default Author

بداية جديدة للتمويل العالمي «1 من 2»

|
تغير مشهد التمويل العالمي كثيرا بعد مرور عقد من الزمن على الأزمة المالية العالمية. فقد انخفض إجمالي التدفقات الرأسمالية العابرة للحدود "الاستثمار الأجنبي المباشر، والمشتريات من السندات وحصص الملكية، والإقراض والاستثمارات الأخرى" انخفاضا كبيرا منذ حقبة ما قبل الأزمة، وعادت مقابل إجمالي الناتج المحلي العالمي إلى مستويات أواخر التسعينيات. وفي حين تقلصت جميع أنواع التدفقات الرأسمالية، فإن الإقراض عبر الحدود يشكل أكثر من نصف إجمالي الانخفاض. وتعكس هذه الظاهرة تراجعا عن ممارسة الأعمال في الخارج وتحولا بعيدا عن تمويل تجارة الجملة عبر الحدود من جانب كبرى المصارف الأوروبية وبعض المصارف الأمريكية. فهل هذا يعني أن العولمة المالية تعود إلى الوراء؟ ويخلص بحثنا الجديد إلى الإجابة بالنفي عن هذا السؤال. فلا يزال النظام المالي العالمي شديد الترابط عند قياسه برصيد الأصول والخصوم الاستثمارية الأجنبية. ويبدو أن ما يتكشف من الأنقاض هي نسخة من الاندماج المالي العالمي أكثر حساسية للمخاطر وأكثر عقلانية ومن المحتمل أن تكون أكثر استقرارا وقدرة على الصمود - وهي في النهاية نتيجة مفيدة للجميع. أطلق كثير من المصارف الكبرى في أوروبا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة خططا توسعية عالمية جريئة قبل الأزمة، بالسعي بكل الوسائل الممكنة لتحقيق النمو على الصعيد الدولي. فقد استحدثت أعمالا مصرفية للعملاء من تجار التجزئة والشركات في مناطق جديدة، وجمعت حوافظ كبيرة من الأصول الأجنبية، مثل توريق الرهون العقارية عالية المخاطر والعقارات التجارية، واعتمدت بشكل متزايد على التمويل بين المصارف عبر الحدود قصير الأجل. ولكن الحذر أصبح الآن السمة الغالبة ويتم حاليا المحافظة على رؤوس الأموال. وتراجع الإقدام على المخاطرة كما "المملة" وعادت الأعمال المصرفية المتحفظة - حتى يقول ميرفين كينج محافظ بنك إنجلترا المركزي السابق. وكانت أكبر مصارف سويسرا والمملكة المتحدة وبعض مصارف الولايات المتحدة جزءا من حالة انسحاب واسع النطاق، لكن لم يكن انعكاس الأوضاع أكثر شدة من ذلك الذي حدث بين مصارف منطقة اليورو. وبعد صدور اليورو في الأول من كانون الثاني (يناير) 1999، توسعت مصارف منطقة اليورو خارج حدودها الوطنية إلى جميع أرجاء منطقة العملة الواحدة. ونظرا للعملة الموحدة والقواعد الموحدة إلى حد كبير، تراجعت المخاطر ذات الصلة بكل بلد على حدة أو تم تجاهلها. وزادت أرصدتها من المطالبات الأجنبية بما في ذلك القروض الخاصة بفروعها الأجنبية من 4.3 تريليون دولار في عام 2000 إلى 15.9 تريليون دولار في عام 2007. ويرجع معظم هذا النمو إلى الإقراض ومشتريات الأصول الأجنبية الأخرى في منطقة اليورو. وكانت الروابط المالية المتنامية - خاصة أسواق ما بين المصارف - مهمة أيضا، حيث ربطت بين المصارف في منطقة اليورو ولندن والولايات المتحدة. ولكن استند جزء كبير من التوسع الخارجي للمصارف إلى مخاطر غير محسوبة جيدا أو استراتيجيات غير موجهة بشكل جيد ظهرت من جديد وأثرت سلبا على المصارف. فقد اشترت بعض المصارف الأوروبية شرائح ذات تصنيف من الأوراق المالية الأمريكية المضمونة بالرهون –AAA العقارية عالية المخاطر التي أدت في وقت لاحق إلى خسائر كبيرة. واشتركت المصارف الهولندية والفرنسية والألمانية بشكل مباشر وغير مباشر في فقاعة العقارات الإسبانية وعانت آثار انفجار تلك الفقاعة. وتوسعت المصارف النمساوية كثيرا في أوروبا الشرقية حتى آسيا الوسطى، لكنها قلصت حجم أعمالها منذ ذلك الحين، وكان انكشاف المصارف الإيطالية كبيرا في تركيا، حيث ثبت أن الهوامش المعدلة لمراعاة المخاطر كانت أقل مما كان متوقعا. وكان التراجع هناك عنصرا من سلوك القطيع، حيث أدى سعي بعض المصارف الكبيرة بقوة إلى التوسع الخارجي للمشاركة في أعمال عالية الهامش إلى دفع كثير من المصارف الأخرى إلى أن تحذو حذوها. ولكن انعكس هذا الاتجاه منذ الأزمة: انخفضت المطالبات الأجنبية الخاصة بمصارف منطقة اليورو بمقدار 7.3 تريليون دولار، بما يعادل "45 في المائة على الرغم من أنها لا تزال أعلى بكثير مما كانت عليه عندما ظهرت العملة الموحدة على الساحة". وكان نصف هذه المطالبات تقريبا مرتبطا بمقترضين آخرين في منطقة اليورو، ولا سيما مصارف أخرى. وقد كان هذا التراجع استجابة رشيدة - في منطقة اليورو وخارجها - إلى إعادة تقييم مخاطر المعاملات عبر الحدود. وبعد التروي، اتضح لكثير من المصارف أن الهوامش والإيرادات على الأعمال الأجنبية أقل من مثيلتها في الأسواق المحلية، التي يكون فيها لدى المصارف حجم أعمال كبير ودراية بالأوضاع المحلية - أو على الأقل أن الأعمال الأجنبية لا تستحق المخاطر الإضافية. وأصبحت المصارف الآن تحت ضغط مستمر من الهيئات التنظيمية وحاملي الأسهم والدائنين لتكون أكثر تحفظا. وأدت الشروط الدولية الجديدة بشأن رأس المال والسيولة إلى زيادة تكاليف حيازة جميع الأصول، وتضيف الرسوم الجديدة المفروضة على المصارف المؤثرة في النظام المالي أثرا سلبيا على زيادة حجم وتعقيد مختلف خطوط الأعمال، بما في ذلك العمليات الأجنبية، وقلصت المصارف بعناية عملياتها الأجنبية استجابة لذلك. وأعطت بعض برامج البنوك المركزية التي وضعت بعد الأزمة لاستعادة الاستقرار المالي، مثل خطة التمويل من أجل الإقراض لبنك إنجلترا المركزي أو عمليات إعادة التمويل الموجه على المدى الطويل للبنك المركزي الأوروبي، للمصارف الحافز لإقراض المقترضين المحليين بدلا من الأجانب... يتبع.
إنشرها