FINANCIAL TIMES

اليد الألمانية القوية تمتد طالبة الإنقاذ من اليد الأجنبية

اليد الألمانية القوية تمتد طالبة الإنقاذ من اليد الأجنبية

يدير هيربرت ستريبيتش شركة شحن بالقرب من راشتات، جنوب غربي ألمانيا، التي تعاني مشكلة شائعة بشكل متزايد: كثير من العمل وعدد غير كاف من العمال.
قال ستريبيتش: "تصلنا مكالمات من الشركات بشكل يومي لنقوم بتنفيذ أعمال – ويتعين علي أن أتعامل معها كلها. هذه الأيام، أتلقى طلبات من عملائي العاديين فحسب".
تحتاج شركته إلى ما لا يقل عن ستة عمال للمستودعات وخمسة سائقين للشاحنات، لكن سوق اليد العاملة المحلية جفت تماما.
قال ستريبيتش، الذي قدر بأنه يستطيع زيادة حركة المبيعات بنسبة 15 في المائة إن كان بإمكانه فقط العثور على العاملين: "لا يمكنك تصديق مدى صعوبة العثور على العمال".
يمكن سماع شكاوى مماثلة من قادة الأعمال وخبراء الاقتصاد في كل أنحاء البلاد. وهم يحذرون من أن نقص اليد العاملة الماهرة أصبح الآن منتشرا جدا لدرجة أن ذلك يتسبب في إلحاق أضرار خطيرة في الاقتصاد الألماني. استجابة لذلك، بدأت حكومة أنجيلا ميركل بالضغط للتوصل إلى حل واضح، لكنه مثير للجدل من الناحية السياسية: توظيف مزيد من العمال الأجانب من بلدان من غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
هناك قانون جديد للهجرة قيد الإعداد يستهدف اجتذاب مزيد من العمال المهرة لألمانيا، ويرجو المسؤولون الحكوميون أن يتخذ شكل القانون الرسمي قبل نهاية هذا العام.
كما تشير ورقة حكومية حديثة تبين ملامح القانون المستهدف، "يتبين الآن أن نقص العمالة المؤهلة يشكل خطرا لا يستهان به على الاقتصاد الألماني".
تجادل الوثيقة بأن إمداد العمال من ألمانيا والاتحاد الأوروبي "الذين لديهم الحق في الاستقرار والعمل في أي مكان في الاتحاد"، هو ببساطة ليس كافيا لتلبية متطلبات الشركات المحلية.
تخلص الورقة بالقول: "لذلك يتعين علينا أن نكون أكثر نجاحا عندما يتعلق الأمر باجتذاب العمال المهرة المؤهلين من بلدان العالم الثالث".
تبذل برلين أقصى ما في وسعها لتؤكد على أن الخطة التي تستهدف اجتذاب مزيد من العمالة الماهرة من الخارج، وأن ذلك لا علاقة له بالحوار السياسي الجاري منذ وقت طويل، الذي يدور حول سياسة اللجوء واللاجئين.
حزب ميركل - أي الاتحاد الديموقراطي المسيحي - أوضح مرارا وتكرارا أنه يجب على القانون الجديد ألا يقدم حافزا لأن يأتي مزيد من اللاجئين أو المهاجرين غير المهرة إلى المانيا.
قلقهم هو علامة على التشنجات السياسية التي تسببت بها أزمة اللاجئين بين عامي 2015 و2016، عندما استقبلت ألمانيا أكثر من مليون مهاجر من بلدان الأزمات، مثل سورية وأفغانستان والعراق. الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين الوافدين أثارت رد فعل سياسي عنيفا، وساعدت في دفع ظهور حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف.
في السنوات التي تلت، تعرض القادة السياسيين الألمان لضغوطات متصاعدة لخفض أعداد اللاجئين، وتسريع ترحيل طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم.
كان حزب البديل لألمانيا في طليعة الجهود القوية الرامية إلى وضع قانون الهجرة الجديد. انتقدت أليس فايدل، زعيمة جماعة حزب البديل لألمانيا في البرلمان، الخطة كونها "تثير ولا تسيطر على الهجرة" ولسماحها "بإغراق الأجور" الأمر الذي يلحق الضرر بالعمال المحليين.
في المقابل، رحبت كل من منظمات الأعمال واتحاد أرباب العمل الألمان بهذه المبادرة. ويشيرون إلى أن النظام الحالي يجعل من السهل نسبيا توظيف خريجي الجامعات ذوي الأجور الجيدة من البلدان غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. إلا أن من الأصعب بكثير جلب العمال المهرة، من النوع الذي تستخدمه الصناعة الألمانية بأعداد هائلة.
ثمة عقبة كبيرة تقف في وجه الشركات الألمانية الآن وهي أنه يتعين عليها إثبات عدم وجود أي عمال محليين قادرين على ملء الوظائف الشاغرة.
العقبة الأخرى هي أنه ليس باستطاعة الشركات توظيف العمال في مهن مدرجة رسميا بأنها تعاني نقصا في العرض. وفقا لمشروع القانون الذي اقترحته الحكومة، سيتم إلغاء هذين القيدين.
هذه الخطوة هي علامة على حقيقة بسيطة: لم يعد النقص في أعداد الموظفين حدثا منعزلا.
قال ألكسندر بيرستيد، خبير اقتصادي في مجال العمالة في المعهد الاقتصادي الألماني: "اعتدنا بأن تكون هذه قضية مقتصرة على المهن التي تتطلب مهارات ومؤهلات كبيرة، مثل علوم الحاسوب والهندسة. الآن، هذه مشكلة أوسع نطاقا بكثير، لأنها تؤثر على كثير من المهن غير الأكاديمية".
الشركات صغيرة الحجم وشركات الحرف التجارية التقليدية هي من بين أكثر الشركات تضررا، كما هي المستشفيات وصناعة الرعاية الصحية. الوضع خطير، خاصة في جنوبي ألمانيا الزاخر بالصناعة، حيث يمكن لمعدلات البطالة المحلية أن تكون منخفضة جدا بحيث تصل إلى مستوى 1 في المائة إلى 2 في المائة.
قال فولفجانججرينكي، رئيس غرفة التجارة في كارلسروهه، وهي مدينة مزدهرة في جنوبي ألمانيا تعاني معدل بطالة 2.8 في المائة فحسب: "أجرينا دراسة استقصائية شملت الشركات الأعضاء لدينا في شهر أيار (مايو) الماضي: قال 60 في المائة من المشمولين إنهم يعدون النقص في أعداد الموظفين المؤهلين خطرا يهدد أعمالهم. وكان هذا الأمر مصدر القلق الرئيس".
وفقا لبيانات رسمية، هناك أكثر من 1.2 مليون وظيفة شاغرة في كل قطاعات الاقتصاد الألماني. حتى مع الأخذ في الحسبان عدم التطابق الإقليمي والإمكانات غير المستغلة، مثل العاطلين عن العمل منذ فترة طويلة، يعتقد المعهد الاقتصادي الألماني أن هناك نحو 440 ألف وظيفة، لا يمكن إشغالها من قبل عمال موجودين في ألمانيا.
قال بيرستيد إن التكلفة الكلية التي تقع على الاقتصاد تصل إلى 30 مليار يورو سنويا على الأقل – ومن المؤكد أنها سترتفع في المستقبل القريب. كما أشار قائلا: "الأمور سيئة بما فيه الكفاية الآن. يجب عليكم أن تتذكروا بأن جيل مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية آخذ في التقاعد الآن، وهذا سيؤدي إلى فتح ثغرة أخرى في القوة العاملة".
مثل معظم الخبراء، يرى بيرستيد إن التصدي لمشكلة النقص في اليد العاملة في ألمانيا سيتطلب مجموعة كبيرة من الإجراءات، بدءا من رفع مستوى مهارات القوى العاملة الحالية، وصولا إلى جلب العمال المهرة من الخارج. الأمر الذي لا شك فيه هو الطابع الملح لهذا التحدي.
بدوره قال ستريبيتش: "ليست لدينا أي مشكلة في الحصول على التمويل. ولا نعاني أي مشكلة في الحصول على عملاء. المشكلة الوحيدة التي نعانيها هي نقص عرض العاملين".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES