هل من سبيل لمقاومة إغراء هواتفنا الذكية؟

هل من سبيل لمقاومة إغراء هواتفنا الذكية؟

خلال رحلة قادتني أخيرا إلى البندقية، رأيت هناك مشهدا لافتا للنظر. بالطبع، رأيت الكثير: جسر بونتي دي ريالتو وقت الغسق، والزجاجيات المزخرفة في مورانو، ومشهد المدينة من على برج الجرس في سان جورجيو ماجيوري، وأعمال كل من بوش وتيتيان وتينتوريتو. كنت محظوظا بالفعل.
لكن المشهد الذي بقي عالقا في الذاكرة كان حاضرا كلما ركبت قارب فابوريتو، الحافلة المائية في البندقية التي هي المقابل لحافلة لندن. في كل أنحاء المكان تجد أشخاصا يحدقون في شاشات هواتفهم وهم يلعبون لعبة slither.io أو يتصفحون حساباتهم عبر إنستجرام.
لا شك في أن عددا قليلا منهم كان من السكان المحليين الذين سئموا رؤية المناظر التي تعج بها مدينتهم. لكن خلال عطلة نهاية أسبوع في فصل الصيف الحار، أعتقد أن معظم الموجودين هم من السياح. رحلتهم في القارب تمنحهم فرصة مشاهدة منظر رائع لمدينة فريدة من نوعها ليس من السهل زيارتها أو تحمل تكاليفها المالية. مع ذلك، شعروا بأنهم مضطرين للتغاضي عن بعض المشاهد التي دفعوا ثمنا باهظا للتحديق فيها.
نحن عالقون مع أجهزتنا. في أية لحظة، يمكن لأجهزتنا أن تطالب بأن نركز عليها وذلك عندما يرن جرسها، أو تصدر صوتا، أو حتى تهتز بإصرار طلبا للإجابة. فهي أجهزة تتطور باستمرار لتقوم بذلك بشكل أكثر فعالية. لهذا السبب يقضي مستخدمو الهواتف في البلدان المتقدمة الآن نحو ساعتين يوميا وهم يعابثون شاشاتهم الزرقاء الصغيرة – جزء كبير من أوقات الفراغ المتاحة لنا.
في الآونة الأخيرة بدأت شركات التكنولوجيا الكبرى، أبرزها أبل، في الترويج لميزات جديدة تحارب تشتيت الانتباه، مثل أدوات تتعقب استخدامك للهاتف، أو تذكرك بإيقاف مشاهدة مقاطع الفيديو على يوتيوب. ومع أن هذه الأمور موضوع ترحيب، إلا أنها سمات فاترة وبطيئة الوصول.
لا عجب في ذلك. تحقق شركات التكنولوجيا، ولا سيما فيسبوك وجوجل، أرباحا من خلال توجيه انتباه الزبائن إلى المعلنين. كلما زاد الاهتمام لديهم، تمكنت تلك الشركات من بيع المزيد. وهناك حد لمدى المساعدة المتوقعة منها في تمكيننا من استعادة السيطرة.
لذلك، ومن دون السماح لشركات التكنولوجيا بالهروب من العقاب، يجب أن تلقى المسؤولية الرئيسية في توجيه اهتمامنا على عاتقنا نحن. هناك الكثير مما يمكننا القيام به.
المبدأ الأول والأبسط: إن كنت تريد فعل شيء ما في المستقبل، اجعل هذا الأمر سهلا، وخلاف ذلك، اجعله أمرا صعبا.
لذلك، عليك بطبيعة الحال إيقاف تشغيل الإشعارات. تأكد من أن هاتفك يتحول تلقائيا إلى وضع الصامت كل ليلة، بحيث يتم كتم صوت المكالمات والرسائل الواردة. يكون هاتفي صامتا في الفترة بين العاشرة مساء إلى السابعة صباحا، وكتم الصوت لفترة أطول ربما يكون أفضل. اشحن هاتفك في مكان بعيد عن مكان نومك (على الرغم من أن دائرة الإطفاء في لندن تقول لا ينبغي شحن الهاتف ليلا على الإطلاق). هذه نصيحة بدهية، لكنني أستطيع أن أؤكد لكم أنها نصيحة جيدة. يصبح هاتفك أقل تشتيتا دون الحاجة إلى بذل أي نوع من قوة الإرادة؛ أتوقع أنك ستعيد ضبط الوقت خلال 24 ساعة.
تريستان هاريس، مصمم سابق لدى جوجل ومؤسس حركة "إنفاق الوقت بحصافة" Time Well Spent، يقترح اتخاذ المزيد من الخطوات – وضع العناصر الأساسية فقط مثل التقويم والكاميرا على الشاشة الرئيسية للهاتف وإخفاء الأيقونات الخاصة بالتطبيقات المزعجة كلها. إن أردت استخدام إنستاجرام، يمكنك طباعة "إنستاجرام" في الجزء المخصص للبحث في الهاتف. وهذا أمر فاعل لأنه بينما يكون البحث سريعا، فإنه يتطلب جهدا واضحا.
أتوقع أن زملائي من السياح بدأوا في التقاط الصور. ومن ثم بدأ الانتباه في التسرب: أرادوا نشر تلك الصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي انزلقوا دون تفكير في الدخول إلى عالم الألعاب والأخبار الواردة. ربما كان من المفيد لهم اتباع نصيحة هاريس.
ثمة نصيحة أخرى هي ملاحظة الوضع العاطفي لديكم. خلال فترة العطلة، أحيانا ما أجد من السهل نسيان أمر الهاتف. الاستثناءات كانت لها دلالتها: مشكلة (بسيطة) وصلت عبر البريد الإلكتروني، وشعرت بالقلق بعض الشيء، وأردت إرسال رد سريع، وأردت إعلام الأشخاص المعنيين، وأردت معرفة كيف كان ردهم، وفجأة وجدت نفسي أتابع الهاتف كل بضع دقائق حتى أدركت ما حصل لي وتوقفت فجأة.
ثالثا، واصلوا التكيف، لأن من المؤكد أن شركات التكنولوجيا ستفعل ذلك. قبل بضعة أشهر، قمت بتثبيت حاجز على صندوق الوارد، وهو خيار بسيط يبعدني عن صندوق الوارد من رسائل البريد الإلكتروني من خلال إرغامي على النقر على زر إضافي. بعد فترة قصيرة، لاحظت أن هناك عواقب غير مقصودة مترتبة على ذلك: واجهت حالة انغلاق ذهني أثناء العمل، لذلك كنت أعالج نفسي عن طريق التحقق من البريد الإلكتروني، وكان يتم منعي من قبل حاجز البريد الوارد وينتهي بي المطاف بفحص وسائل التواصل الاجتماعي بدلا من ذلك. النتيجة: مجرد تشتيت كبير بطريقة بسيطة. بعدها ألغيت تثبيت البرنامج المانع.
أخيرا، عليك أن تستفيد من الضغط الاجتماعي. المنصات مثل فيسبوك وسناب تشات ولينكد إن تحول التبادل والخوف من تفويت الأشياء إلى أسلحة. المنصة الأكثر فظاعة هي "سناب ستريك" عبر تطبيق سناب تشات، حيث تحتاج إلى مواصلة تبادل الرسائل كل 24 ساعة مع صديق ما من أجل الحفاظ على ديمومة الحوار. بعض الأطفال سيفعلون أي شيء للحفاظ على ذلك – بما في ذلك إعطاء كلمات المرور الخاصة بهم للسماح للآخرين بإرسال الرسائل عندما لا يستطيعون ذلك. ربما يحتقر الكبار ذلك، لكن فقط لأن هواتفنا أصبحت أكثر دهاء في الطريقة التي تتلاعب بها في همومنا الاجتماعية.
البشرى السارة هي أن الضغط الاجتماعي يكون فاعلا في كلا الاتجاهين. عليك أن تؤكد لشريكك، أو أصدقائك، أو زملائك أنك لن تنظر إلى هاتفك خلال انخراطك في حوار، أو أثناء تناول الطعام، أو عندما تكون في اجتماع. اطلب منهم أن "ينقوا" على رأسك عندما لا تلتزم بموقفك – وأن يذكروك بأن تستمتع بالمنظر أمامك.

الأكثر قراءة