الرسائل الكامنة خلف سياسات التوظيف

يعتقد معظم الأشخاص أن إنجاز صفقة رابحة يتطلب امتلاك نقاط قوة خلال المفاوضات، لكن ترجمة هذه القوة إلى قيمة حقيقية ليس بالمهمة السهلة.
تشتهر شركات الإنترنت بأنها تولي أهمية للتنوع وتتصف كذلك بشموليتها وخروجها عن المألوف. ومن المثير للسخرية، لجوء بعض هذه الشركات إلى تبني أساليب تقليدية في عملية التوظيف لفرض سيطرتها، ويأتي ذلك من خلال تقديم عروض عمل ثابتة دون فتح المجال للتفاوض، انطلاقا من مبدأ "القبول أو الرفض". تدعي شركات مثل "رديت" و"ماغوش أنك" و"جيت دوت كوم" تبنيها مثل هذا الأسلوب في سبيل الحفاظ على الشفافية والنزاهة بين الطرفين، لأنه عادة ما تخلص المفاوضات المتعلقة بالراتب لمصلحة الذكور، المعروف عنهم الصلابة في التفاوض أكثر من النساء.
يبدو ذلك اتجاها سائدا بين أرباب العمل، والمثير للتساؤل هنا إذا ما كان يجب على الشركات تبني هذه الاستراتيجية. كما سنناقش كيف أن اتباع مثل هذا النهج من شأنه أن يتسبب في عواقب غير مرغوب فيها قد تؤثر سلبا في عملية التوظيف من ناحيتين:
أولا: الرسالة التي توجهها الشركة بعدم رغبتها في التفاوض مع المتقدمين للوظائف ينطوي على دلالات قوية بأن العلاقة مع الشخص المتقدم للوظيفة في المستقبل ستقوم على مبدأ استخدام هذا النفوذ بأسلوب عملها. كما تعطي مؤشرا أن المتقدمين للوظيفة ليسوا على درجة من الأهمية بالنسبة إلى الشركة، وأن معتقداتهم وأفكارهم ليست ذات قيمة. كما تشير إلى أن الشركة تتبع قواعد صارمة ولا تتقبل أي طروحات أو أفكار جديدة.
ثانيا: قد تعزز من الشعور بفقدان الحافز، وتوجد حاجزا بين الموظف والشركة خاصة إذا ما كانت الشركة ذات سمعة حسنة. يظهر بحث أجراه زميلي نيل بيردن أن عروض العمل ذات المهلة المحددة للقبول قد تؤدي إلى ضعف الارتباط بالعمل، لأن الموظفين لا يرغبون في أن يقوموا بخطوة إضافية لشركة ليست مستعدة لأن تقوم بخطوة واحدة لمصلحتهم.

الرفض أو القبول
كما أشرت في كتابي تقدير التفاوض "كيفية إنهاء المفاوضات لمصلحة جميع الأطراف"، من المهم أن نكون على دراية بأن عملية التفاوض ستشمل أكثر من جانب، وأنه بمقدورنا تحويل مسار المفاوضات لمصلحتنا. كان ليمول بولوير مسؤول علاقات الموظفين في شركة جنرال إلكتريك في 1950 يجهل هذه الحقيقة. ودفعته إصابته بالإحباط بسبب إجراءات التفاوض مع الموظفين إلى ابتكار استراتيجية جديدة للتفاوض، أصبحت تعرف فيما بعد باسم "باولاريزم"، الذي بموجبها قام بموازنة احتياجات الموظفين، مع بيانات الرواتب التي تدفعها شركة جنرال إلكتريك كحد أقصى. ومن ثم قام بعرضها على نقابة العمال كعرض وحيد من مبدأ "القبول أو الرفض". كانت العروض التي قدمها عادلة والأفضل في هذا القطاع بالنسبة إلى البعض، في حين اتهمه البعض الآخر بالتلاعب بالبيانات ومحاولة تجاوز النقابات. لكن اتفق الجميع على أن استراتيجية "باولاريزم" كانت صارمة. وأدى نهجه هذا إلى اضطرابات طويلة، حيث أدانت محكمة أمريكية شركة جنرال إلكتريك في عام 1965، لرفضها الدخول في مفاوضات جماعية.

أسلوب آخر
فشل بولوير في الانغماس فيما أطلق عليه "المفاوضات الثلاثية"، التي تركز على ثلاثة جوانب: العلاقة بالمفاوض، وجوهر المفاوضات، وآلية التواصل. ففي حين ركز كلا الطرفين في الأمثلة التي طرحناها على قضية الجوهر وهي المفاوضات حول الراتب، إلا أنه تم التغاضي عن الجوانب الأخرى وهي العلاقة بالطرف الآخر وآلية التواصل لضمان خروج جميع الأطراف فائزين، وتحقيق المنفعة المتبادلة. كما سيطر كلا الطرفين على المعلومات واتخذوا إلى حد ما موقفا غير عادل.
ففي نهاية المطاف فإن مفهوم العدالة قد يكون هو معاملة الأشخاص المختلفين بطريقة مختلفة، وبالتالي فإن رفض التواصل قد يرسل برسالة عكسية. فطريقة التواصل قد ترسل رسائل إلى المرشحين وتدفعهم إلى الاعتقاد أن الشركة لا تفتح بابا للحوار.
وبذلك لن تكون هناك أي ضغوطات إضافية على الموظفين الجدد لأداء مهام إضافية. لكن من الأهمية بمكان أن تتم مكافأتهم في حال ما تميزوا، ولا يزال بإمكان الشركات تقديم عرض عمل براتب ثابت وغير قابل للتفاوض لضمان إنصاف الموظف، لكن مع مراعاة مكافأة الأشخاص الذين يقومون بجهود إضافية. بهذا الشكل سيكون عرض صاحب العمل عادلا، وفي المقابل يتيح للأشخاص حرية السعي وراء تحقيق أهدافهم الشخصية، وتمنحهم الشعور بالتقدير لما قدموه من مساهمات.
ويجب تعزيز ذلك من خلال وضع معايير ملموسة للأداء لضمان تحقيق المهام المطلوبة، ومن الملاحظ أن وضع مثل هذه المعايير يحقق للمرأة المساواة مع الرجل في الأمور المتعلقة بالحصول على الترقية، ومكافأتهم على أدائهم، ما يضمن قيمة التنوع بجميع أشكاله بالنسبة إلى الشركة، وليس فقط بناء على جنس الشخص فحسب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي