل مباشر بين من يدير السلوك، ومن يراد توجيه سلوكه وإدارته بالشكل المناسب. ولعل إدارة سلوك الموظفين في إدارة أو شركة ما يعد مثالا بارزا على حسن إدارة السلوك، أو سوئه، خاصة حين تصدر تصرفات وأفعال غير مناسبة، كالفوضى في مقر العمل، والإزعاج، وسوء التعامل مع الزبائن، أو الزملاء، وما أكثر هذه المشكلات التي تعالج إما بالتنبيه، أو الإنذار، أو الخصم من الراتب، أو الحرمان من العلاوة والترقية. الأسلوب الثاني من أساليب إدارة السلوك، يتم بشكل غير مباشر، حيث تصدر الأنظمة، واللوائح، والتعاميم؛ ما يستوجب إطلاع العاملين في المنشأة عليها، والالتزام بها لتتم إجراءات العمل وفق ما يسهم في تحقيق أهداف المنظمة، إلا أن المشكلة في هذا أن العاملين لا يلتزمون بالأنظمة، ويتصرفون وفق اجتهادات شخصية تبنى على فهم خاطئ، وتقدير خاطئ، وعدم إدراك لعواقب الأمور، وكم من موظف ورط جهة عمله بالتزام مع طرف آخر، أو تسبب في تشويه سمعة جهة عمله بتصرف أحمق لم يحسب له حسابا.
في هذه الأيام، ونحن نعيش موسم الأمطار، نجد كثيرا من الجهات المعنية، كالدفاع المدني، وهيئة الأرصاد، وأمن الطرق، والبلديات، تدعو إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر من النزول في الأودية، وأماكن تجمع السيول. ومع تكرار التنبيهات، وكثرة الحوادث، إلا أن هناك من لا يعيرون ذلك اهتماما، ويجازفون في سلوكات نتائجها وخيمة،؛ بهدف كسب إعجاب الآخرين بهم وبشجاعتهم، وكم فجعت أسر بفقدان أبنائها لعدم مراعاة التعليمات العامة الصادرة من جهات الاختصاص.
الدعاية أداة فعالة من أدوات إدارة السلوك، فمن خلالها يتم توجيه وإدارة سلوك المستهلكين، أو فئة منهم لبضاعة ما، وذلك بإظهار مميزاتها، سواء في فعالية عملها وجودتها، إن كانت جهازا، أو من حيث ثمنها. وأبرز مثال على ذلك، أسابيع التخفيضات، إذ يهب الناس بأعداد غفيرة إلى المحل الذي يقدم العروض، وفي حالات عدة يقفون في خط الانتظار لساعات طوال.. المشكلة في إدارة السلوك، وفق الأسلوب الثاني، أن الجهة الراغبة في إدارة السلوك والتحكم فيه، لا تكون حاضرة في الميدان، وليس بإمكانها فعل ذلك في كل الأماكن، فمن يخالفون الأنظمة والتعليمات، كمغامري السيول، نجد أنه لا يمكن للدفاع المدني الوجود في الشعاب والأودية. لذا، الأمر يعتمد على نضج الأفراد، وجودة أحكامهم، وحسن تقديرهم للأمور. وبمعنى آخر، هناك إدارة ذاتية مبنية على الوعي والالتزام بما يصدر من تعليمات من جهات الاختصاص.

إنشرها