ضعف التنسيق يهدد بتشكل الأزمة التالية .. خارج الرحم

ضعف التنسيق يهدد بتشكل الأزمة التالية .. خارج الرحم

في عطلة نهاية الأسبوع حلت عشرة أعوام على انهيار بنك ليمان براذرز، ما كاد أن يدفع النظام المالي الدولي إلى شفير الانهيار. أثارت الصدمة حدوث ركود عالمي، تمت السيطرة عليه في اللحظة الأخيرة، قبل أن يتحول إلى كساد.
وتسبب في أزمات مصرفية في عشرات البلاد وأدى إلى أزمة السندات في منطقة اليورو، والتقشف والركود. الملايين خسروا وظائفهم ومنازلهم.
بعد عقد من الزمن، النظام المصرفي محمي بشكل أفضل من "العواصف"، على الرغم من أن المخاطر انتشرت في أماكن أخرى.
النمو عاد، والثقة في الاستثمار في الاقتصادات المتقدمة ترتفع، لكن بعض العواقب السياسية والاقتصادية الأعمق للانهيار، لم نشعر بها إلا الآن.
هذه تشتمل على رد فعل عنيف ضد الديمقراطية الليبرالية، والأسواق الحرة والعولمة، التي لم تكن الأزمة مسؤولة عنها فحسب، بل وكانت محفزا لها. ارتفاع نزعة الشعبوية القومية والحمائية لا يخاطر بتقويض التقدم الذي تحقق من حيث الحؤول دون الأزمة المالية فحسب، بل يشكل أيضا تهديدا للنظام المالي والاقتصادي الغربي، لم يتوقعه كثير من الناس في أيلول (سبتمبر) من عام 2008.
عندما يتعلق الأمر بتعزيز النظام المصرفي العالمي الأساسي، يستطيع صناع السياسة تهنئة أنفسهم على عمل تم بشكل جيد. المصارف في معظم الاقتصادات الكبيرة مدعومة اليوم بما يصل إلى عشرة أضعاف الرساميل، أكثر مما كانت قبل عقد من الزمن، وتحمل تمويلا أكثر سيولة بكثير.
يمكن تنفيذ خطط "الوصية الحية" المفصلة المقدمة للمنظمين في الأزمات. وقد تم استحداث "سندات الإنقاذ من قبل المصارف أنفسها"، التي صممت للسماح بالتفكيك المنظم لأي مؤسسة تفشل.
في حين أنه تم تعزيز المصارف، إلا أن الأزمة المالية التالية قد تنشأ من مكان آخر. تشديد الرقابة على المصارف أدى إلى تحول المخاطر– ولا سيما قطاع مصرفية الظل، أي المؤسسات المالية غير المصرفية التي تقوم بأعمال المصارف، من الإقراض إلى صناعة السوق.
مديرو الأصول، وصناديق التحوط وشركات التأمين تحمل الآن أيضا أنواع المخاطر التي كانت حكرا على المصارف. وتصبح شركات التكنولوجيا أيضا من اللاعبين الماليين النظاميين. لم يخضع صناع السياسة أيا من هؤلاء المنافسين للمعايير التنظيمية نفسها مثل المصارف.
شدة الضربة التي ستصيب المستثمرين من أي صدمة في السوق، من المرجح أيضا أن تكون أكبر. التغييرات التنظيمية جعلت المصارف أقل رغبة في الاحتفاظ أو شراء كميات كبيرة من الأوراق المالية، بطريقة قد تعمل كعامل امتصاص للصدمات في سوق هابطة.
التداول الخوارزمي المدفوع من الآلات والنمو الكبير للصناديق السلبية التي تتبع المؤشرات، بغض النظر عن الأداء، يمكن أن يؤدي إلى زيادة تأثير انخفاض السوق. علاوة على ذلك، إذا استسلمت المصارف في أي وقت، فقد تشكل خطرا أكبر بكثير مما كان في عام 2008.
بعد عمليات استحواذ في حقبة الأزمة وعقد من النمو، كثير من المؤسسات التي هي "أكبر من أن تفشل" هي اليوم أكبر بكثير. إذا كانت مصارف إتش إس بي سي، أو جيه بي مورجان أو أحد المصارف الصينية الأربعة الكبرى ستقع في مشاكل، فإن التداعيات ستكون غير مسبوقة.
بحسب بعض المقاييس، الأزمة التالية تبدو منذ الآن أنها كان يجب أن تقع قبل فترة. السبب الرئيس للانهيار في العامين 2007 - 2008 - زيادة الديون - أصبح أسوأ.
على الرغم من سياسات التقشف التي تفرضها الحكومات، خاصة في أوروبا، إلا أن مجموع الديون العالمية يبلغ الآن نحو 250 تريليون دولار، أي 75 في المائة أكثر مما كان عندما انهار بنك ليمان.
السياسات النقدية المتساهلة للغاية والتسهيل الكمي كانت بالتأكيد مبررة للمساعدة في إصلاح الميزانيات العمومية للمصارف، وتحفيز النشاط الاقتصادي، لكنها زادت من مشكلة الديون.
لقد استخدم سعر فائدة منخفض لتشجيع المستثمرين على الأصول ذات العوائد والمخاطر المرتفعة، ما أدى إلى تضخيم فقاعات جديدة. أسواق الأسهم تنحو إلى مستويات قياسية. أسعار العقارات في المدن العالمية الرئيسة تسجل مضاعفات قياسية لدخول السكان.
دون التعامل الحذر من قبل المصارف المركزية، فإن التطبيع المتأخر للسياسة النقدية – إنهاء برنامج التسهيل الكمي وأسعار الفائدة المرتفعة – يخاطر بتفجير تلك الفقاعات. كما تتزايد المخاوف بشأن حدوث أزمة في الأسواق الناشئة، حيث الديون تتوسع بشكل حاد. الأمر الذي قد يثير أزمة يمكن أن يكون تمويل الدولار الأكثر كلفة، أو الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. علاوة على ذلك، لا تزال بنية العملة الموحدة في أوروبا بعيدة تماما عن كونها مكتملة.
موجة الشعبوية القومية التي انتشرت عبر البلدان الغربية، التي جسدها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالدرجة الأولى، تشير إلى عواقب الأزمة الأوسع على المدى البعيد.
كان انهيار بنك ليمان سببا في توجيه ضربة قوية إلى النخبة السياسية ونخب الأعمال، غير المستعدة بشكل واضح لما حدث.
نال صناع السياسة والقادة الماليون القليل من الفضل الشعبي بسبب تجنب الكساد. يعد الناخبون أن الذين تسببوا في الأزمة ضمنوا أنهم تجنبوا العواقب، فيما تظل حقائب رواتبهم الضخمة سالمة، لم تمس، قط.
بدلا من ذلك، شعر الناس العاديون أن الثمن وقع عليهم. أعوام من ارتفاع عدم المساواة أوجدت منذ فترة مجموعات من المواطنين "المهملين". بعد أن انضم إليهم ضحايا الانهيار وآثاره، شكلوا مجموعة حاسمة من الناخبين الساخطين.
يشعر بهذا الاستياء الآن بأنه تمرد من قبيل "نحن ضدهم" ضد النخب السياسية والتجارية. ينظر إلى نظام الديمقراطية الليبرالية واقتصاديات السوق الحرة من قبل أقلية كبيرة في الاقتصادات المتقدمة، بأنه نظام يدار لمصلحة أصحاب الشأن من ذوي العلاقات الجيدة.
تدفق اللاجئين إلى أوروبا من الشرق الأوسط في عام 2015 وفر مزيدا، بشكل مناسب، من أكباش الفداء. هنا تكمن جذور الولايات المتحدة برئاسة ترمب، وبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، والمجر برئاسة فيكتور أوربان، وارتفاع الشعبوية من سلوفينيا إلى السويد.
هذا يثير مخاطر متعددة. من المفارقة أن النزعة القومية والحمائية تدمران نظام التعاون الدولي، الذي ساعد في احتواء آخر أزمة مالية. هذا يمكن أن يجعل عواقب الأزمة التالية حتى أكثر خطورة من قبل.
علاوة على ذلك، يهدد الهروب إلى التطرف بتقويض الديموقراطية القائمة على السوق، بينما تم الكشف عن مآزقها بشكل وحشي في عام 2008، على الرغم من أنها قد أدت إلى تحقيق السلام وزيادة الازدهار العام في الغرب لمدة ستة عقود. يجب على الأحزاب الوسطية الآن إيجاد طرق فعالة للتعامل مع مخاوف الناخبين.
هذا لا يعني مضاعفة الجهود لكبح المخاطر المالية فحسب، بل يجب على الأحزاب "الأساسية" أخذ عدم المساواة على محمل الجد، ومعالجة الأسباب الأعمق لخيبة الأمل. كما ينبغي أن تتأكد الحكومات من فرض الضرائب على الأغنياء بشكل عادل، والحد من التجاوزات، مثل أجور المسؤولين التنفيذيين الهائلة، وتجنب ضريبة الشركات. كما ينبغي أن تستثمر أكثر في المصالح العامة، والخدمات، والبنية التحتية، وفي تزويد المواطنين بالمهارات التي يحتاجون إليها للتعامل مع العولمة والتغير التكنولوجي السريع.
إذا تمكن السياسيون في التيار السائد من إظهار نجاح سياساتهم، على عكس العلاجات الزائفة التي روجها المتمردون السياسيون، فإن لديهم فرصة في استمالة الناخبين.
إما إذا لم يفعلوا، فسيتفوق عليهم الشعبويون اليوم – أو من هم أسوأ من الشعبويين الذين يربضون الآن في الهامش "ربما العنصريون".
هذه هي المعركة السياسية الأساسية لعصرنا. الخطر هو أن الكارثة المالية المقبلة، ربما تضربنا حتى قبل أن نبدأ الاستعداد للمعركة، ناهيك عن الأمل في كسبها.

الأكثر قراءة