أحيانا .. الخيارات غير المنطقية تكون هي الأفضل

أحيانا .. الخيارات غير المنطقية تكون هي الأفضل

أحد الزملاء المؤهلين عادة ما يجد مشقة في كتابة تقرير صعب - لكن ليس مستحيلا. وعلى الرغم من التعليمات والمواعيد النهائية الواضحة، إلا أنه لم يبدأ حتى الآن.
تأخره وإعذاره يقيدان بقية الفريق الذي ينفد صبره ويزداد استياءه. لقد حان الوقت للتدخل: هل أ) تفقد الصبر وتكتب التقرير بنفسك. ب) تقدم النصيحة والتعليمات غير المناسبة. ج) تطلب منه أن يرشد متدربا حديث التخرج؟
أكثر أساليب العمل وضوحا - التي تبدو منطقية - هي تقديم التوجيهات. هناك سبب محتمل لتسويف هذا الزميل: نقص المعرفة. فهو ببساطة لا يملك المعلومات أو المهارات اللازمة لكتابة تقرير، المتمثلة في جمع الحقائق وتحويل الملاحظات إلى موضوع نثري. من المؤكد أن الخطوة الأقل عقلانية هي أن تطلب منه أن يكون مرشدا يقدم النصح لموظف حديث عهد بالعمل.
لكن الخيارات غير المنطقية أحيانا تكون هي الأفضل. تشير دراسة أجراها علماء السلوك في كلية بوث لإدارة الأعمال، التابعة لجامعة شيكاغو، إلى أن ممارسة تقديم النصح للآخرين قد تكون في بعض الظروف سر القضاء على التسويف. في الحقيقة تشير أدلة منبثقة من كليات إدارة الأعمال إلى أن الإرشاد يحمل كل أنواع الفوائد الخفية.
لكن يمكن أن تسوء الأمور. فقد وجدت دراسة أخرى أن الإرشاد يمكن أن يكون عائقا، بدلا من كونه وسيلة للمساعدة في تقدم الموظفين. يعتمد جميع ذلك على الظروف.
وفقا لدراسة كلية بوث، ما يحتاج إليه زميلنا المتردد بالفعل – وهو ما سيحفزه على العمل في النهاية - هو استعادة ثقته. أفضل طريقة هي أن تطلب منه أن يقدم النصح إلى شخص آخر. بعبارة أخرى، قد يكون أولئك الذين يفتقرون إلى التحفيز بحاجة إلى تقديم النصيحة بدلا من تلقيها.
يقول البروفيسور أيليت فيشباتش، المؤلف المشارك في البحث: "السؤال الأول الذي تطرحه هو: لماذا لا يفعل الشخص هذا الشيء؟". ويضيف: "هل لأنه لا يعرف كيف؟ أحيانا، بل غالبا، يوجد تفسير آخر: المهمة شاقة جدا وقد فقد الثقة".
هنا يأتي دور القوة الخفية للإرشاد والنصح. يقول البروفيسور فيشباتش غالبا ما يكون المسوفون مرشدين رائعين، كونهم يعرفون أكثر مما يعتقدون. "إنهم لا يدركون مقدار ما تعلموه". عندما يطلب منهم تقديم نصيحة، فإن ذلك يعطي المتردد الثقة التي كانت مفقودة في المقام الأول - لمتابعة المهمة التي في متناول اليد.
تأتي نتائج كلية بوث في الوقت نفسه الذي أجريت فيه دراسة في كلية جادج للأعمال، التابعة لجامعة كامبريدج، حيث وجد علماء السلوك أن تقديم النصيحة للزملاء الجدد يمكن أن يقلل من القلق ويحسن الصحة العقلية للمرشدين - خاصة أولئك الذين يعملون في وظائف تتسم بدرجة عالية من الضغوط.
ركزت الدراسة المنشورة في "جورنال أوف فوكيشنال بيهافيور" على أعمال الشرطة، لأنها تتطلب قوة عقلية في المواقف الصعبة. لكنها تحمل دروسا لأي شخص يعمل في وظيفة ذات خصائص مشابهة. فعلى الرغم من الضغوط في أدوار الشرطة - بما في ذلك التهديدات، والإساءة، والقرارات المفاجئة، وخطر الوفاة – لا يسعى رجال الشرطة إلى طلب الدعم من رجال شرطة آخرين، خاصة كبارهم، خوفا من وصمة عار مرتبطة باضطرابات الصحة العقلية.
ووجد الباحثون أن الإرشاد يمكن أن يساعد في سد هذا الفراغ. يقول المؤلف المشارك توماس روليت: "يمكن أن يساعد ذلك المنظمات على معالجة قضايا العمل الجدية والمكلفة، المتعلقة بالقلق والصحة النفسية".
يعد الإرشاد طريقة جيدة وغير مكلفة نسبيا لأرباب العمل من أجل تدريب صغار الموظفين ورعاية من هم بحاجة إلى مساعدة لتخطيط حياتهم المهنية ووضع بصمتهم. نعرف الآن أن الإرشاد يبني الثقة والمرونة العقلية لدى المرشدين أنفسهم. ويمكن أن يغير الحياة إذا تم بأسلوب صحيح. لكن هل هذه هي القضية دائما - ماذا تعني النتائج الجديدة بالنسبة للمديرين التنفيذيين الذين يحاولون بناء أفضل خطط للإرشاد؟
وفقا لكاثي كرام، أستاذة الإدارة في كلية كويستروم للأعمال، التابعة لجامعة بوسطن، وهي أستاذة رائدة في مجال الإرشاد، يجب على المديرين التخطيط بعناية، لأن تقديم النصح لا يعد دائما فكرة جيدة، فهو يمكن أن يكون عائقا في بعض الأحيان.
وتقول "يقدم المرشدون النصيحة أحيانا عندما يكون من المفيد أكثر طرح أسئلة مثيرة للتفكير على الذين يتم إرشادهم". يمكن أن تكون أسئلة استدراجية تساعد الذين يتم إرشادهم على التفكير بعمق في مشاكلهم للوصول إلى حلول خاصة بهم. وتضيف: "قد يلتزم الأشخاص الذين يتم إرشادهم بالنصائح المقدمة، لكن ليس بالضرورة أن يتعرفوا على أنفسهم، وصفاتهم الفريدة، وأفضل طريقة لمواءمة أعمالهم مع قيمهم".
في الحقيقة، كما تقول البروفيسورة كرام، تشير الأبحاث إلى أن تقديم النصيحة يمكن أن يقوض الرغبة في التعلم والتطور لدى المتلقين إذا لم يتم تشجيعهم على تفحص معتقداتهم، ومواقفهم، وأنماط سلوكهم خلال العملية.
في الشهر المقبل ستجمع "فاينانشيال تايمز" قادة كبارا مع مديرين تنفيذيين من جيل الألفية، لاستكشاف كيفية تعامل كل جيل مع الأعمال، والنصيحة التي يقدمها كل طرف إلى الآخر.
الدراسة المتأنية لأفضل البحوث الواردة من كليات إدارة الأعمال ستساعد في تطوير العمل، وكذلك ينبغي أن تفعل برنامج الإرشاد الخاصة بالشركات. عليكم التقدم بحذر.

الأكثر قراءة