رسالة معنونة إلى جونسون .. «الخارجية» الوزارة لا الوزير

رسالة معنونة إلى جونسون .. «الخارجية» الوزارة لا الوزير

أصبح من الحكمة التقليدية أن يكون وزراء الخارجية والدبلوماسية التقليدية، من المفارقات الزمنية التي تعود إلى القرن التاسع عشر.
ذلك أنه في عالم معولم ومنفتح على الاتصالات، ربما يبدو وكأن فائدة السفراء، بل حتى وزراء الخارجية لا يمكن أن تتجاوز فائدة الحصان والعربة في عصر السيارات السريعة.
على أنه في حين أن العصر الذهبي لوزراء الخارجية ربما يكون قد ولى، لا تزال وزارات الخارجية تمثل إدارات حيوية تابعة للدولة.
صحيح أن هنالك اليوم طرقا أكثر بكثير من قبل للتواصل وجمع المعلومات حول العالم الخارجي، كما أن من الصحيح أيضا أن رؤساء الوزراء ورؤساء الجمهورية يعملون بشكل متزايد على تركيز عناصر حاسمة في السياسة الخارجية في أيديهم.
في السنوات الأخيرة، قامت كل من اليابان والصين والمملكة المتحدة بتأسيس مجالس خاصة بالأمن القومي – تتركز حول مكتب رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية. أما وزراء الخارجية فهم في الدائرة الخارجية أكثر ما هم في الدائرة الداخلية.
كما أن من السهل أيضا الحكم على وزراء الخارجية الجدد بأنهم يفتقرون إلى مكانة "العظماء"، التي ساعد مؤتمر فيينا عام 1815 على إيجادها.
لم يعد هنالك وزراء خارجية بثقل وبراعة آباء الدبلوماسية الدولية التقليدية من شاكلة شارل دي تاليران بالنسبة لفرنسا، ولا دين آتشيسون بالنسبة للولايات المتحدة، أو فيلي براندت بالنسبة لألمانيا ولا اللورد كارينجتون بالنسبة للمملكة المتحدة.
مع ذلك، يمكن أن يصبح وزراء الخارجية أشخاصا فاعلين، حتى إن لم تكن أسماؤهم معروفة للجميع. عدم الشهرة هو الأمر الذي ربما يسمح لوزراء خارجية معاصرين ليس لهم مثل ذلك الوهج القديم، من أمثال هيكو ماس في ألمانيا وجان- إيف لو دريان في فرنسا وموظفيهم، على سبيل المثال، بالتركيز على الأعمال المعقدة، المتمثلة في إدارة العلاقات مع البلدان الأخرى.
في الواقع، لم تصبح مهمة مكتب الكومنولث والخارجية في المملكة المتحدة أسهل بعد أن تولى رئاسته حتى عهد قريب، بوريس جونسون، وهو وزير خارجية يعرف بأنه يثير استياء الآخرين، ويفتقر إلى الكفاءة ويحب الاستعراض.
استقال جونسون في تموز (يوليو) الماضي، بعد فترة ولاية شهيرة من جهة وكئيبة أيضاً، في ظل الخلاف مع رئيسة الوزراء تريزا ماي، حول الخطة الأمثل لتحقيق "بريكست"، علماً بأنه كان من قادة المطالبة بالخروج من الاتحاد الأوروبي.
في بعض الأحيان، يكون وضع وزارات الخارجية جيداً، على الرغم من قادتها وليس بسببهم. ولا تزال تلك الوزارات تضطلع بمهمة حاسمة عليها تحقيقها. ربما لم تعد القضايا الرئيسة تدار من قبل وزارات الخارجية.
على أن هذا الوضع لا يمنع وجود الأعمال اليومية المتمثلة في التنسيق والتخطيط والتفاوض مع البلدان الأخرى، التي لربما لا يجد رؤساء الدول وقتا كافيا أو خبرة كافية للتعامل معها.
هذا هو الواقع الذي يواجهه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، فهو لا يولي أهمية كبيرة لمسألة التخطيط المعقد والعمل الجماعي غير البارز، الذي هو مهم وضروري لكي تصبح وزارات الخارجية وزارات فاعلة، سواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة أو غيرها من البلدان.
كما أنه غير مستعد أيضا للتشارك مع الآخرين، حتى مع المسؤولين في إدارته.
على سبيل المثال، فإن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، في الوقت الذي يحاول فيه إنعاش وزارة الخارجية المفرَغة من مضمونها، دائما ما يسير على بُعد خطوة واحدة خلف الرئيس.
نظرا لبراعة الرئيس الأمريكي في تنفير حلفاء أمريكا التقليديين وتكوين صداقات في أماكن غريبة، اضطلع بومبيو بواحدة من أصعب مهمات وزراء الخارجية. من خلال التركيز على العلاقات الشخصية، يعمل الرئيس الأمريكي ترمب على تعطيل التقاليد الدبلوماسية التي يعود تاريخها إلى مؤتمر فيينا.
إضافة إلى إعداد سابقة المفاوضات الدبلوماسية في الجلسات العامة، نتج عن المؤتمر ارتفاع مكانة وزراء الخارجية.
ربما يكون قد انتهى "حكم" وزراء الخارجية، لكن في القرن الحادي والعشرين ما زال هنالك حتى الآن مهمات أكثر يتعين على الدبلوماسيين إنجازها.
في عصر وسائل التواصل الاجتماعي وانخفاض تكاليف السفر جوا، يزيد تفاعل الدول والمجتمعات. والوقائع السياسية تتحول بسرعة، سواء داخل التكتلات الإقليمية أو بين القوى العظمى، وكما يذكر ستيفن بينكر أستاذ علم النفس في جامعة هارفارد، حتى لو كانت التغييرات أقل عنفا عما كانت عليه في الماضي.
على الأغلب، تعمل وزارات الخارجية بشكل جيد، فهي لا تزال حيوية ومهمة للمسار الآمن الذي تتخذه العلاقات الدولية. إن كانت تبدو غير فاعلة، سيكون السبب هو مواردها المتواضعة أحيانا، التي تحاول جاهدة التكيف مع عصر ترمب، حيث ترمم الفجوات الموجودة في الاتفاقيات الدولية، والعلاقات متعددة الأطراف في كل أنحاء العالم.

الأكثر قراءة