الأسواق .. أزمة أغسطس تركية الأصل والمنشأ هذا العام

الأسواق .. أزمة أغسطس تركية الأصل والمنشأ هذا العام

دائماً ما يحمل شهر آب (أغسطس) مخاطر إضافية للأسواق في الوقت الذي يتراجع فيه النشاط في قاعات التداول وتشح السيولة. وهذا العام تسببت العملة التركية المتهاوية في أزمة حقيقية.
لكن الليرة ليست الأمر الوحيد على قائمة المستثمرين لمخاطر آب (أغسطس). العقوبات الأمريكية ضد روسيا وإيران، وتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والنشر الوشيك للميزانية من قبل الحكومة الشعبوية في إيطاليا كلها أمور مثيرة للقلق.
إذا كان النهج المتشدد الذي يتبعه البيت الأبيض بشأن العقوبات والرسوم الجمركية قد أثبت أنه محرك أساسي هذا الشهر، فإن الأسواق الأمريكية قد نجت من الاضطرابات: ارتفع مؤشر الدولار مقابل العملات الأخرى إلى أعلى مستوى له في 13 شهراً، بينما يقترب مؤشر ستاندارد آند بورز 500 من ارتفاع قياسي سجله في كانون الثاني (يناير).
تفوق أداء الولايات المتحدة هو تذكير بموضوع ثابت هذا العام: أن الاقتصاد الأمريكي متفوق على المنافسين الرئيسين وأن الاحتياطي الفيدرالي يعمل على رفع أسعار الفائدة، بينما البنوك المركزية الأخرى تبتعد بحذر عن التسهيل الكمي. وفي الوقت الذي تتحرك في الأزمة التركية بسرعة، الاضطراب الأخير كان كافياً للتأثير في اليورو والمصارف الأوروبية، بعد أن شعر المستثمرون بالقلق من الآثار السلبية التي ستتحملها المنطقة من هبوط الليرة والآفاق القاتمة للاقتصاد التركي. "التصورات تعتبر دائماً عاملاً أساسياً للمشاركين والمستثمرين في السوق"، كما قال ستيفن جالو، وهو خبير استراتيجي في أسواق الصرف لدى "بانك أوف مونتريال"، مضيفاً أن تجارة منطقة اليورو مع تركيا صغيرة، في حين أن مطالبات مصارف منطقة اليورو على تركيا في الربع الأول لم تكن ذات أهمية خاصة.
وقال: "في إطار ربحية المصارف المنخفضة والحد الأدني لمرونة منطقة اليورو على مواجهة الصدمات، المخاطر المالية المباشرة الناتجة عن تعرض مصارف منطقة اليورو لتركيا تكتسي أهمية كبيرة، خاصة بالنسبة لليورو".
ويتزامن تكشف فصول الأزمة التركية مع عودة التوتر السياسي في إيطاليا ليشكل من جديد تحديا لمنطقة اليورو: في نهاية الأسبوع الماضي كانت السندات الإيطالية متخلفة عن الأسواق الأخرى، مع ارتفاع أرباح السندات المعيارية لأجل عشر سنوات عشر نقاط أساس تقريباً لتصل إلى 2.98 في المائة.
متاعب تركيا تؤكد أن الجيوسياسة في آب (أغسطس) تثبت أنها العامل المحفز للاضطراب. لكن كما قال سايمون ديريك، الخبير الاستراتيجي في أسواق الصرف لدى مصرف نيويورك ميلون: "إذا كان هناك موضوع مشترك، فهو ليس دائماً مرتبطاً بالولايات المتحدة. الأمر يتعلق بالخلافات بشكل أو بآخر".
واعترف ديريك بأن المخاوف بشأن الصين، وروسيا، وتركيا يمكن أن يكون مصدرها الحمائية والعقوبات الأمريكية، لكن هناك تطورات أخرى مثيرة للجدل تسبب القلق، بما في ذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والخلاف بين المملكة العربية السعودية وكندا.
إذا كانت منطقة اليورو التي فقد اقتصادها الزخم أثبتت ضعفها أمام التوتر في تركيا فإن الاهتزاز والتموجات الناشئة عن المواجهة بين الرئيس رجب طيب أردوغان والمستثمرين وصلت أيضاً إلى الأسواق الناشئة الأخرى. وانخفض مؤشر جيه بي مورجان للعملات في الأسواق الناشئة الأسبوع الماضي، وفقد أكثر من نقطة مئوية كاملة بين يوم الخميس والجمعة فقط.
قالت جين فولي، وهي خبيرة استراتيجية في رابوبانك: "العدوى كلمة يتم استخدامها كثيراً. إضافة إلى المخاوف الكبيرة الموجودة بشأن الحروب التجارية والتمويل بالدولار (هبوط الليرة) أمر يزيد من الضغوط. وهو سبب آخر يدعو لعدم امتلاك أسهم في الأسواق الناشئة".
وظهر أثر تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في الأسواق الناشئة طوال العام، ما زاد الضرر الذي سببه ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية وارتفاع قيمة الدولار.
وتراجع مؤشر جيه بي مورجان للعملات في الأسواق الناشئة 12.5 عن أعلى مستوى له في كانون الثاني (يناير). بينما انخفض مؤشر مورجان ستانلي لأسهم الأسواق الناشئة 16 في المائة. وتراجعت السندات السيادية 4 في المائة والسندات الحكومية المحلية 11 في المائة، وفقاً لمؤشرات جيه بي مورجان.
وقالت فولي: "طالما أن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة مرتين هذا العام، من الصعب رؤية انعكاس في مسار الدولار الأمريكي".
وفي حين أن الانخفاض الفوضوي في الليرة أضر بالعملات الأخرى في الأسواق الناشئة، حذر محللون من استنتاج أن العدوى ستكون ضخمة ودائمة.
وتعتبر الليرة واحدة فقط من عشر عملات يتكون منها مؤشر جيه بي مروجان للعملات في الأسواق الناشئة، بوزن يبلغ 8.33 في المائة، مقارنة بوزن يبلغ فقط 0.55 في المائة في مؤشر مورجان ستانلي للأسهم في الأسواق الناشئة.
وأي انخفاض في الليرة، خاصة في حالات السيولة المقيدة، يمكن أن يزيد تفاقم التأثير الناتج عن ذلك. ومع الانخفاض الأخير للعملة التركية مقابل الدولار كانت التحركات في عملات الأسواق الناشئة الأخرى أكثر تواضعاً.
انخفض الروبل الروسي 1.5 في المائة مقابل الدولار قبل أن يتمكن من تقليص خسائره. وتراجع الراند الجنوب إفريقي 3 في المائة، والبيزو المكسيكي 0.6 في المائة.
قال بول ماكنمارا، وهو خبير استراتيجي في عملات وسندات الأسواق الناشئة في شركة جام إنفستمنتس: "الوقت الذي كان يسقط فيه الريال البرازيلي بسبب سقوط البيزو الأرجنتيني انتهى منذ زمن"، مضيفا أن عمليات البيع في الأسواق الناشئة لم تكن تتعلق بتركيا بل بقوة الدولار المستمرة.
ومع ذلك، حدوث نهاية فوضوية لأزمة تركيا -فرض قيود على رأس المال مثلا- يمكن أن يطلق العنان لمزيد من الضغوط على الأسواق الناشئة الأخرى.
قال تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين في "رينسيانس كابيتال" "إذا انتهى الحال إلى فرض تركيا ضوابط على رأس المال، ستسأل الأسواق من التالي؟ باكستان؟ روسيا؟"
"سيسألون عما إذا كانت التجارة قد تضررت من انعكاس العولمة الناتج عن حروب ترمب التجارية أم من الضرر الذي لحق بحرية حركة رأس المال".

الأكثر قراءة