في اليابان .. «سوروجا جيت» تشل القطاع المصرفي

في اليابان .. «سوروجا جيت» تشل القطاع المصرفي
في اليابان .. «سوروجا جيت» تشل القطاع المصرفي

على طول شارع خلفي مأهول بالسكان غربي طوكيو، تم تعليق شعار شركة غير موجودة - جمعت على عجل لإخفاء جذور أكبر أزمة مصرفية تشهدها اليابان منذ سنوات - بجوار باب بناية مؤلفة من عدد من الشقق "المشتركة" "حيث يحصل كل ساكن على غرفة خاصة، فيما يشترك المستأجرون في الصالة والمطبخ وغرف الاستحمام" المخصصة لمن وصل حديثا إلى المدينة الكبرى.
عملية التمويه فاشلة والحيلة غير ناجحة. لقد فشلت المساكن المشتركة التي من هذا القبيل فتحولت إلى فضيحة مالية على مستوى اليابان، وأصبحت سمعة أكبر نجاح مصرفي في اليابان خلال العقود الأخيرة في حالة يرثى لها، وهو ما يلقي بظلاله على قطاع خسر بالأصل معركة ضد أسعار الفائدة السلبية.
الاضطرابات التي تعرض لها بنك سوروجا - الذي قال تقرير مستقل نشر الأسبوع الماضي إنه مليء بالتنمر المكتبي وأنشطة الاحتيال وأهداف المبيعات المستحيلة - عملت أيضا على إحياء تساؤلات حول قطاع شركات، لم يُظهِر بعد أنه استوعب الدروس المستفادة من الأزمات التي تعرضت لها شركات توشيبا وكوبي ستيل وتاكاتا.
وحيث إنه تم إشغال جزء صغير من الشقق التي أنشئت على مدى السنوات الثلاث الماضية لشابات الألفية الجديدة، فإن شركة سمارت ديز، مشغلة العقارات التي تقف خلف مئات مشاريع المساكن المشتركة في طوكيو، تقدمت بطلب لإعلان إفلاسها في نيسان (أبريل) الماضي.
عدد غير معروف من قروض الشراء من أجل التأجير من الباطن التي موّلت البناء أو تحويل المساكن نفسها كان قائما على الاحتيال.
المقترضون، قال أحدهم لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إن تفاصيل الراتب الذي يتقاضاه بولغت بنحو عشرة أضعاف، عندما تقدم للحصول على قرض بقيمة 300 مليون ين "2.7 مليون دولار"، وتبخرت مدفوعات الإيجار "المضمونة" التي وُعد بها، وهكذا قُضي عليهم من الناحية المالية.
صرح مسؤولو القروض في بنك سوروجا للمحامين بأنهم تعرضوا للإيذاء الجسدي والإذلال العلني وتهديدات بالقتل ضد عائلاتهم من قبل رؤسائهم، في الوقت الذي كان يتم فيه تحديد أهداف تزداد صرامة باستمرار.
يبدو أن هذه الأساليب كانت ناجحة: حيث إنه حتى نهاية حزيران (يونيو) من عام 2018، تم استخدام نحو 6.3 في المائة من إجمالي قروض المصرف أو 203 مليارات ين، من قبل مستثمرين أفراد لتمويل شراء وحدات المساكن المشتركة.
قال التقرير الذي نشر حول الفضيحة إن الأخطاء في بنك سوروجا "حصلت كمنظمة وعلى مدى فترة طويلة من الزمن".
نتيجة ذلك، تتعرض المصارف اليابانية لأشد عمليات التمحيص من الأجهزة التنظيمية والمساهمين منذ بداية عهد "برنامج آبي الاقتصادي" قبل ست سنوات. أسعار الأسهم في هذا القطاع ستتأذى كثيرا بسرعة كبيرة، في حال ظهرت لدى المصارف الأخرى أي بوادر على أنها تتبع النهج الذي سار عليه بنك سوروجا، في شأن قروض تأجير العقارات.
انخفضت أسهم "تاتيرو" منصة لإدارة الشقق، ووصلت إلى الحد المفروض على مستوى التداول اليومي على مدى ثلاثة أيام متتالية هذا الشهر، عقب الكشف عن أنها زورت وثائق مستخدمة في طلبات القروض.
تلك المخاوف وموجة البيع الكبير الأخيرة ربما تكون "مفرطة نوعا ما"، بحسب ما قال كين تاكاميا، محلل المصارف لدى وكالة نومورا. وأشار إلى أن هنالك مخاطر من أنه، في أعقاب أزمة "سوروجا"، "يمكن أن يؤدي تأكيد السلطات على الأقسام التي تركز على ما فيه أفضل مصلحة للعملاء، إلى ارتفاع في تكاليف الأعمال المكتبية، وأن قيمة القروض الجديدة في بعض المؤسسات المالية الإقليمية يمكن أن تنخفض أكثر من قبل".
حتى من دون انتشار العدوى بشكل كبير، كشفت الأزمة التي تعرض لها بنك سوروجا، أيضا عن الصعوبة البالغة التي تواجهها المصارف، التي تسعى إلى جني الأرباح في سوق اليابان المحلية.
تفهم المستثمرون منذ فترة طويلة أن المصارف اليابانية يمكن أن تتأثر بسبب سياسة أسعار الفائدة المنخفضة للغاية من بنك اليابان. نحو 39.1 في المائة من الأسهم المدرجة في مؤشر توبيكس، يتم تداولها بمستوى دون القيمة الدفترية الملموسة، والقطاع المصرفي مسؤول بشكل كبير عن هذا الجو الكئيب.
ما جعل بنك سوروجا مميزا عن باقي المصارف هو أنه في الوقت الذي كانت فيه المصارف الأخرى - ولا سيما العملاقة أمثال متسوبيشييوإف جي، وميزوهو، ومجموعة سوميتومومتسوي المالية - تدَّعي الإخلاص والعلم بشأن الاستثمار في التكنولوجيا، أنفق بنك سوروجا بشكل كبير وحوَّل نفسه إلى قائد للصناعة فيما يتعلق بالربحية.
يقول المحللون إن الوضع الفوضوي والمعقد للمساكن المشتركة يهدد بالقضاء على الآمال بأن في وسع المصارف، الابتكار أو إصلاح نفسها على نحو يمكِّنُها من الخروج من حالة التراجع المستمرة منذ فترة طويلة.
الجمعة الماضية، استقال خمسة من كبار التنفيذيين في المصرف، بمن فيهم رئيس مجلس الإدارة والرئيس، عقب التحقيقات، التي توصلت إلى وجود تزوير "واسع النطاق" في طلبات الحصول على قروض تتعلق ببرامج المساكن المشتركة.
يتوقع المحللون أن تعلن وكالة الخدمات المالية في اليابان في غضون الأسابيع الأربعة المقبلة عن أمر بتحسين الأعمال التجارية، وتفرض عقوبة إدارية تراوح ما بين طلب بإجراء تحديثات منتظمة أو التعليق التام للأعمال.
هذه نهاية مؤسفة لقصة استحوذت بشكل مبرر على مخيلة المستثمرين، وفقا لبريان ووترهاوس، محلل مصارف مخضرم. كتب في تقرير مقدم إلى منصة البحوث سمارت كارما: "كان انهيار المصرف مزيجا ذميما تماما من انعدام السيطرة، وانعدام الإشراف، والافتقار إلى الحوكمة، والافتقار إلى الرعاية الائتمانية. هذا لم يحدث نتيجة الافتقار إلى الرؤية".
كانت أسهم بنك سوروجا تباع بشكل مستمر مقابل علاوة بسبب النهج المختلف لدى المصرف - الابتكار في الإقراض والتكنولوجيا مع التركيز على المنتجات المالية الاستهلاكية الأكثر تطورا - وفجوة الأداء الضخمة التي أنشأها المصرف في الصناعة. استنادا إلى نسبة السعر إلى القيمة الدفترية، كان يتم تداول أسهم المصرف بمستوى أعلى بنسبة لا بأس بها عن متوسط القطاع المصرفي منذ أكثر من 19 عاما.
على مدى السنوات الأربع الماضية، أصبح التناقض بين بنك سوروجا ومنافسيه صارخا للغاية، بحيث تدافع عليه المساهمون، خاصة الأجانب منهم، على اعتبار أنه المثال الوحيد لمصرف ياباني قادر على التفوق على نظام أسعار الفائدة الصفرية من بنك اليابان. صافي هامش الإقراض لديه "الذي يُعرَّف بأنه عائدات القروض ناقصا التكلفة الفعلية لمتوسط إجمالي الأموال" سجل ذروة بلغت 3.77 في المائة في نهاية آذار (مارس) الماضي، تماما قبل خروج فضيحة المساكن المشتركة إلى الأضواء.
يتمتع بقية القطاع بمتوسط 1.25 في المائة، في حين يحظى مصرف مُدار جيدا مثل تشيبا بانك بهامش 0.98 في المائة.
وفقا للمستثمرين، كانت إحدى المشاكل الأساسية التي يعانيها بنك سوروجا هي أنه في الوقت الذي عملت فيه استثمارات تكنولوجيا المعلومات المتطورة في المصرف على خفض تكاليف الائتمان، وحالات الإعسار عن سداد القروض، إلا أنها أدت إلى ارتفاع في تكاليف التشغيل. ولم يكن هذا أمرا ملحوظا طالما كان نمو القروض مرتفعا، لكن عندما تباطأ النمو، اعتمدت الإدارة استراتيجيات أكثر نشاطا وقوة.
قال أحد مقترضين من بنك سوروجا، يدَّعون أن بياناتهم المالية تم تضخيمها بشكل احتيالي، عندما تقدموا بطلبات الحصول على قروض لشراء المساكن المشتركة: "الناس مثلي هم السبب في مواصلة أسهم سوروجا الارتفاع".
"أعتقد أنه عندما بدأ المصرف تقديم القروض، كان صادقا في ذلك، لكن الضغوط التي تعرض لها أصبحت كبيرة فوق الحد. يتعين على اليابان الإجابة على سؤالين: لماذا كان هناك مصرف واحد هو سوروجا، وكيف انتهت به الحال إلى أن أصبح مستميتا إلى هذه الدرجة؟".

الأكثر قراءة