محاطة بالفضيحة .. مصارف الهند تنتقم من تجارة الألماس

محاطة بالفضيحة .. مصارف الهند تنتقم من تجارة الألماس

في طابق بعد طابق من المقر الرئيسي الرمادي المرتفع لشركة دارماناندان دايموندز في وسط سورات، صفوف من العاملين منحنية بتركيز صامت، في الوقت الذي توجّه فيه ما يساوي ملايين الدولارات من الأحجار الكريمة الصغيرة، من خلال عملية قاسية تستمر شهرين.
يتم فحص كميات متنوعة من الأحجار الخام من كندا أو بوتسوانا من حيث الجودة وتُفحص بدقة قبل تحويلها إلى نسخ رقمية طبق الأصل، يتم التلاعب بها باستخدام برنامج تصوير ثلاثي الأبعاد، للعثور على الطريقة الأكثر ربحاً لتقطيع كل واحدة منها.
بعد قطعه باستخدام أشعة الليزر بدرجات حرارة تزيد على ألفي درجة مئوية، يُصقل الألماس أخيراً بشكله البرّاق المألوف، ويُمسَك به باليد على قرص صقل يدور بسرعة كبيرة، بحيث يبدو أنه لا يتحرك للعين المجردة.
في وقت تسعى فيه الهند إلى تعزيز الصادرات والتصنيع، ينبغي أن تكون صناعة الألماس فيها مصدراً للفخر والتشجيع. وفقاً للشركة الاستشارية، باين آند كومبني، أكثر من 90 في المائة من ألماس العالم المُستخدم في سوق المجوهرات العالمية، من حيث القيمة يتم قطعه وصقله في الهند. الجزء الأكبر من هذا هو في مدينة سورات الغربية.
هذا العام، تصدرت الصناعة العناوين الرئيسية لأسباب أقل روعة.
في يوم عيد الحب - عادة ما يكون وقتاً سعيداً للقطاع - اندلعت الأخبار عن واحدة من أكبر عمليات الاحتيال في الهند، التي يُزعم أن مُرتكبها ربما يكون أشهر تاجر للألماس، نيراف مودي.
تُضاف الفضيحة إلى مجموعة من الضغوطات المالية التي تواجه في الأصل صناعة الألماس في الهند – حتى في الوقت الذي تراهن فيه على ارتفاع في الطلب المحلي على عروضها.
الآن يُشير بعض المراقبين إلى ضغوط تمويلية محتملة على القطاع، لأن المصارف تُصبح أكثر حذراً بشأن الإقراض للتجار الصغار.
قال مودي لصحيفة فاينانشيال تايمز العام الماضي "ربما من المفارقات أنني في الواقع لم أضع المجوهرات قط". مع ذلك، حازت تصاميمه الأنيقة على شهرة عالمية، وتباهى بها بشكل منتظم مشاهير مثل كيت وينسلت في حفل جوائز الأوسكار، وظهرت في مناسبات أخرى رفيعة المستوى. شرع مودي في حملة توسع حيوية، من خلال فتح متاجر في عقارات باهظة الثمن من بوند ستريت في لندن إلى مارينا باي ساندز في سنغافورة.
مع ذلك، وفقاً لبنك بنجاب الوطني، شارك مودي في نفس الوقت في عملية احتيال بأحجام هائلة. ويُزعم أنه هو وشركاؤه، الذين يعملون مع عدد قليل من موظفي بنك بي إن بي، حصلوا على ضمانات مصرفية غير مصرح بها كانت تستخدم لتأمين الائتمان من فروع المصارف الأخرى في الخارج. لم يظهر الاحتيال المزعوم إلا بعد تقاعد المسؤول في "بي إن بي" المتهم بالمشاركة.
مودي، الذي هرب إلى لندن وسط المزاعم، ينفي ارتكاب أي مخالفة، لكن متاجره البراقة مغلقة الآن. في الوقت نفسه، فإن موجات الصدمات الناتجة عن سقوطه، انتشرت عبر الصناعة التي احتفلت به فيما مضى باعتباره شخصية رائدة.
في أعقاب الفضيحة، سارعت المصارف للتأكد من أنها محمية بشكل مناسب من مخاطر الاحتيال على نطاق واسع. يقول بيجو باتنيك، رئيس الخدمات المصرفية للأحجار الكريمة والمجوهرات في بنك إندوس إيند، أحد أكبر الممولين للصناعة "عندما تحدث أي صدمة، ينظر كل مصرف إلى داخله ويتساءل: هل يُمكن أن يحدث هذا هنا"؟
هذه لم تكُن الحالة الأولى من نوعها. قبل خمسة أعوام، عجزت شركة وينسوم للألماس والمجوهرات عن سداد قروض بنحو مليار دولار، ما أدى إلى إجراء تحقيق كبير لا يزال مستمراً في إمكانية وجود احتيال.
الحجم غير المسبوق للادعاءات الأخيرة جعل البعض في الصناعة يشعر بالقلق بشأن ضغط مدمر للتمويل.
في الربع الثاني من هذا العام، انخفض الائتمان المصرفي الصادر إلى قطاع الأحجار الكريمة والمجوهرات بنسبة 6.3 في المائة عن الربع السابق، وذلك وفقاً لبيانات البنك المركزي الهندي. يقول مادان سابنافيس، كبير الاقتصاديين في وكالة التصنيف كير "تكلفة التمويل ترتفع بالتأكيد".
ويقول "إن الشركات الأكثر تضرراً هي المتداولون وشركات التصنيع في منتصف الطيف من حيث الحجم. على عكس شركات التجارة غير الرسمية التي تمارس تجارتها في أسواق الألماس الصاخبة في سورات، فهي كبيرة بما فيه الكفاية لتصبح معتمدة على الائتمان المصرفي، لكنها تفتقر إلى السمعة والعلاقات المالية التي تتمتع بها الأسماء الأكبر، مثل دارماناندان".
في المهرجان السنوي لقطاع المجوهرات الهندي في آب (أغسطس) الماضي، تقدم مئات التجار، من كافة أنحاء البلاد والخارج، إلى مركز مؤتمرات مومباي الضخم. أكشاكهم الفخمة أوجدت متاهة مبهرجة من الأحجار الكريمة البرّاقة.
تضمنت الحشود مشاركة غير مسبوقة من المصرفيين، كما يقول كولين شاه، نائب رئيس مجلس الإدارة في مجلس ترويج صادرات الأحجار الكريمة والمجوهرات، هيئة التجارة الرئيسية في القطاع، التي نظمت حدث مومباي.
يقول "في وقت سابق، كل شيء كان على جدول إكسل. الآن يتعرفون على الصناعة - من خلال زيارة المصانع، والنظر إلى الميزانيات العمومية من خلال عدسة مكبرة. أعتقد أنها ستكون جيدة جداً على المدى الطويل".
في الوقت نفسه، كما يقول، الضغوط التمويلية تُلحق الضرر بالصناعة التي كانت تواجه في الأصل مشكلات رأس المال العامل، بسبب تأخير الحصول على الرديات الضريبية بعد إدخال ضريبة الخدمات والسلع الوطنية الجديدة في الهند العام الماضي.
استجاب مجلس ترويج صادرات الأحجار الكريمة والمجوهرات بإصدار نصائح ونداءات عامة للمصارف بعدم الابتعاد عن الصناعة. كما يروّج المجلس لقاعدة بيانات جديدة للمعلومات المالية والتاريخ الائتماني تهدف إلى منح المصارف مزيدا من الثقة بزبائنها من القطاع.
باتنيك من بنك إندوس إيند يحذر من أنه لا ينبغي المبالغة في آثار خوف المصرفيين. يقول "نحن على رأس ائتلاف (مصرفي)، ولم يسبق أن قال أي مصرف مشارك إنه يريد الخروج. هناك نهج حذِر، لكنه يؤثر في الواقع في اللاعبين الهامشيين، أي الذين لديهم مخاطر أكثر مرتبطة بأعمالهم".
الضغوط التمويلية هي مجرد عنصر واحد للتداعيات من فضيحة شباط (فبراير) الماضي. كان أيضاً اندفاعا قويا من الدعاية السيئة لصناعة الألماس التي تحاول إغراء الأُسر الهندية، بعيداً عن تفضيلها التقليدي للمجوهرات الذهبية الخالصة.
يقول ساشين جين، رئيس منطقة الهند للعلامة التجارية الاستهلاكية فورإيفرمارك لمجموعة الألماس دي بيرز "في حفلات العشاء في ذلك الوقت، إذا قلت إنك تعمل في صناعة الألماس ستظهر علامات الاستغراب والاستياء على الوجوه".
لا يزال جين ينظر إلى السوق المحلية كمصدر محتمل للنمو الهائل لهذه الصناعة.
يقول "يبلغ حجم سوق المجوهرات بالكامل نحو 35 مليار دولار في الهند، نعتقد أن الألماس يشكل منها نحو 15 في المائة، وببطء يتحول البندول نحو مجوهرات الألماس".
وجهة النظر هذه تتشاركها شركات مثل دارماناندان: تمثل المبيعات المحلية عُشر أعمالها فقط، لكنها تتوقع أن تزيد هذه النسبة بقوة عندما تتجاوز مبيعات المجوهرات الهندية النمو الفاتر في أوروبا وأمريكا الشمالية.
إضافة إلى كونها علامة على الدخل المتاح المتزايد، يقول جين "إن هذا يُظهر تغييراً في النظرة التقليدية للمجوهرات، مع تركيز أكبر على وظيفتها من حيث التمتع بالأشياء وليس باعتبارها استثماراً".
ويقول "إن مزيدا من الزبائن يتسوقون لشراء المجوهرات الآن وحدهم أو كأزواج، بينما في وقت سابق كانت العائلة بالكامل تأتي للتسوق".
مع ذلك، في فترة ما بعد الظهر أخيراً في سوق المجوهرات الخارجية الصاخبة في سورات، كان المزاج متشائماً بشكل واضح. يجلسون على مقاعد جانب الطريق أو داخل غرف بإضاءة خافتة ذات دهان متقشر، بعد أن وُضعت الأحجار الكريمة الصغيرة أمامهم على صوان مبطنة بالجوخ، اشتكى التجار من الانخفاض الحاد في الأرباح حتى الآن هذا العام.
إلى حد كبير، كما يقولون، هذا كان نتيجة أزمة الإنتاج من قِبل عمال المناجم. هذا أدى إلى ارتفاع تكلفة الألماس الخام المستورد، لكنهم يلقون باللوم أيضاً على تهديد أكثر خطورة على المدى الطويل للصناعة: زيادة شعبية الألماس المزروع في المختبرات. هذه الأنواع متوافرة بتكلفة أدنى بكثير من الألماس الطبيعي. فضيحة شباط (فبراير) الماضي، زادت من الألم بشأن هذا الاتجاه بعد أن ظهرت مزاعم أن أحد المتآمرين ضحك على زبائنه، وباعهم أحجارا اصطناعية باعتبارها أحجارا طبيعية.
يقول راميش راماني، التاجر البالغ من العمر 62 عاماً الذي يقول إن أرباحه انخفضت بنحو 40 في المائة في العام الماضي "يخاف الناس من شراء الألماس في حالة انتهى بهم الأمر بأحجار اصطناعية. إذا استمرت الأمور على هذه الحال، ربما أجد نفسي مضطرا للتفكير في العودة إلى الزراعة".

الأكثر قراءة