في ذكرى 2008 .. ظهور خلل كارثي جديد يبدو حتميا

في ذكرى 2008 .. ظهور خلل كارثي جديد يبدو حتميا

منذ 300 عام تقريبا، فعل أحد أذكى البشر على الإطلاق شيئا غبيا جدا. في ربيع عام 1720 تخلص السير إسحاق نيوتن من أسهمه في شركة بحر الجنوب، التي كانت تحتكر تجارة بريطانيا مع أمريكا الجنوبية، مقابل ربح رائع بنسبة 100 في المائة بلغ سبعة آلاف جنيه استرليني. لكن الأسهم استمرت في الارتفاع واشتراها السير إسحاق مرة أخرى تقريبا بثلاثة أضعاف السعر الذي دفعه في البداية. وفي غضون أشهر انفجرت الفقاعة وقضت على "تحويشة عمره" وجعلته يندب حظه ويقول متحسرا "أستطيع حساب حركة الأجرام السماوية، لكن ليس جنون الناس".
مع اقتراب الذكرى العاشرة للأزمة المالية العالمية، من الطبيعي أن نحاول تخمين أين ستحدث الكارثة التالية. يظهر سوء حظ السير إسحاق كيف يمكن حتى لأذكى العقول في التاريخ أن تفشل في الكشف عن السبيل الذي يوصل إلى المال – إلى جانب شهرته العلمية، كان أيضا رئيسا لدار سك العملة الملكية أثناء فقاعة بحر الجنوب.
بالطبع، توجد استثناءات، لكن عادة ما يكون معظم المتنبئين أكثر بقليل من كونهم متشائمين محترفين، يحذرون على الدوام من حدوث انهيار ويزعمون الاستبصار عندما تقع الكارثة في نهاية المطاف. من المهم أيضا أن نتذكر أن الأزمات التي بحجم كارثة 2008/2009 نادرة بصورة استثنائية.
بعض المتنافسين على حمل لواء الأزمة التالية يبدون واضحين: استمرت البلدان والشركات في جمع مزيد من الديون، وشرعت البنوك المركزية في سحب حوافزها النقدية. يمكن للتباطؤ الاقتصادي في الصين أن يتحول إلى انهيار. ولا تزال السياسة الأوروبية تبدو محفوفة بالمخاطر. وربما تتصاعد التوترات التجارية إلى حرب تجارية عالمية كاملة.
لكن جميع هذه الأمور تندرج في فئة "المجهول المعروف"، بينما الصدمات المالية الحقيقية تميل إلى أن تكون شيئا غير متوقع، ناتجا عن عوامل متفاوتة تتفاعل بطرق غير متوقعة، وتتفاقم بسبب الفهم المنعزل.
فكر في الأزمة الأخيرة. كان بإمكان خبراء العقارات رؤية فقاعة إسكان - بلغت الأسعار في الحقيقة ذروتها في عام 2006 ـ قبل فترة لا بأس بها من انفجار الأزمة. لكنهم لم يدركوا تماما كيف أن التوريق المالي أحدث ثورة في سوق القروض. كذلك لم يدرك المصرفيون والمستثمرون - أو لم يهتموا - إلى أي مدى تآكلت معايير التأمين، في حين غفل صناع السياسة عن كيف يمكن للاقتصاد المالي أن يدمر الاقتصاد الحقيقي.
هذا أمر طبيعي. الاقتصاد العالمي، كما يصفه العلماء، هو "نظام معقد" كالدماغ البشري، أو النظام البيئي للأدغال، أو مصنع نووي، أو العالم المادي بأكمله. في الحقيقة، سواء ربطنا بشكل مباشر أو غير مباشر جميع البشر على الكوكب في شبكة واحدة، يمكن القول إن الاقتصاد هو النظام الأكبر والأكثر تعقيدا الذي نعرفه خارج عالم الفيزياء.
لكن من الصعب فهم الأنظمة المعقدة، فهي هشة بطبيعتها. يمكن أن تتفاعل سلسلة من حالات الفشل الخاصة الصغيرة مع بعضها بعضا وتتحول إلى كارثة. مثلا، الكارثة النووية في ثري مايل آيلاند عام 1979 نتجت عن السباكة السيئة، وصمام عالق، وضوء مؤشر غامض. فأين توجد الصمامات السيئة، والمؤشرات التي تومض، والسباكة المسدودة للأسواق المالية اليوم؟
بالنسبة لي، تكمن الإجابة المرجحة بصورة أكبر في التفاعل بين التنظيمات التي تلت الأزمة، والتحولات التكتونية في المشهد الاستثماري، والبنية التحتية للسوق المجزأة بشكل متزايد، وصعود استراتيجيات التداول الخوارزمي الآلي. بشكل منفصل، هذه معظمها تطورات إيجابية، لكنها بصورة مشتركة تجعل الأسواق أكثر تعقيدا – فهي بالتالي خطيرة. منذ الأزمة المالية تدفقت تريليونات الدولارات من صناديق الاستثمار المشتركة التقليدية إلى الصناديق السلبية، مثل صناديق المؤشرات المتداولة. وتوسع التداول عبر عدد متزايد من الأماكن المتنافسة. وتراجعت المصارف عن الأسواق، لتحل محلها شركات ضليعة في التكنولوجيا لكنها لا تتمتع برأس مال كاف. شركة سيتادل سيكيوريتيز Citadel Securities وحدها تمثل واحدة من كل ست عمليات تداول في سوق الأسهم الأمريكية، بينما يمثل غيرها من شركات التداولات ذات التردد العالي اثنتين أخريين.
في الوقت نفسه، يعتبر المستثمرون "الكميون" الذين يعتمدون على الكمبيوتر، في حالة صعود ويعملون بشكل متزايد على تحديد الاتجاه العام للأسواق. في الواقع، يقدر "جيه بي مورجان" أن تداولات التردد العالي، والمحللين الكميين للأوراق المالية، والصناديق السلبية، والخيارات تمثل الآن نحو 90 في المائة من إجمالي حجم التداولات الأمريكية. هذا الاتجاه متقدم بالفعل في أسواق الأسهم، لكنه ينتشر في عالم الدخل الثابت أيضا. لقد أصبحت مواطن الخلل أكثر شيوعا بالفعل، ووجود خلل كارثي واحد يبدو حتميا.
من المغري دائما أن تكون من معارضي التقدم وتعتقد أن كل شيء كان أفضل في السابق. لكن هذه استجابة خاطئة. إنها ليست دعوة لطي تنظيمات ما بعد الأزمة، أو إلغاء تحسينات الأسعار الحقيقية جدا التي جلبها متداولو التردد العالي، أو إنكار المدخرات الضخمة التي جلبتها ثورة الاستثمار السلبي. هذه كلها تحسينات حقيقية.
يكمن الخطر في كيفية احتكاك هذه الاتجاهات التكتونية ببعضها بعضا. من الصعب رؤية أن هذا يتسبب في حادثة على غرار ما حدث عام 2008، وقد يكون أي تأثير اقتصادي متواضعا. لكن من بين جميع الزلازل المالية المحتملة التي تكمن هناك، يحظى هذا بأقل تقدير.

الأكثر قراءة