FINANCIAL TIMES

تنشيط دور القيادة الأممية يعرقل حملة السلام الكورية

تنشيط دور القيادة الأممية يعرقل حملة السلام الكورية

مع تضافر جهود السلام في شبه الجزيرة الكورية، عادت قوة عسكرية غامضة، كانت لعقود من الزمن تقع على هامش المشهد الجغرافي السياسي للمنطقة، لتظهر مرة أخرى باعتبارها لاعبا مؤثرا – ولربما تجاوز إلى أن يكون استفزازيا في دوره، على الأقل.
أثارت قيادة الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة جدلا في الدولة المضيفة كوريا الجنوبية، على أثر سلسلة من الخطوات التي سلطت الضوء على الهوة بين موقف سيئول المؤيد للارتباط ببيونج يانج، والخط المتشدد لواشنطن.
على وجه الخصوص، منعت قيادة الأمم المتحدة جهودا مبكرة من جانب سيئول لتطوير خطوط السكك الحديدية مع كوريا الشمالية - وهي خطوة صعقت الدبلوماسيين المحليين. ثم بعد أيام من عودة الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي-إن من بيونج يانج بمقترحات ملموسة لخفض التوتر العسكري مع الشمال، أظهرت القيادة الأممية مرة أخرى وجودا محسوسا.
قال الجنرال روبرت أبرامز، الذي تم ترشيحه لقيادة وحدة الأمم المتحدة فضلا عن نحو 30 ألف جندي أمريكي في كوريا الجنوبية: "في حين أن [الكوريتين] قد تواصلان الحوار، إلا أن كل ذلك يجب أن يتم التوسط فيه والتحقق منه ومراقبته وإنفاذه من قبل قيادة الأمم المتحدة".
يتلاءم الخطاب الحازم مع حملة طويلة المدى تديرها قيادة الأمم المتحدة من أجل "إعادة تنشيط" عملياتها وجعل الهيئة – الجهة التي كانت مسؤولة على مدى عقود من مراقبة اتفاق الهدنة الذي أنهى الحرب الكورية في عام 1953 - لاعبا مستقلا في هندسة الأمن في المنطقة.
ومع ذلك، فإن حملة "إعادة التنشيط" بالنسبة لمسؤولي الأمم المتحدة السابقين وخبرائها العسكريين، تخدم غرضا أعمق من مجرد الحماية ضد كوريا الشمالية، فهي تعمل، ولو بشكل غير مباشر، على دعم وتعزيز مكانة الولايات المتحدة في شمال شرقي آسيا، في وقت تتنامى فيه قوة الصين وتتغير الديناميكيات التقليدية في شبه الجزيرة الكورية.
وقال مسؤول بارز سابق تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته: "جهود الولايات المتحدة لتنشيط قيادة الأمم المتحدة تكمن في اهتمامها الاستراتيجي في شمال شرق آسيا أكثر من التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية".
وعلى ما يبدو، فإن الولايات المتحدة لديها نية لاستخدام قيادة الأمم المتحدة لأغراض القتال، إلى جانب مهمتها الحالية المتمثلة في الإشراف على الهدنة".
ركزت حملة "إعادة التنشيط" التي استمرت لثلاث سنوات في المقام الأول على تعيين موظفين ملتزمين حصريا تجاه قيادة الأمم المتحدة - في مقابل المسؤولين الذين يتقاسمون المسؤوليات مع الهيئات العسكرية الأخرى، مثل القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية.
على أن الدافع وراء ذلك هو ضم المزيد من حلفاء الولايات المتحدة - المعروفين باسم "الدول المرسِلة" - إلى قيادة الأمم المتحدة، فضلا عن التدريبات العسكرية في شبه الجزيرة.
وقد أسهمت كل من أستراليا ونيوزيلندا وكندا بقوات في التمارين الحربية في السنوات الأخيرة.
اكتسبت هذه الجهود أرضية جديدة في تموز (يوليو) عندما تم تعيين واين آير، وهو برتبة فريق في الجيش الكندي، نائبا لقائد لجنة الأمم المتحدة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها تعيين مواطن غير أمريكي في هذا المنصب.
وقال الجنرال فينسنت بروكس، الرئيس المنتهية ولايته لقيادة الأمم المتحدة والقوات الأمريكية في كوريا: "إحدى أولوياتي كقائد لقيادة الأمم المتحدة هي إبقاء اتفاقية الأمم المتحدة مهمة وحيوية. بل في الواقع، لجعل الأمر أكثر حيوية وأكثر أهمية من ذي قبل".
وراء هذا الخطاب يكمن التخطيط البراجماتي من واشنطن. تضغط كوريا الجنوبية من أجل استعادة السيطرة التشغيلية في وقت الحرب للقوات في شبه الجزيرة، وهو احتمال قد يؤدي إلى تهميش ليس دور القوات الأمريكية فحسب، بل ويهدد مبرر وجودها، أصلا.
تولت الولايات المتحدة "السيطرة على العمليات" منذ الحرب الكورية، ولكن مخاوف السيادة تقود بشكل متزايد طموحات سيئول، ففي وقت لاحق من هذا الشهر من المتوقع أن تضع وزارة الدفاع الكورية خريطة طريق للانتقال.
قال كيم تشانج سو، المستشار السياسي السابق لوزير الدفاع في كوريا الجنوبية: "السبب الرئيس وراء جهود التنشيط التي تبذلها قيادة الأمم المتحدة، هو نقل السيطرة التشغيلية المتوقعة إلى سيئول بحلول عام 2023".
"عندما يحدث هذا، فإن دور قيادة القوات المشتركة لجمهورية كوريا والولايات المتحدة يمكن أن يضعف بشكل كبير وتتفكك. وجود قيادة الأمم المتحدة مهم جدا بالنسبة للولايات المتحدة، للبقاء في شبه الجزيرة الكورية".
القوة المتنامية للصين وسلوكها الحازم المتزايد في شمال شرقي وجنوب شرقي آسيا هو عامل آخر يدفع عجلة إعادة التنشيط الأممية.
قال كيم دونج يوب، القائد البحري السابق والأستاذ في معهد دراسات الشرق الأقصى في جامعة كيونجنام: "من مصلحة الولايات المتحدة الحفاظ على نفوذها في شبه الجزيرة الكورية، وفي الوقت نفسه إبقاء الصين ضمن رصد شبكتها".
في أعقاب الحرب الكورية مباشرة، كان لقيادة الأمم المتحدة نحو مليون جندي تحت قيادتها، مع جنود من كولومبيا وإثيوبيا.
في العقود التالية، حلت قوات الولايات المتحدة في وظيفة الأمم المتحدة في كوريا الجنوبية، كحصن ضد العدوان الكوري الشمالي، واليوم يركز عدد ضئيل من ضباط الأمم المتحدة المتخصصين على الإشراف على اتفاق الهدنة بين الكوريتين.
ومع ذلك، ما زالت عملية إعادة تنشيط الهيئة تلقى بعض المقاومة في كوريا الجنوبية.
وكما كتب شون كريمر، عقيد في الجيش الأمريكي، في تموز (يوليو) الماضي، في المجلة الدولية للدراسات الكورية: "رد كوريا الجنوبية الفاتر على إعادة التنشيط يمكن أن يعزى إلى مخاوف واسعة النطاق حول السيادة الوطنية، وتصورات بعدم فعالية القيادة، والارتباط السلبي في الأذهان لمصطلح "إعادة التنشيط".
يقول كريمر إن مصطلح "إعادة التنشيط" له دلالة سيئة في كوريا الجنوبية، حيث إن الترجمة - يوشين - تثير ذكريات "إصلاحات يوشين" الاستبدادية للدكتاتور الكوري الجنوبي السابق بارك تشونج هي.
وقال إيوان جراهام، وهو زميل أعلى في معهد لوي: "يجب أن تكون إدارة مون مفتوحة لقيادة الأمم المتحدة، باعتبارها منسجمة مع جهودها الدبلوماسية لتحديد الشركاء الأمنيين على نطاق أوسع، بما في ذلك أستراليا والمملكة المتحدة وكندا". "هذه هي الطريقة التي ينبغي أن تُقدم فيها عملية إعادة التنشيط التي تقوم بها قيادة الأمم المتحدة لسيئول، على اعتبار أنها بدورها ذات أهداف دبلوماسية واستراتيجية أوسع. وأظن أن الصين ستعارض أيضا الدور الموسع لقيادة الأمم المتحدة لأسباب مماثلة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES