الاقتصاد الصيني .. توتر قطاع الأسر يقلص إنفاق المستهلكين

الاقتصاد الصيني .. توتر قطاع الأسر يقلص إنفاق المستهلكين

يستجيب المستهلكون الصينيون إلى الاقتصاد المتباطئ من خلال الادخار بشكل أكبر وصرف أموال أقل في الأصول المحفوفة بالمخاطر، بحسب ما تظهر بيانات الأبحاث الخاصة في "فاينانشيال تايمز". وعلى الرغم من أن الحكومة تعمل على تقليص ضرائب الدخل في محاولة منها لتعزيز الاستهلاك، إلا أن الأرجح أن ينتهي هذا الأجر الصافي الإضافي على على شكل ودائع في الوقت الذي يزداد فيه توتر المستهلكين. تشير البيانات إلى أن على الحكومة ألا تتوقع مساعدة المستهلكين في دعم الاقتصاد. فحتى لو كان ممكنا تحقيق استقرار في النمو عبر دعم النشاط الاستثماري، فإن ارتفاع الديون العائلية واحتمال نشوب صراع طويل ومكثف مع الولايات المتحدة يعني أن المستهلكين سيظلون حذرين.
تعود قراءات مشاعر المستهلكين في الصين إلى مستواها الطبيعي بعد تسجيلها رقما قياسيا. في أيلول (سبتمبر) الماضي قال عدد أقل من المستهلكين إنهم يعتزمون زيادة الإنفاق الاختياري خلال الأشهر الستة المقبلة، ما يؤدي إلى جرجرة مقياس توقعات الإنفاق التقديري إلى أدنى مستوى لها منذ 17 شهرا. ورغم أنهم يقولون إن نمو دخلهم ارتفع، يعاني المستهلكون من تلاشي تأثير الثروة - المقياس المستخدم لدينا لقياس كيفية تقييم أوضاعهم المالية هو الآن عند أدنى مستوى له منذ عامين تقريبا، بعدما هبط بشكل شديد الانحدار أكثر مما كان عليه بعد انهيار سوق الأسهم في عام 2015.
العلامات على ازدياد التوتر لدى قطاع الأسر بدأت تظهر أيضا في رغبتهم في الاستثمار. في كل شهر يجري استطلاع حول رغبتهم في التوفير، أو الاستثمار، أو الاستهلاك، مع الأخذ في الحسبان أسعار الفائدة السائدة (السلسلة تستند إلى المسح الفصلي الخاص بالمودعين والذي يجريه بنك الشعب الصيني). ومنذ نهاية النصف الأول من العام كان هناك تحول ملحوظ بين المستهلكين لصالح الادخار وليس الاستثمار. ميل الأسر نحو الاستهلاك الذي انخفض في نهاية الربع الأول، انتعش منذ ذلك الحين لكنه لا يزال ثابتا نسبيا.
هذه الرغبة الجديدة في الادخار بشكل أكبر تعكس مخاوف واسعة النطاق حول الاقتصاد، لكن الانخفاض في عدد المستهلكين الذين يفضلون الاستثمار يبين أيضا حصيلة الأضرار الناجمة عن ذلك في مختلف فئات الأصول، إضافة إلى أسعار الفائدة المتراجعة. وتشمل هذه الأضرار الإقراض من النظير إلى النظير، وهي صناعة تقلصت بمقدار الثلث خلال أربعة أشهر فقط بعد سلسلة من الفضائح والاحتجاجات، إضافة إلى سوق الأسهم التي انخفضت 25 في المائة هذا العام. بدائل الاستثمار التي تبدو مأمونة لم تعد جذابة كما كانت، مقارنة بأسعار الفائدة على الودائع. صندوق الأموال الضخم "يو إي باو" الذي توزعه مجموعة علي بابا، يدفع الآن 2.8 في المائة سنويا مقابل أكثر من 4 في المائة في بداية العام. كذلك يبين أحدث تقييم شهري أجرته "فاينانشيال تايمز" لتوقعات الأسعار في قطاع العقارات أن الآراء التفاؤلية حول هذه الفئة المهمة جدا من الأصول بدأت أخيرا في التحول، في الوقت الذي بدأت فيه المبيعات في التراخي. وتتفاوت الأدلة بشأن سلوك الإنفاق الاستهلاكي الحقيقي. سلسلة مبيعات التجزئة الشهرية الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاءات تشير إلى أن النمو يتباطأ تدريجيا، وإن كان خارج قاعدة أكبر من أي وقت مضى. ويتحمل تراجع مبيعات السيارات مسؤولية هذا الانخفاض، على الرغم من أن هذا يعكس سحب الحوافز الضريبية الحكومية، فضلا عن حقيقة أن شراء السيارات المستعملة يحمل وصمة عار اجتماعية أقل مما كان عليه من قبل بين المستهلكين الصينيين، وهو ما انعكس في ارتفاع مبيعات السيارات المستعملة 13 في المائة حتى الآن هذا العام. ومع ذلك، تظهر كل من المقاييس الفصلية للدخل الأسري القابل للتصرف ونمو الاستهلاك تباطؤ النمو بسبب التراجع الهيكلي للاقتصاد. ووافقت الحكومة أخيرا على تخفيض ضرائب الدخل الشخصي في إطار عملية شاملة لإصلاح النظام الضريبي الصيني على المدى الطويل. ويبدأ ذلك بزيادة الأرباح التي يبدأ عندها الناس في دفع ضريبة الدخل إلى خمسة آلاف رنمينبي (720 دولارا) شهريا بعد أن كانت 3500 رنمينبي، على الرغم من أن أولئك الذين يكسبون بين 15 ألف و25 ألف رنمينبي سيحصلون على أكبر فائدة كنسبة مئوية من رواتبهم الشهرية. لكن هؤلاء يشكلون أقلية بسيطة جدا من أصحاب الدخل في الصين. وتشير تقديرات الحكومة إلى أنه حتى في المناطق الشرقية الغنية كان متوسط الأجر للشركات غير الحكومية في العام الماضي 7067 رنمينبي شهريا. وسيحصل أولئك الذين يكسبون أكثر من الحد الأدنى على مبلغ إضافي قدره 192 رنمينبي، حسب تقديرات "فاينانشيال تايمز".
ويعد تحويل مزيد من الثروة إلى الأسر الصينية جزءا مهما من خطة الحكومة لإعادة التوازن. قالت وزارة المالية في عطلة نهاية الأسبوع إن هناك مزيدا من التغييرات في الطريق. إلا أن التخفيضات الأخيرة قد لا تعني زيادة الإنفاق في المدى القريب بسبب الغموض السائد - ولا سيما مع الضغط المتزايد على الأسعار.
وتشكل التخفيضات جزءا من استجابة هادئة نسبيا في السياسة أمام اقتصاد متباطئ بشكل تدريجي. وهي لا تقارن بما حصل في عام 2015، عندما تم تخفيض أسعار الفائدة في محاولة فاشلة لدعم سوق الأسهم، وبالتأكيد لا تقارن بعام 2008، عندما أقرت السلطات برنامجا عملاقا للتحفيز.
وفي حين أن الحكومة عززت الإنفاق من المالية العامة سعيا منها لعكس الاستثمار المتراجع في البنية التحتية، إلا أن الملامح العامة تبين أنها سوف تعاني من أجل هندسة انعكاس بدون تراجع تام عن الجهود الذي بذلتها لتشديد القبضة على ممارسات الإقراض الخطرة. لذلك ربما يظل المستهلكون الصينيون متوترين، وربما يستمر إنفاقهم في المعاناة.

الأكثر قراءة