FINANCIAL TIMES

«الخليج الأكبر» .. خطة الصين لتعزيز «الطريق والحزام»

«الخليج الأكبر» .. خطة الصين لتعزيز «الطريق والحزام»

الجسر الذي يبلغ طوله 36 كيلومترا، يربط كلا من هونج كونج وماكاو مع مدينة تشوهاي في البر الصيني الرئيسي، وهو واحد من أكثر المشاريع الهندسية طموحا على الإطلاق، حيث إن إنشاءه استغرق 15 سنة على الأقل، وستصل تكلفته إلى 20 مليار دولار.
صممت الحكومة الصينية المشروع العملاق، المقرر افتتاحه أمام حركة المرور على الطرق في الأشهر القليلة المقبلة، لربط هونج كونج وماكاو، المستعمرتين الأوروبيتين السابقتين، على نحو أوثق بكثير بالوطن الأم، من النواحي المادية والاقتصادية والروحية.
وكما يقول يو لي، نائب مدير سلطة الجسر، وهو يشرح العقبات الفنية الكثيرة التي واجهها فريقه الهندسي: "هذا مشروع استراتيجي حيوي لزيادة تعميق برنامج الإصلاح الصيني، وتحسين النمو الاقتصادي للبلاد".
إلى جانب خط سكة حديدية جديد بقيمة 11 مليار دولار يربط هونج كونج بشبكة السكك الحديدية فائقة السرعة في الصين، فإنه يشكل عنصرا حاسما في خطة بكين لدمج المنطقتين شبه المستقلتين، هونج كونج وماكاو، مع تسع مناطق حضرية مجاورة – بما في ذلك الضواحي الكبرى – شنزن وقوانجتشو.
تريد بكين تشكيلها فيما تسميه "منطقة الخليج الكبرى" لمنافسة سان فرانسيسكو ونيويورك وطوكيو كمركز للابتكار والنمو الاقتصادي.
على أن التحديات المتعلقة بدمج هونج كونج، المركز المالي المشحون سياسيا، وماكاو أكثر وجهات القمار ربحا في العالم، في صين الرئيس الصيني تشي جين بينج، هي بالقدر نفسه من التعقيد مثل بناء أطول جسر بحري في العالم في منطقة تضربها الأعاصير بانتظام.
هناك إعلان متحرك أنتجته حكومة هونج كونج يعد بأنه سيكون من "البسيط والمريح" القيادة عبر الجسر إلى ماكاو. أولا، يتعين على السائقين الحصول على ثلاثة تصاريح منفصلة من حكومات هونج كونج وماكاو والحكومة الصينية، وشراء تأمين خاص بالسيارات على البر الرئيسي وماكاو، وتسجيل وثائقهم مع حكومة مدينة تشوهاي، وهي عملية ستستغرق ما لا يقل عن 12 يوم عمل.
هذه العملية المعقدة والطويلة الخاصة بتصاريح القيادة تلخص عمق التحدي الذي يواجه بكين، في الوقت الذي تسعى فيه إلى دمج ثلاثة كيانات سياسية وجمركية مختلفة، مع أنظمتها القانونية المختلفة للغاية ومعدلات ضرائب وضوابط تحكم على الأفراد والسلع ورؤوس الأموال.
يقول أرنولد تشينج، الذي يرأس المكتب الذي يتعامل مع منطقة الخليج الكبرى في شركة جون سواير آند سون John Swire & Son، التكتل الذي يملك شركة كاثي باسيفيك، شركة الطيران الرئيسة في هونج كونج، وسلسلة من العقارات التجارية الأخرى في جميع أنحاء المنطقة: "هذه السياسة تهدف إلى تطوير هذه المنطقة بأكملها في سوق واحدة. إذا كان بإمكاننا تحقيق مزيد من التآزر بين المدن ومزيد من التكامل، يمكننا أن نجعل كعكتنا أكبر وأن تستفيد كل مدينة من ذلك".
جنبا إلى جنب مع مبادرة الحزام والطريق، وهو مشروع رئيس بالنسبة إلى تشي، ترى بكين منطقة الخليج الكبرى ليست مجرد وسيلة لمزيد من التكامل بين هونج كونج وماكاو، التي تم تسليمها من قبل المملكة المتحدة والبرتغال على التوالي في أواخر التسعينيات، بل تأمل بأنها ستكون محركا كبيرا وسريعا للنمو أيضا، في واحدة من أكثر المناطق حيوية من الناحية الاقتصادية في البلاد، وتسريع التحول في جميع أنحاء البلاد من التصنيع والتصدير إلى الخدمات والطلب المحلي.
يغطي مشروع منطقة الخليج الكبرى منطقة تضم نحو 70 مليون شخص، مع اقتصاد يبلغ حجمه 1.5 تريليون دولار، أي أكبر من بلدان في مجموعة العشرين بما في ذلك أستراليا وإندونيسيا والمكسيك.
ويتوقع بنك إتش إس بي سي أن يتضاعف اقتصاد المنطقة إلى 2.8 تريليون دولار بحلول عام 2025.
من أجل إطلاق المرحلة الثانية من النمو، سيتوجب على بكين أن تخفض الحواجز أمام حركة الناس ورأس المال والمعلومات. هذا يبدو صعبا، في الوقت الذي يضيِّق فيه تشي السيطرة على المجتمع والاقتصاد، كما أن الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وضعت صناع السياسة الصينيين في موقف دفاعي.
الفكرة وراء خطة منطقة الخليج الكبرى هي الاستفادة من البنية التحتية والخبرات المثيرة للإعجاب في المنطقة، في مجالات التمويل والتصنيع والتكنولوجيا عن طريق إزالة الحواجز التجارية وتعزيز الأعمال عبر الحدود وإنشاء سوق موحدة في نهاية المطاف.
يقول إدموند وو، أستاذ الاقتصاد في جامعة جنوب الصين للتكنولوجيا في قوانجتشو، عاصمة المقاطعة: "تريد الحكومة استخدام منطقة الخليج الكبرى لسد الفجوة (التكنولوجية) مع الولايات المتحدة واليابان والبلدان المتقدمة الأخرى. هناك ثقافة الابتكار لأن مقاطعة قوانجدونج وشنزن كانتا دائما مهد الإصلاح في الصين".
قوانجدونج، التي تضم تسع مدن رئيسة منخرطة في هذه الخطة، هي ورشة العالم التي صدرت 670 مليار دولار من البضائع العام الماضي، أي أكثر من أي مقاطعة أخرى في الصين. اقتصادها مدفوع من قبل الشركات الخاصة أكثر من أي منطقة أخرى في البلاد، وهي موطن أغلب أصحاب المليارات.
وهي تضم مراكز صناعية مترامية الأطراف مثل دونجوان وفوشان، موطن كثير من مصانع المنطقة، وشنزن، التي هي وادي السيليكون في الصين، وقاعدة لعمالقة التكنولوجيا ابتداء من شركة دي جيه آي DJI الصانعة للطائرات المسيَّرة إلى شركتي إنتاج معدات الاتصالات هواوي وزي تي إي، إلى شركة تنسنت، التي تشغل تطبيق وي تشات WeChat.
تتباهى المنطقة بشبكة لوجستيات مثيرة للإعجاب تضم ثلاثة من أكثر عشرة موانئ ازدحاما بالحاويات في العالم - في هونج كونج وقوانجتشو وشنزن–ومطارات دولية مزدهرة في جميع المدن الثلاث، فضلا عن الجسر الجديد وخطوط السكك الحديدية عالية السرعة.
هونج كونج وشنزن هما من المراكز المالية الرئيسة، حيث جمعت الشركات 29 مليار دولار في بورصتي المدينتين في العام الماضي – وتدفق رأس المال عبر الحدود مدعوما ببرامج ربط الأسهم والسندات التي تم إطلاقها، التي تتيح للمستثمرين في البر الرئيسي الوصول إلى أسواق رأس المال في هونج كونج. والعكس بالعكس.
يشرف على خطة منطقة الخليج الكبرى هان تشينج، عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، الهيئة القيادية العليا للحزب الشيوعي الصيني. دوره يشير إلى الأهمية السياسية للمشروع بالنسبة لبكين ويسلط الضوء على الرغبة في جلب هونج كونج شبه المستقلة، تحت سيطرة أقوى للحزب، فقد أصبحت المعارضة لحكم بكين متجذرة بعمق، في الجزيرة ذات الحكم الذاتي.
نجاح المشروع سيتوقف على أصحاب المشاريع مثل جوزيف تسي، بقدر ما يتوقف على المسئولين المكلفين بدفع التكامل. تسي هو أستاذ اقتصاد من هونج كونج، أسس منذ عامين شركة روبوتات في شنزن تسمى ميتبوت، التي تعمل على تطوير الروبوتات التي يمكن أن تكون بمنزلة زملاء اجتماعيين لكبار السن في الصين، وهي سريعة التقدم في السن.
وهو يرجو أن تقلل الخطة من الحواجز التجارية والضريبية وغيرها من الحواجز الثقافية بين هونج كونج والبر الرئيسي، ما يمكنه من الاستفادة القصوى من مزايا كل مدينة.
ويقول البروفيسور تسي، الذي يتعين عليه مواجهة الطوابير الطويلة على الجوازات أثناء سفره من منزله في هونج كونج إلى شنزن كل أسبوع: "لا يزال هناك كثير من الأمور التي يجب حلها".
يقول الاقتصاديون في بنك إتش إس بي سي إن منطقة الخليج الكبرى هي "مثال قوي على الكيفية التي يؤدي بها تجميع المواهب ورؤوس الأموال والصناعات، إلى زيادة إنتاج القيمة المضافة واستهلاك الوقود لضمان النمو المستدام على المدى الطويل". ويستشهد تشنج من "سواير" Swire بمثال شركة كاثي باسيفيك، الشركة التي يعتقد أنها قادرة على توسيع قاعدة عملائها في قوانجدونج.
البروفيسور تسي يحذر من أن "الشيطان يكمن دائما في التفاصيل"، في الوقت الذي يتحدث فيه عن صراعه مع موظفي المصارف والبيروقراطيين وموظفي الخدمة المدنية في البر الرئيسي. "يقولون إننا نرحب بك - بأفواههم فقط".
كانت مدن منطقة الخليج الكبرى في قلب الثورة الاقتصادية الأولى في الصين الحديثة، عندما حفزت أموال هونج كونج النمو السريع في الصناعة التحويلية في شنزن، بعد أن جعلها دينج كزياو بينج، القائد الأعلى في الصين آنذاك، أول منطقة اقتصادية خاصة في البلاد عام 1980.
غير أن دفع دلتا نهر بيرل، كما تعرف المنطقة أيضا، إلى المستوى التالي سيتطلب إصلاحات أكثر تعقيدا وقد تكون محفوفة بالمخاطر.
يتمثل التحدي الأصعب في كيفية دمج هونج كونج، وهي ميناء حر بنظامها الجمركي ونظام شبه ديمقراطي في الصين، حيث يقوم تشي بتضييق الخناق على المنتقدين وتكثيف ضوابط رأس المال خوفا من عدم الاستقرار المالي.
يخشى كثير من سكان هونج كونج منذ الآن أن تفقد مدينتهم التي يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة هويتها الفريدة، بينما تعمّق بكين سيطرتها على الحكومة المحلية.
يعترف مسؤول كبير في هونج كونج، طلب عدم ذكر اسمه بسبب الحساسية المحيطة بالموضوع، أنه سيكون من الصعب للغاية تحسين "تدفقات المعلومات ورأس المال" بين المدينة والبر الرئيسي دون أن تفقد المدينة "تفردها".
كان من المفترض أن تطلق بكين مبادئ توجيهية بشأن تكامل منطقة الخليج الكبرى في العام الماضي، لكن المسؤولين يكافحون من أجل التوصل إلى مقترحات ملموسة لدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام دون إزعاج التوازن السياسي الدقيق في هونج كونج، وذلك بحسب أشخاص على دراية بالمناقشات.
يقول لورانس هو، الذي يمتلك واحدة من مجموعات الكازينوهات الست في ماكاو وعضو في المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وهو هيئة رسمية رفيعة المستوى تقدم المشورة لبكين، إنه إذا كان للمشروع أن ينجح، فإن الحكومة بحاجة إلى تسهيل حركة الناس ورأس المال عبر الحدود بين هونج كونج وماكاو والبر الرئيسي.
على الرغم من المعارضة السياسية من كثير من سكان هونج كونج، يحذر من أن المدينة "لا يمكنها الوقوف بمفردها".
يقول مسؤول حكومة هونج كونج إنه عندما يتم نشرها، من غير المحتمل أن تؤدي إرشادات منطقة الخليج الكبرى إلى حدوث دوي كبير. وبدلا من ذلك، سيكون المشروع "حيوانا حيا"، حيث "يدخل المستثمرون، ثم يجدون قيودا على السياسة ثم يرفعون أيديهم لطلب المساعدة" من السلطات.
قالت بكين إنها ستلغي متطلبات الحصول على تصريح عمل لسكان هونج كونج في البر الرئيسي، ومنحهم إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم من الدولة.
وفي الوقت نفسه، اقترح مستثمرو هونج كونج بناء مساكن لسكان هونج كونج في قوانجدونج، للاستفادة من انخفاض أسعار العقارات وتحسين روابط النقل.
في غضون ذلك، تعمل شركة تنسنت على تطوير بطاقات تعريف إلكترونية تسهل على سكان هونج كونج ومقيمي ماكاو عبور الحدود إلى البر الرئيسي.
هذا النهج المخصص قد لا يكون كافيا لإقناع كثير من المستثمرين بالتخلي عن أموالهم. يقول جينس هيلدبراندت، رئيس غرفة التجارة الألمانية في الصين: "تهتم الشركات بإمكانات مشروع منطقة الخليج الكبرى، لكنهم لا يزالون يفتقدون خططا وإجراءات محددة".
هذا المشروع مشابه لمبادرة الحزام والطريق وغيرها من المبادرات الشيوعية الكبرى، التي يصفها يو جي، وهو خبير صيني في كلية لندن للاقتصاد، بأنها "مائعة في طبيعتها، ومبهمة في التنفيذ، ومرنة في التدابير المستخدمة لتنفيذ المشاريع".
"عبور النهر من خلال تحسس الحجارة"، كما وصف دينج كزياو بينج هذا النهج للاقتصاد، نجح في الصين في الماضي، لكن من الصعب الارتجال، في الوقت الذي يزداد فيه حجم "التناقضات" الاقتصادية والسياسية، كما يحب الحزب الشيوعي الصيني تسميتها.
يقول كريستوفر بولدينج، وهو أستاذ غادر الصين أخيرا بعد أن قضى تسع سنوات وهو يدرِّس في كلية إتش إس بي سي للأعمال في جامعة بكين في شنزن، محذرا من أنه لم يعد بوسعه أن يشعر "بالأمان" في الجدال حول موضوعات الأعمال والاقتصاد في ظل سياسة القمع التي يطبقها تشي على المعارضين: "المعركة التي تقاتل فيها بكين هي أنهم إذا أرادوا مزيدا من قدرة الوصول إلى الأسواق ورأس المال في هونج كونج، عليهم أن يكونوا منفتحين، لكن التوجه خلال السنوات القليلة الماضية كان في الاتجاه المعاكس".
في النهاية، يتوقع بولدينج أن الحاجة إلى مصادر جديدة للنمو الاقتصادي – والدافع السياسي الهادف إلى قدر أكبر من الربط بين هونج وماكاو – ستنتصر على التعقيدات.
ويقول: "هناك حجة اقتصادية قوية للغاية يمكن تقديمها من أجل زيادة التكامل بين هونج وكونج والمدن الأخرى في المنطقة، وسيتحقق ذلك، وهي مسألة تتعلق بالوقت الذي سيحتاج إليه ذلك".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES