17 مليون عاطل عن العمل يهددون مستقبل النمو الأوروبي

17 مليون عاطل عن العمل يهددون مستقبل النمو الأوروبي

ربما يكون ارتفاع معدلات البطالة في أوروبا خاصة بين الشباب أحد أخطر تداعيات الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008، التي تحولت في مرحلة لاحقة إلى أزمة اقتصادية لا تزال تقض مضاجع عديد من بلدان الاتحاد الأوروبي خاصة منطقة اليورو.
واليوم بعد مرور عقد تقريبا على الأزمة الاقتصادية، لا تزال معدلات البطالة، على الرغم من تراجعها مرتفعة للغاية في عديد من بلدان الاتحاد الأوروبي، ما يهدد استمرارية النمو في المستقبل. فالأرقام الرسمية تشير بشكل متزايد إلى تباطؤ اقتصادي يرجعه المختصون إلى مجموعة متشابكة من العوامل تعد البطالة من بينها إن لم تكن في مقدمتها.
فالتقديرات الراهنة تشير إلى أن معدل البطالة في الاتحاد الأوروبي بلغ 6.8 في المائة في تموز (يوليو) الماضي مقابل 7.6 في المائة من ذات الفترة من عام 2017.
أما في منطقة اليورو فبلغ 8.2 في المائة في تموز (يوليو) مقارنة بنحو 9.1 في المائة خلال نفس الفترة من العام الماضي، وهناك نحو 17 مليون عاطل عن العمل في أوروبا حاليا.
ورغم ارتفاع معدل البطالة الأوروبي مقارنة بالولايات المتحدة على سبيل المثال، فإن ما وصل إليه الاتحاد الأوروبي حاليا يعد أدنى معدل يبلغه منذ عام 2009 عندما لامس معدل البطالة في بعض البلدان مثل اليونان وإسبانيا والبرتغال حدود 25 في المائة، ويبلغ المتوسط العام للبطالة في التكتل الأوروبي في 2013 ما يقارب 12 في المائة.
ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور جيرالد هارولد أستاذ الاقتصاد الأوروبي، "إن معظم دول الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو لا تزال بعيدة عن معدلات البطالة المسجلة قبل الأزمة المالية، ومع ذلك، فإنه من المتوقع أن تعود معدلات البطالة إلى مستواها السابق للأزمة المالية مستقبلا، لكن هذا هو الاتجاه العام، وسيختلف المشهد من دولة أوروبية إلى أخرى، ففي ألمانيا يتوقع أن ترتفع البطالة مع دخول اللاجئين إلى سوق العمل".
ويضيف هارولد، أن "أكثر الجوانب إثارة للاهتمام يتمثل في تفاوت معدلات البطالة بين البلدان الأوروبية، فالبلدان الشيوعية السابقة نجحت في خفض معدلات البطالة إلى مستويات منخفضة للغاية، على الرغم من الألم الذي لحق بعملية التحول من الاقتصاد المركزي إلى اقتصاد السوق، وهذا النجاح يعني أن البلدان الشيوعية تكيفت بشكل جيد مع التحول الاقتصادي".
ومع هذا، فإن مشهد التوظيف في أوروبا عموما والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص يطرح تساؤلات لا تزال تبحث عن أجوبة، فعندما اندلعت الأزمة الاقتصادية توقع المختصون أن تؤدي الأزمة وارتفاع معدلات البطالة إلى خروج إيرلندا والبرتغال واليونان وإسبانيا وإيطاليا من منطقة اليورو وأن تعلق عضويتها في الاتحاد الأوروبي. لكن اليوم، يبدو المشهد والتوقعات مختلفين تماما، فالبطالة في إيرلندا تقف عند حدود 5.3 في المائة، والبرتغال 7.3 في المائة، وهو ما دفع لشبونة إلى الطلب من الممرضات والعمال البرتغال في بريطانيا العودة بهدف تعويض نقص العمالة في بعض القطاعات.
ويطرح الدكتور روبرت استيورت الاستشاري السابق في منظمة العمل الدولية، وجهة نظره بهذا الشأن لـ "الاقتصادية"، قائلا "يلاحظ أن بلدان مثل اليونان وإسبانيا وايطاليا لم تفلح في خفض معدلات البطالة لديها بخلاف النجاحات التي حققتها إيرلندا والبرتغال".
ويضيف استيورت أنه "يمكن الجزم بشكل قاطع بأنه لا توجد علاقة بين طبيعة التوجهات الحكومية والبطالة، فإسبانيا كان يحكمها الاشتراكيون حتى عام 2012، ثم يمين الوسط ثم الاشتراكيون، ومع هذا ظلت البطالة مرتفعة، واليونان تحولت من اليمين إلى أكثر الحكومات يسارية في أوروبا، ولا تزال البطالة تتجاوز حدود 22 في المائة، كما أن التفسير الشائع بأن الحكومات اليمنية الشعوبية تظهر نتيجة البطالة محل شك أيضا، فأعلى سجلات توفير الوظائف في أوروبا توجد في المجر وبولندا والنمسا وسلوفاكيا والتشيك وجميعها صوت الناخبون فيها لحكومات مناهضة للأجانب".
ويستدرك قائلا، "إن المشكلة تكمن في اليورو، فالاقتصادات الأوروبية كانت على درجات غير متساوية من إمكانية استيعاب تخليها عن عملتها الوطنية للانضمام إلى منطقة اليورو، فعديد من الاقتصادات الأوروبية لم تكن مهيأة للانضمام إلى منطقة اليورو، وعندما انضمت لمنطقة اليورو ونتيجة لتدفق الاستثمارات الأوروبية عليها، حظيت بحالة من الانتعاش الاقتصادي، أسهم ذلك في استيعاب كثير من الأيدي العاملة، لكن مع بروز الأزمة الاقتصادية عام 2008، وتبني أوروبا سياسة انكماشية تحت ضغط الحكومة الألمانية، لم تعد الاستثمارات الأجنبية وتحديدا الأوروبية تتدفق على تلك الدول، بل على العكس بدأت رؤوس الأموال في الانسحاب والتوجه إلى بلدان مثل تركيا والصين وجنوب شرق آسيا، وهنا رفع الغطاء عن تلك الاقتصادات وظهرت قوتها الحقيقية، وأنها لم تكن مستعدة بعد للانضمام إلى منطقة اليورو، وهذا ما يفسر أن السياسات المالية التي أوصى البنك المركزي الأوروبي بتنفيذها لم تحقق ذات النتائج فيما يتعلق بالتوظيف، في جميع بلدان الاتحاد الأوروبي خاصة منطقة اليورو التي تم تطبيقها فيها".
وإذا كان البعض يلقي باللائمة في مشكلة البطالة في أوروبا على اليورو، فإن البعض الآخر يرى أن الخطر الكامن يتمثل في ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب على الرغم من انخفاض النسبة الإجمالية للبطالة.
فمتوسط البطالة بين الشباب في الاتحاد الأوروبي على الرغم من تراجعها لا تزال شديدة الارتفاع، ووفقا لآخر إحصاء رسمي في تموز (يوليو) الماضي بلغ المتوسط العام 14.8 في المائة.
وبالطبع فإن تلك النسبة تختلف من دولة أوروبية إلى أخرى بشكل ملحوظ، ففي اليونان إسبانيا بلغت 33.40 وإيطاليا 30.80 في المائة بينما في المانيا 6.20 في المائة وهولندا 7.70 في المائة، وفي فرنسا 20.40 في المائة والمملكة المتحدة 11 في المائة.
وتعتقد إيمي جراهام الباحثة الاقتصادية أن خطورة ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب ستكون لها انعكاسات على مستوى النمو في أوروبا على الأمدين المتوسط والطويل.
وتضيف لـ "الاقتصادية"، أن "وجود مجموعة كبيرة من الشباب الذين يعانون فك الارتباط طويل الأجل مع سوق العمل ليس مجرد خطر على المجتمع فحسب، لكنه خطر على الفرد وعلى التنمية. فربع العاطلين عن العمل بين الشباب الأوروبي عاطلون عن العمل لمدة تتجاوز العام، وكلما طالت فترة البطالة فاتت الفرص لتطوير المهارات والانسحاب من قوة العمل، وهذا يعوق القدرة على الاستجابة للتطورات الحديثة في عملية الإنتاج".

الأكثر قراءة