Author

السعودية والتنافسية والمؤشرات العالمية

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى

أثار الدكتور منصور الكريديس عضو مجلس الشورى، في إحدى جلسات المجلس، وضع المملكة في عدد من المؤشرات العالمية، وذلك تعليقا على تقرير وزارة التجارة والاستثمار. وفي الأسبوع الذي تلاه جاء تصريح وزير التجارة والاستثمار بشأن تحسن وضع المملكة في مؤشر التنافسية العالمية. وبين تصريح وزير التجارة والاستثمار وتعليقات مجلس الشورى، نجد النقاش واسعا ومفتوحا. فلقد أقر مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إنشاء لجنة تيسير برئاسة وزير التجارة والاستثمار؛ لتحسين أداء المملكة في المؤشرات العالمية، وتم ضم 40 جهة إلى عضوية هذه اللجنة؛ وذلك لتيسير أعمالها، وتسهيل الإجراءات. ويجب علينا الإقرار بداية بأن التحديات كبيرة، لكن الطموح أيضا كبير، ونحن نعي التحديات التي يُولدها الطموح الكبير أيضا. المملكة تتموضع في منطقة دافئة نسبيا في المؤشرات العالمية، وهي بهذه المنطقة قادرة على جذب الاستثمارات، وعلى الاستدامة الاقتصادية، لكن نظرا لأن هذه المؤشرات لها ارتباط وثيق بالنمو الاقتصادي، فإننا ونحن نعمل بجهد على تطوير تموضع المملكة في الترتيبات العالمية، يجب أن نطور منظومتنا الاقتصادية، وبذلك تحسين الاستدامة الاقتصادية والنمو في الأجلين المتوسط والبعيد، خاصة أن هذه المؤشرات مبنية على نظريات اقتصادية لها رسوخ قوي اليوم.
لقد جاء ترتيب المملكة في مؤشر التنافسية العالمية بتحسن طفيف 39 من بين 140 دولة، كما جاءت المملكة في المرتبة الـ92 من بين 189 دولة في مؤشر سهولة القيام بأنشطة الأعمال، الذي يصدر عن البنك الدولي، وجاءت المملكة في المرتبة الـ55 من أصل 175 في مؤشر مدركات الفساد، الذي تصدره منظمة الشفافية، وجاءت في المرتبة الـ77 من أصل 178 دولة في مؤشر الحرية الاقتصادية، الذي يصدر عن منظمة هيرتيج وول ستريت جورنال. ولهذا، فإننا في حاجة إلى عمل لا يوصف بأقل من كبير لتحسين موضع المملكة في هذه المؤشرات المهمة جدا. ورغم التحسن الذي طرأ على ترتيب المملكة في مؤشر التنافسية العالمية - كما أشار الوزير - إلا أن ترتيبها تراجع بشكل غريب في مؤشر سهولة الأعمال، كما أشار عضو مجلس الشورى. وهنا نتساءل عن هذا الاتجاه المتعاكس: فهل العمل في مؤشر التنافسية العالمية يؤدي إلى تراجع العمل في مؤشر سهولة الأعمال، أو أن لجنة تيسير، قد انشغلت كثيرا بمؤشر التنافسية العالمية، وتناست تأثيرات العمل على مؤشر سهولة الأعمال؟
لعله من المناسب أن ندرك الفرق بين المؤشرين: فمؤشر التنافسية العالمية يعمل على عدد من القضايا مكون من: "المؤسسات، والبنية التحتية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واستقرار الاقتصاد الكلي، والصحة، والمهارات، والأسواق، وسوق العمل، والنظام المالي، وحجم السوق، وديناميكية الأعمال، والابتكار"، وهي في مجملها تسهم في تعزيز درجة انفتاح الاقتصادات أمام التجارة الدولية؛ لأن ذلك مرتبط بالنمو الاقتصادي والإمكانات المبتكرة لأي دولة. وقد أكدت تقارير التنافسية العالمية، تحسن أداء المملكة ضمن إطار تحسّن في متوسط أداء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كلها، والسبب يعود إلى تنفيذ إصلاحات عززت التنويع الاقتصادي، والاستثمارات الكثيفة في البنية التحتية الرقمية والتكنولوجية، وإلى تحسينات كبيرة في مجال الجاهزية التكنولوجية، "لكن" – وفقا للتقرير - لم يؤدِّ بعد إلى تحول كبير بالقدر ذاته في مستوى الابتكار. كما أشارت تقارير التنافسية إلى وجود عوامل مهمة أخرى، وهي تعقيد الإجراءات الجمركية، والقواعد التي تؤثر في الاستثمار الأجنبي المباشر والملكية الأجنبية.
في مؤشر سهولة الأعمال، يتم تصنيف الاقتصادات العالمية من 1 إلى 190؛ حيث إن المرتبة 1 تعني الأفضل في سهولة القيام بأنشطة الأعمال، وإن البيئة التنظيمية أكثر ملاءمة لبدء وإدارة شركة محلية. ويتكون المؤشر من عدد من القضايا: "بدء النشاط التجاري، واستخراج تراخيص البناء، والحصول على الكهرباء، والحصول على الائتمان، وتسجيل الملكية، وحماية المستثمرين الأقلية، ودفع الضرائب، والتجارة عبر الحدود، وإنفاذ العقود، وتسوية حالات الإعسار، وتنظيم سوق العمل"، وهنا نجد أن العلاقات واضحة بين المؤشرين، وهي اقتصاد المعرفة، فاقتصاد المعرفة يرتكز تماما على أمرين معا: هما الابتكار Innovation، وريادة الأعمال entrepreneurship، فإذا كانت تقارير التنافسية العالمية تؤكد أن مشكلتنا في الابتكار وذلك مهما تحسنت إنجازاتنا في عالم التكنولوجيا والرقمنة، بينما نحن نتراجع بشكل لافت في ريادة الأعمال بقدر ما نتراجع في مؤشر سهولة الأعمال، وإذا كان تراجعنا في كلا الأمرين، فهذا يعني تراجعنا في اقتصاد المعرفة، فإن مشكلتنا واضحة جدا، وبقي علينا ممارسة الحل.

إنشرها