خيارات السياسة الصينية بالغة الأهمية للاستقرار المالي العالمي

خيارات السياسة الصينية بالغة الأهمية للاستقرار المالي العالمي

المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي قال ذات مرة إن أمريكا عبارة عن كلب كبير ودود في غرفة صغيرة جدا، وفي كل مرة يهز فيها ذيله يقلب كرسيا. لو عاش ليشهد أمريكا التي يرأسها دونالد ترمب لما وصف الكلب بالود. وكان سيلاحظ وجود وحش كبير آخر في الغرفة اسمه الصين.
صانعو السياسة في هذين البلدين هم من بيده مفتاح التقلبات في الأسواق العالمية في الأشهر المقبلة. وثمة سؤال مهم هو ما الشكل الذي ستكون عليه الصين الصديقة للأسواق.
منذ أن بدأت في فتح اقتصادها عام 1978، أسهمت البلاد بشكل كبير في النمو العالمي، وإن لم يكن دائما بطرق حميدة. سياسة سعر الصرف التجاري التي كان هدفها الحفاظ على عملة منخفضة القيمة ساعدت في إيجاد الاختلالات العالمية التي وفرت زخما للأزمة المالية. ومع ذلك، لا ينسب سوى قليل جدا من الفضل لبكين، خاصة في الولايات المتحدة، لإصدارها أول مجموعة حوافز كبيرة لمواجهة الاضطراب.
فضلا عن زيادة الإنفاق العام، اتكأت الحكومة على المصارف الأربعة الكبيرة المملوكة للدولة، التي وسعت ميزانياتها العمومية من 98 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2007 إلى 109 في المائة بحلول عام 2010. والأرقام المعادلة للمصارف الصغيرة المملوكة للدولة التي تعمل بشكل رئيس في المناطق – هذه الأرقام مأخوذة من أحدث تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن آفاق الأعمال والتمويل – زادت من 82 في المائة عام 2008 إلى 103 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2010.
هذا، إلى جانب مساهمة نظام مصرفية الظل، أدى إلى نمو الطلب المحلي الحقيقي خلال الفترة من أواخر عام 2008 إلى أوائل عام 2010، بما يقارب 20 في المائة في خضم ازدهار استثماري ضخم صممه مقترضون تابعون للدولة. وبالرغم من أن الصين صممته لمصلحتها، إلا أنه قدم حافزا هائلا للعالم أجمع. لاحظ أيضا أنه في أعقاب الأزمة، توقف بنك الشعب الصيني عن تخفيض قيمة الرنمينبي.
واليوم هناك قلق متزايد بين المستثمرين الدوليين لأن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الصين تجاوزت 270 في المائة، في حين أن الميزانية الإجمالية لنظامها المصرفي تعاني نقصا في الرسملة يصل إلى 310 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أو 387 في المائة إذا تم إدراج النشاط خارج الميزانية العمومية في قطاع مصرفية الظل. هذه أرقام قوية.
في الواقع، المصارف الصينية ذات الأهمية النظامية على المستوى العالمي هي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي تشكل كتلة أكبر من تلك التي في الولايات المتحدة. وتشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن حجم النشاط خارج الميزانية العمومية، كحصة من الاقتصاد، أكبر من التوريق الذي لعب دورا كبيرا في أزمة 2007 / 2008.
أسواق الصين مترابطة بشكل وثيق. وبما أن أسعار الفائدة لا تحددها السوق، فهناك مجال كبير للمراجحة التنظيمية. هناك أيضا افتراض بين المستثمرين مفاده أن منتجات إدارة الثروات التي يولدها نظام الظل المصرفي ستضمنها الدولة في حالة حدوث مشكلة. إطار العمل هذا، الخطر أخلاقيا، يشجع على المخاطرة المفرطة. وفي الوقت نفسه، القروض المتعثرة آخذة في الازدياد.
بالتالي، لدى النظام نقاط ضعف واضحة. مع ذلك، المخاوف من الضرر الذي يمكن أن تلحقه أزمة مالية صينية بالاستقرار المالي العالمي قد تكون مبالغا فيها. فلا يزال النظام المالي مغلقا إلى حد كبير بالديون المملوكة أساسا للصينيين أنفسهم. ولا يزال لدى الحكومة قدرة مالية كافية لإعادة رسملة المصارف. كما كانت السلطات واثقة في سعيها لاتخاذ تدابير لتقليص الرفع في النظام المالي.
إن تهديد الاستقرار المالي الحقيقي للعالم الخارجي هو تهديد غير مباشر ناجم عن تأثير الأزمة المالية على معدل النمو الاقتصادي في الصين. ونحن نشهد بالفعل تأثيرا غير مباشر من برنامج تقليص الرفع المالي. وتسهم أزمة ائتمان صينية ناشئة في تشديد السيولة العالمية، تماما في الوقت الذي يرفع فيه الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ويقلص ميزانيته العمومية.
كذلك ساعد الانخفاض الأخير في قيمة الرنمينبي مقابل الدولار بشكل مباشر في تشديد الأوضاع المالية في الولايات المتحدة. ومع تزايد حدة الحرب التجارية يمكن للسلطات الصينية الاعتماد على مواصلة اتباع سياسة إهمال حميدة - على الأقل بالنسبة لهم - للعملة.
هذه أخبار سيئة لدونالد ترمب، لكن ليس بالضرورة للاحتياطي الفيدرالي. ارتفاع قيمة العملة يقدم للبنك المركزي مبررا لإيقاف التشديد في حال واجه اقتصادا متباطئا. بالتالي، تهمة الخضوع لضغط الرئيس لتخفيف السياسة قد لا تكون قوية.
بالنسبة للعالم بشكل عام، قد تكون هناك أيضا أخبار جيدة في الضعف الأخير للبيانات الاقتصادية الصينية. انشغال قيادة الحزب الشيوعي الشديد بالاستقرار يعني أن السياستين المالية والنقدية يمكن أن تعودا إلى التوسع.
لا يزال هناك عدد يفوق الحد من عوامل اللبس حول تراجع البنوك المركزية الكبرى عن السياسة النقدية المتساهلة للغاية على نحوٍ لا يمكن معه تحويل هذا إلى صعود جديد في الأسهم العالمية. لكن فيما يتعلق بالاستقرار المالي هناك سبب لعدم العيش في خوف شديد من أن يهز الكلب الصيني ذيله.

الأكثر قراءة